جثة طفل في الـ13 من العمر تبدو عليها آثار التعذيب الوحشي تثير موجة من الغضب في سوريا

بعد تسليم جثتي شخصين معوقين عقليا بدت عليهما آثار جراحات وتعذيب

صور من فيديو عرضت على اليوتيوب لمظاهرات في الزبداني والقامشلي
TT

أثار فيديو تعذيب الطفل السوري حمزة علي الخطيب البالغ من العمر 13 عاما، ردود فعل غاضبة واستنكارا كبيرا للوحشية التي استخدمت مع هذا الطفل. وخصصت صفحة على موقع «فيس بوك» للطفل حمزة، كما أطلق الناشطون السوريون على يوم أمس اسم «سبت الشهيد حمزة الخطيب»، وكتب تحتها على خلفية صورة الطفل: «كل يوم طالعين»، في إشارة إلى الخروج للتظاهر.

وحمزة من قرية الجيزة في محافظة درعا خرج في مظاهرة مع أهله ومتظاهرين آخرين يوم «جمعة الغضب» في 29 أبريل (نيسان)، وتم اعتقاله عند مساكن صيدا ولم يسلم لأهله إلا قبل يومين، يوم الأربعاء الماضي، جثة تبدو عليها آثار التعذيب. وتوضح صور الجثة التي عرضت على موقع «يوتيوب» أنه تم قطع عضوه التناسلي مع تعرضه للضرب المبرح حيث توجد آثار كدمات على الوجه والساق وكسر العنق، ومن ثم تعرض لإطلاق الرصاص، حيث تبين الصور أن طلقة اخترقت ذراعه واستقرت في خاصرته اليسرى وطلقة أخرى في خاصرته اليمنى خرجت من ظهره، وتبدو طلقة ثالثة في صدره.

وجرى نقاش حاد بين السوريين على صفحات «فيس بوك» حول صور الطفل، وانقسموا إلى ثلاث فئات، الأولى اعتبرت الجريمة دليلا على وحشية النظام الأمني، والثانية نفت أن تكون الأجهزة الأمنية من فعل ذلك، لأنه «من غير المنطقي أن يسلموا الجثة للأهل لتكون دليل إدانة»، والفئة الثالثة التزمت بموقف إنساني بحت طالبت بالتحقيق وكشف ملابسات هذه الجريمة البشعة.

واستضافت قناة تلفزيون «الدنيا» المحلية الطبيب الشرعي أكرم الشعار الذي قال إنه واحد من الفريق الطبي الذي كشف على جثة الطفل حمزة وتابع ملف القضية. ونفى أن يكون ما يظهر على جثة الطفل آثار تعذيب، وقال: «إن الطفل لم يتعرض لأي تعذيب قط، ولا يوجد أي طبيب شرعي يخفي سببا لوفاة أو آثار تعذيب لأنه لو حدث إخفاء موضوع كهذا فهو جريمة، لأنه طبيب شرعي محلف».

وفسر الشعار ما ظهر على سطح الجثمان بأنه علامات «تقدم عوامل تفسخ لأن المدة الزمنية الواقعة بين لحظة الوفاة وتسليم الجثة طويلة لأسباب قضائية مهنية». وأضاف أن من هذه العلامات «ميل اللون إلى الأزرق البني، وانتفاخ الجسم، وانسلاخات الجلد، ووجود فقاعات غازية، وظهور الشبكة الوريدية وهي عملية تفسخ ضمن الأوعية»، لافتا إلى أن الأخيرة هي التي فسرت على أنها علامات تعذيب بينما هي «عملية تفسخ». وعن آثار الطلق الناري، قال الشعار إن الطفل قضى في حادثة إطلاق نار «معروفة التفاصيل وموجودة عند القاضي». وأضاف أن «فوهات إطلاق النار ثبت أنها حياتية أي حدثت أثناء الحياة وتسببت بالوفاة». وعن المدة الزمنية الفاصلة بين الوفاة وبين تسليم الجثة، قال الشعار «تم تسليم الجثة بعد أكثر من شهر من الوفاة»، لافتا إلى أن صورا للجثة لحظة الوفاة موجودة لدى القاضي وتثبت عدم تعرض الطفل للتعذيب «إطلاقا».

