الأمير سلطان.. حياة حافلة بالعطاء من أمير الرياض إلى ولي العهد

أسهم مع والده الملك المؤسس في إقامة نظام إداري متين

الأمير سلطان تميز بابتسامته الدائمة حتى في أحلك الظروف
TT

ولد الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود بمدينة الرياض، في يوم الخميس 12 من رجب عام 1346هـ، الموافق 5 يناير (كانون الثاني) 1928م، ونشأ في كنف والده الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، ولقي عناية والده كغيره من أفراد بيت الملك عبد العزيز، فتربى تربية صالحة. وتعلم الأمير سلطان القرآن الكريم والعلوم العربية على يد كبار المعلمين والعلماء، ثم واصل تعليمه، فكان لهذه التنشئة الدينية أثرها الكبير في أخلاقه وتصرفاته وبالتالي في حياته العامة وعلاقته مع الناس وإدارته وتسييره أمور الوظائف الكثيرة التي أسندت إليه. وقد كان لملازمته لوالده الملك عبد العزيز بالغ الأثر في إكسابه الخبرة العملية والحنكة السياسية، كما كان ملازما لأخيه الملك فيصل بن عبد العزيز في جميع رحلاته الخاصة والدولية، فكان لهذا أثر واضح في النهج الذي تبناه الأمير سلطان في ممارسة أعباء المهام التي تولاها. وقد تحمل المسؤوليات ومارس العمل العام منذ مقتبل حياته، وكان باستمرار في قلب السياسة السعودية داخليا وخارجيا.

وقد أولى والده الملك عبد العزيز آل سعود ابنه سلطان ثقته، فعينه أميرا على الرياض في الأول من ربيع الآخر عام 1366هـ، الموافق 22 فبراير (شباط) 1947م. وقد أسهم الأمير سلطان مع والده في إقامة نظام إداري متين مبني على العدالة الاجتماعية وتطبيق شريعة الإسلام. وعند تشكيل أول مجلس وزراء في المملكة عُين الأمير سلطان وزيرا للزراعة في 18 ربيع الثاني 1373هـ، الموافق 24 ديسمبر (كانون الأول) عام 1953م، وكان أهم المشروعات التي عني بها الأمير سلطان حينذاك هو مشروع حرض، الذي صمم لإعادة توطين كثير من قبائل البدو الرحّل ومساعدتهم في إقامة مزارع حديثة، وهو مشروع يعتبر أحد التوجهات الأساسية للدولة في خطواتها التطورية. وفي يوم السبت 20 ربيع الأول عام 1375هـ، الموافق 5 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1955م، عُين الأمير سلطان بن عبد العزيز وزيرا للمواصلات، حيث أسهم في إدخال شبكات المواصلات البرية الحديثة والاتصالات السلكية واللاسلكية وطريق السكة الحديد بين الرياض والدمام. وفي يوم السبت 3 جمادى الآخرة عام 1382هـ، الموافق 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1962، عُين الأمير سلطان بن عبد العزيز وزيرا للدفاع والطيران، ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن شهدت القوات المسلحة بكامل فروعها البرية والجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي تطورات واسعة. إلى جانب ذلك أشرف الأمير سلطان بن عبد العزيز على تطوير الطيران المدني، وترأس مجلس إدارة «الخطوط الجوية العربية السعودية»، ويوليها جل اهتمامه لكي تكون في مصاف الخطوط الجوية العالمية.

ويوم الأحد 21 شعبان عام 1402هـ، الموافق 13 يونيو (حزيران) 1982م، صدر الأمر الملكي السامي بتعيين الأمير سلطان بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء. ويوم الاثنين 26/6/1426هـ الموافق 1/8/2005م، عين الأمير سلطان وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للدفاع والطيران والمفتش العام، وذلك بعد وفاة الملك فهد بن عبد العزيز وتولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد السلطة في البلاد. وخلال فترة توليه لوزارة الدفاع والطيران وقعت أحداث خطيرة كان له دور بارز ومباشر فيها، ففي عام 1967م عندما نشبت الحرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها سارعت القوات المسلحة السعودية بإعلان التعبئة العامة، وتحركت القوات البرية بأسلحتها المساندة الكاملة، واحتلت المواقع الأمامية على طول ساحل خليج العقبة، واتخذت مراكزها العسكرية المقررة لمساندة أشقائها العرب.

وعند اندلاع حرب أكتوبر 1973م، صدر أمر التعبئة للقوات المسلحة السعودية، وتحركت القوات السعودية في اليوم التالي 7 أكتوبر 1973م إلى الجبهة السورية، واستمر تدفقها على الجبهة بضعة أيام بلياليها، واتخذت مواقعها في الجبهة واشتبكت مع العدو فور وصولها، وصدت هجوما كان العدو قد شنه في القطاع الذي تمركزت القوات السعودية فيه ظنا منه أنه خال من القوات العربية. وعندما وقع العدوان العراقي على الكويت في 2 أغسطس (آب) 1990م، اتخذ الملك الراحل فهد بن عبد العزيز القرار التاريخي بطلب المساندة من الدول الشقيقة والصديقة للمملكة العربية السعودية تجاه العدوان العراقي، وتم تشكيل قيادة للقوات المشتركة ومسرح العمليات برئاسة الفريق الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، وضمت هذه القوات قوات من المملكة العربية السعودية والدول الشقيقة والصديقة، وتم التنسيق بينها وبين القوات الأميركية والأوروبية حتى تم تحرير الكويت.