حالة حمزة هي الثالثة التي تسجل فيها عملية كسر عنق، الناجمة عن التعذيب، فسبق أن شيع جثمانان الأسبوع الماضي لشخصين؛ أحدهما من محافظة حمص، والآخر من محافظة درعا، تعرضا لكسر العنق، والاثنان من ذوي الاحتياجات الخاصة، الأمر الذي أثار أكثر من سؤال حول دوافع هذه الجرائم، بل الأسباب الموجبة لاعتقال أشخاص معوقين عقليا.

فالشاب أحمد المصري الذي شيع الأحد الماضي في 22 مايو (أيار) الحالي في مدينة القصير، لم يتجاوز عمره الـ18 عاما، كان يشتري علبة دخان حين اعتقل واقتيد إلى مكان مجهول. عائلته البائسة لم تجرؤ على السؤال عنه مخافة تعريض إخوته للخطر. وبعد 10 أيام أعيد أحمد إلى والدته الثكلى جثة هامدة، وعليها آثار تعذيب فظيعة. فعدا الكدمات كانت المفاجأة وجود آثار لعمل جراحي تشريحي، فثمة شق أفقي يحيط العنق من جهة الصدر وشق آخر يتصالب معه يمتد من النحر إلى أسفل البطن. وقد تم تخييط الجرح على عجل. وقال مصدر طبي شاهد الجثة إن العمل الجراحي حصل قبل الوفاة. عدا هذا لا توجد أي معلومات أو مبررات لإخضاع أحمد لعمل جراحي.

ورجح ناشطون أن يكون المصري تعرض لعملية سرقة أعضاء، إلا أن مصدرا طبيا مطلعا على وضعه الصحي، أكد عدم صلاحية أعضائه للزرع كونه يتعاطى أدوية عصبية. لكنه لم يستبعد أن يكون قد تعرض لسرقة أعضاء منه إذ لا يوجد مبرر لخضوعه لعمل جراحي.

الخطأ الذي وقع فيه الأهل، يقول ناشطون، «أنهم وبدافع الخوف قاموا بدفنه بسرعة ودون التحقق من تلك الشكوك استجابة لطلب الذين سلموهم الجثة». إلا أن الأهل لم يتمكنوا من منع تحول جنازة ابنهم إلى مظاهرة عارمة شارك فيها الآلاف من سكان المدينة المفجوعين بقتل وتعذيب شاب بريء لا حول له ولا قوة. وقد أدمى قلب والدته التي مكثت تناديه همسا «أحمد يا أمي ألم تقل آخ.. ألم تقل دخيلك يا أمي.. ألم يسمعوا صراخك». كما لم يتمكن أحد من منع تحوله إلى رمز للغضب عند الأهالي الذي تظاهروا يوم جمعة «حماة الديار» ووقفوا أمام منزله لقراءة الفاتحة على روحه بصوت عالٍ.

الحالة الثانية المماثلة حد التطابق جاءت بعد يومين من قرية في محافظة درعا حين تسلم أهل مرشد راكان أبا زيد في 25 مايو الحالي جثته وعليها آثار تعذيب. ومرشد أيضا معوق عقليا تعرض للإصابة بطلق ناري في الثاني من شهر مايو، وكان أمام منزله حين اصطاده القناص. أسعف إلى مستشفى ازرع، وأجريت له عملية قالوا إنها نجحت. ومع ذلك تم تحويله إلى مستشفى تشرين العسكري بدمشق، ورفض طلب عمته التي كانت تصطحبه بمرافقته إلى مستشفى تشرين، ليدخله وحيدا. ويقول ذووه إنه بعد أيام أعيد جثة عليها «آثار واضحة للتعذيب والضرب بالكرابيج واللسع الكهربائي على أطرافه» هذا عدا «تعرضه للرصاص في الوجه والصدر» وأنه «تمت إعادة فتح جرح العملية، مع وجود كسر في العنق، ورعاف في الأنف». وشكك أهله «بسرقة أعضاء من أحشائه».

اللافت في قصة أبا زيد أن اعتقاله تم من المستشفى، وذلك بعد الاطلاع على وضعه الصحي، والمثبت في دفتر خدمة العمل الذي كتب عليه رسميا إعفاء من الخدمة لإصابته بإعاقة عقلية خفيفة.

الحالات الثلاث لم تكشف فقط عن حصول عمليات تعذيب متوحشة بحق الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، بل عن احتمال عمليات ممنهجة لاعتقال مثل هؤلاء، حيث قالت مصادر محلية في حماه إن قوات الأمن اعتقلت منذ نحو أسبوع فتى معوقا عقليا وما زال مصيره مجهولا. ويتخوف أهله الذين ما زالوا يتكتمون على الأمر من أن يلقى مصيرا مشابها لمصير أحمد ومرشد أو حمزة. فبعدما عرضت الشاشات فيديو لجثمان أسامة حسين الزعبي من قرية المسيفرة في درعا الذي تم سلخ جلده، لم يعد يستبعد البعض أن تقدم أجهزة الأمن على استخدام أشنع الطرق للانتقام من المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام. وأسامة ليس معوقا عقليا بل هو معلم في مدرسة المسيفرة الابتدائية، وتم تشييعه يوم الخميس الماضي بعدما تسلم ذووه جثمانه وقد تعرض لأشد وأفظع أنواع التعذيب حيث سلخ جلده في مواقع متعددة عدا الحرق والضرب، وذلك قبل أن يجهز عليه بالرصاص، بحسب ما قاله أهله.

ولا تكتفي السلطات السورية بنفي حصول هذه الحالات في أقبية الأجهزة الأمنية، بل تطلق مجاميع المحللين ليتحدثوا إلى الفضائيات بأن هؤلاء تعرضوا للتعذيب على أيدي عصابات مسلحة لا الأجهزة الأمنية. ويتخوف ناشطون من إجبار أهل الطفل حمزة على الاعتراف بأن ابنهم اختطف من قبل عصابات مسلحة. فصفحة «شهداء حوران» على «فيس بوك» أكدت نبأ اعتقال والد الطفل حمزة وحذرت من «إجباره على الإدلاء بتصريحات للتلفزيون بأن الإرهابيين وراء مقتل ابنه». وذهب ناشطون آخرون في تعليقاتهم نحو السخرية المرة بأن المذيع علاء الدين الأيوبي هو من سيتولى استنطاق والد حمزة على غرار استنطاقه للشيخ أحمد الصياصنة منذ يومين.

وعلق رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن على قصص التعذيب، وقال في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إنه لا يمكن السكوت عن ممارسة التعذيب بحق المعتقلين في سوريا، مطالبا السلطات السورية بفتح تحقيق نزيه بحالات التعذيب وتقديم مرتكبيه إلى العدالة بشكل فوري. وأكد عبد الرحمن «أن ما يجري من حالات تعذيب في الملعب البلدي في درعا (جنوب) وغيرها لا يمكن السكوت عنها». وقال: «إننا لن نسكت بعد اليوم إن لم تقم السلطات السورية بمحاكمة هؤلاء المجرمين الذين قاموا بتعذيب حمزة (الخطيب) وغيره».

وأكد رئيس المرصد «وجود 7 جثامين لأشخاص ضحية للتعذيب وبعضها تعرض لكسر في الرقبة في المستشفى الوطني في درعا»، وأوضح «أنها ليست المرة الأولى التي يقضي فيها معتقل تحت التعذيب». وكشف «عن شهادات حية لأشخاص ما زالوا على قيد الحياة إلا أنهم تعرضوا للتعذيب الشديد خلال اعتقالهم»، مشيرا إلى أن هذه الحالات تحصى بالمئات. كما أشار إلى أن «أعضاء الوفد الذي شكل من بانياس للتفاوض مع الحكومة تم اعتقال أعضائه» مضيفا أنهم «يتعرضون للتعذيب». ومن بين أعضاء الوفد رئيس بلدية بانياس وبعض وجهاء المدينة. وطالب رئيس المرصد السلطات السورية «بفتح تحقيق نزيه وحيادي بحالات التعذيب وتقديم الجناة إلى العدالة بدلا من القول إنها أفلام مفبركة ليتضح لاحقا أنها ليست مفبركة مثلما حدث في شريط البيضة».