* ذكاء فذ وشخصية جريئة

* أبدى الأمير سلطان منذ صغره ذكاء فذا وحضورا ديناميكيا قويا فاعلا، وهو إلى جانب شخصيته الجريئة يتمتع بفعالية روحية تليق بدور السعودية البارز في الشرق الأوسط. وكانت مساندته وآراؤه القيمة بالغة الأثر في مساعدة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز على تحقيق أهدافه في مجالات التقدم والتصنيع والتربية. والأمير سلطان سياسي محنك، قام بالكثير من الزيارات المهمة لمختلف الدول العربية والدول الغربية، وله إسهامات معروفة ومفيدة في مختلف المؤتمرات الإقليمية والدولية.

* ابتسامة دائمة

* «كل ما أملكه في المملكة من مبان وأراض وكل شيء عدا سكني الخاص ملك لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية»، لا تزال هذه الكلمات تحفظها ذاكرة الملايين من محبي الأمير سلطان، والذين لمسوا ذلك على سطح الواقع من خلال تتويج جهوده الإنسانية بإنشاء أكبر مدينة طبية تأهيلية في العالم تقيمها المؤسسة في الرياض.

ولخص الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، الحديث عن شخصية الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وحضوره في مجال الأعمال الخيرية والإنسانية، بقوله «إن الأمير سلطان بطبعه منذ خُلق، وهو مؤسسة خيرية بذاته، وصاحب خير، ويسعى للخير، وكل مكان يكون فيه لا بد أن يكون له فيه عمل خير، فسلطان بحق هو مؤسسة خيرية قائمة بذاتها».

* الأمير سلطان.. الشخصية الإنسانية

* تم اختيار الأمير سلطان بن عبد العزيز لجائزة الشخصية الإنسانية لعام 2002م، وهي الجائزة التي منحت له من قبل مركز الشيخ راشد آل مكتوم بدولة الإمارات العربية المتحدة. وجاء هذا الاختيار تقديرا لدوره الحيوي في الأعمال الخيرية والإنسانية على المستوى الإقليمي والعربي، حيث حصل على أكثر من خمسة آلاف ترشيح محايد ضمن ترشيحات بلغت عشرة آلاف ترشيح، وصلت إلى اللجنة المعنية بالترشيح. وتزامن هذا الاختيار مع أول إعلان للجائزة بعد تحويلها إلى جائزة تعلن كل عامين وبانتقاء غاية في الدقة. وكان الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس دائرة الطيران المدني بدبي رئيس «طيران الإمارات» رئيس اللجنة العليا المعنية بالاختبار والإشراف على جائزة مركز الشيخ راشد لعلاج ورعاية الأطفال، قد كشف عن فوز الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود بجائزة الشيخ راشد للشخصية الإنسانية لعام 2002م. وكان مشهدا مؤثرا ذلك الذي عرضته إحدى الوكالات الإخبارية قبل عقد لصورة امرأة مسنة في صحراء النيجر تحفر بيوت النمل لتحصل منها على ما ادخرته من حبوب لتأكلها مع أولادها من شدة الجوع. الكثيرون الذين شاهدوا هذه الصورة هزوا رؤوسهم واكتفوا بالقول «يا الله، ألهذه الدرجة يصل الجوع بالإنسان ليسرق قوت النمل ويسد به رمقه؟!»، لكن الأمير سلطان عندما شاهد الصورة تأثر تأثرا بالغا من المشهد، وأمر على الفور بتشكيل فريق لدراسة وضع المرأة ومعرفة ما يمكن فعله تجاهها ومن في حالتها، فكان ذلك الموقف ميلادا للجنة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخاصة للإغاثة، حيث أمر بتكوين هذه اللجنة لتقديم المساعدات الإغاثية العاجلة لمتضرري المجاعة في النيجر، ثم توسعت نشاطاتها لتغطي عدة دول أفريقية وتقدم المساعدات والبرامج الإنسانية وتشارك المحتاجين أفراحهم وأحزانهم.

وبعد بحث طويل عن تلك المرأة المسنة التي شاهد الأمير سلطان صورتها في التلفاز وهي تحفر بيوت النمل لتأكل ما ادخره من شدة الجوع، فقد تم الوصول إليها، وقدم لها الفريق مساعدات كثيرة، وبعد أن علمت بأن الأمير سلطان قد كلف اللجنة للوصول إليها ومساعدتها وأن حالتها قد أثمرت عن ميلاد مشروع إنساني كبير يغطي النيجر وعدة دول أفريقية، لم تجد سوى أن ترفع يديها إلى السماء وتدعو للأمير سلطان ولسانها يردد «الله أكبر.. الله أكبر».

* أكبر مدينة طبية تأهيلية في العالم

* توج الأمير سلطان بن عبد العزيز أعماله وجهوده الخيرية والإنسانية بتبني مشروع كبير، وهو مشروع «مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية»، التي أنشئت في 21 يناير من عام 1995م، بهدف تقديم خدمات إنسانية واجتماعية وتربوية وثقافية داخل السعودية وحول العالم. وتتألف مشاريع المؤسسة من أربعة أقسام رئيسية لتقديم الخدمات الطبية والعلمية والتقنية والتربية الاجتماعية من خلال «مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية»، و«مركز سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتقنية»، و«برنامج سلطان بن عبد العزيز للتربية الخاصة»، و«برنامج سلطان بن عبد العزيز للدراسات الإسلامية والعربية». وتعد مدينة الأمير سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية التي وضع ولي العهد حجر أساسها في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 1996م، أكبر مدينة طبية تأهيلية في العالم.

، وأقيم المشروع على أرض مساحتها مليون متر مربع في منطقة بنبان شمال الرياض، وعلى بعد 30 كيلومترا منها، وبلغت المساحة الإجمالية للمباني نحو 200 ألف متر مربع.