السلطات المصرية: دبلوماسي إيراني حاول تمويل حركات سياسية في البلاد لصالح طهران

ضبطته بأجهزة تجسس واتهمته بجمع معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية عن مصر ودول الخليج

TT

قالت مصادر مطلعة في القاهرة أمس إن السلطات المصرية تدرس ترحيل دبلوماسي يعمل في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة من البلاد بعد اتهامه من قبل النيابة المصرية بالقيام بأنشطة تجسسية مستغلا ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك، وأضافت أن القبض على الرجل والتحقيق معه تم قبل التعرف على صفته الدبلوماسية، إلا أن مسؤولا بمكتب رعاية المصالح الإيرانية نفى في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» علمه بوجود قضية من هذا النوع، قائلا إن الرجل الذي قالت وسائل الإعلام أمس إنه يدعى قاسم الحسيني ومعتقل بمصر بتهمة التجسس، موجود بمكتب رعاية المصالح ويمارس عمله بشكل طبيعي.

والعلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران مقطوعة منذ نحو ثلاثين عاما، وذلك في أعقاب قيام الثورة الإيرانية عام 1979 واعتراض قادتها على معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، غير أن هناك مكتبا لرعاية مصالح المواطنين في البلدين بتمثيل دبلوماسي منخفض، إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت تحسنا طفيفا عقب سقوط نظام مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي.

وحسب المصادر المصرية تم الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني، الحسيني، بعد القبض عليه قبل أيام بتهمة التجسس، قائلة إن وزارة الخارجية المصرية تدرس إصدار قرار بمغادرته البلاد خلال الـ48 ساعة القادمة. ومن جانبها أضافت السفيرة منحة باخوم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية المصرية، لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزارة لم تتخذ بعد قرارا بترحيل الدبلوماسي الإيراني المتهم بالتخابر، وأنه «يجري دراسة الأمر».

وأوضحت المصادر القضائية مساء أمس أن نيابة أمن الدولة العليا أفرجت عن الدبلوماسي الإيراني عقب استعلامها من وزارة الخارجية المصرية بأنه دبلوماسي بمكتب رعاية المصالح الإيرانية لدى مصر، بعد القبض عليه من خلال رصده بواسطة جهاز المخابرات العامة الذي تمكن من رصد تحركاته باعتبار أنه أحد عناصر وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية والذي يعمل ببعثة رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة لقيامه بمخالفة بروتوكول التعاون الدبلوماسي من خلال قيامه بتكوين عدد من الشبكات الاستخباراتية وتكليفه عناصرها بتجميع معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية عن مصر ودول الخليج نظير مبالغ مالية.

وقالت المصادر إن التحريات بينت أن الدبلوماسي الإيراني كثف نشاطه الاستخباري خلال أحداث ثورة 25 يناير مستغلا حالة الفراغ الأمني بالبلاد، خاصة ما يتعلق بالأوضاع الداخلية والأمنية في عدة مواقع في البلاد منها منطقة شمال سيناء المحاذية للحدود مع إسرائيل، وتحريه عن موقف الشيعة والوقوف على مشكلاتهم وأوضاعهم في مصر.

وقالت المصادر إن الرجل المتهم بالتجسس طلب من مصادره الوقوف على الجهات والتنظيمات السياسية التي لها شعبية على الساحة المصرية والتي ترغب في الحصول على تمويل مادي من إيران بغرض الاقتراب منها والتنسيق معها، إلا أن تحريات جهاز المخابرات العامة رصدت نشاطه الذي يتعارض مع قواعد العمل والعرف الدبلوماسي وألقت القبض عليه مساء يوم السبت بالعاصمة المصرية، بحضور المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا.

وعن طريقة القبض على الرجل رغم كونه دبلوماسيا، أوضحت المصادر أن السلطات الأمنية حين ألقت القبض عليه لم تكن تعلم أن له صفة دبلوماسية، خاصة أن العلاقات بين مصر وإيران منخفضة المستوى منذ نحو ثلاثة عقود، وأن رجال الأمن كانوا يعتقدون أنه مجرد عنصر من عناصر وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية التي تتردد على مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة بين وقت وآخر.

وأضافت المصادر أنه تم اصطحاب الرجل أولا إلى مقر النيابة لمباشرة التحقيق معه حيث وجهت له تهمة التخابر، وقيدت القضية برقم 221 لسنة 2011 حصر أمن دولة عليا، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد الاستعلام عن صفته في مكتب رعاية المصالح الإيرانية، من وزارة الخارجية المصرية، ذات الشأن في هذا الأمر، حيث أفادت سلطات التحقيق بأنه دبلوماسي بمكتب رعاية المصالح الإيرانية.

وأشارت المصادر إلى أن التحقيقات بدأت مع الرجل الإيراني فور القبض عليه يوم السبت، وحتى الإفراج عنه أمس تحت إشراف المستشار طاهر الخولي المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا، ونسبت إليه خلال التحقيقات تهمة التخابر لصالح إيران بقصد الإضرار بمصالح مصر، والقيام بمهام جمع معلومات استخباراتية عن مصر بشأن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، والظروف التي تمر بها، ثم يقوم بإرسالها إلى أجهزة المخابرات الإيرانية. وقالت المصادر القضائية المصرية إن النيابة نسبت إلى الحسيني تهما تتعلق بممارسة أنشطة تندرج تحت بند التخابر على البلاد لصالح دولة أجنبية هي إيران، بغية الإضرار بمركز مصر الاقتصادي والسياسي.

ورفض مصدر قضائي رفيع المستوى الكشف عن تفاصيل أنشطة التخابر المتهم فيها الدبلوماسي الإيراني، أو ملابسات وظروف القبض عليه، إلا أن المصدر أشار إلى أن عملية القبض على المتهم تمت بمعرفة فريق تابع لجهاز أمني رفيع المستوى ضم أفرادا من نيابة أمن الدولة العليا يتقدمهم المستشار الخولي.

وأوضح المصدر أن اصطحاب الجهاز الأمني لأعضاء بالنيابة خلال اعتقال الدبلوماسي، مرجعه أن القوانين المتعلقة بأجهزة الاستخبارات المصرية والفروع الأمنية التابعة لها، تحظر مثول أعضاء من تلك الأجهزة للشهادة أو مناقشتهم أمام القضاء بشأن كيفية التوصل إلى المتهمين بالتخابر وظروف إلقاء القبض عليهم، فضلا عن أن وجود ممثل للنيابة من شأنه تأكيد صحة الإجراءات القانونية المتعلقة بضبط المتهمين بالتخابر.

وقال المصدر القضائي إن النيابة المصرية وجهت إلى الدبلوماسي، الذي أشارت إلى أنه تم القبض عليه في سرية تامة قبل أيام، تهم استغلال الصفة والحصانة الدبلوماسية كغطاء لعمليات تخابر يضطلع بها بغية الإضرار بمصر، عبر جمع معلومات مهمة وحساسة عن مركز الدولة السياسي والاقتصادي، والظروف التي واكبت الثورة وما تلاها من أحداث تتعلق بالنظام العام، ثم يقوم بإرسالها إلى أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

وحسب مصادر التحقيقات، فإن المتهم، الحسيني، تم ضبطه بأجهزة تجسس غير مسموح بدخولها البلاد، وأنه كان يقوم بجمع معلومات اقتصادية وسياسية وعسكرية عن مصر، وعدد من الدول الخليجية، عبر عملاء له، ومن ثم يرسلها إلى طهران، وأنه لم يتضح بعد ما إذا كان يعمل ضمن شبكة تجسس أو حاول تجنيد مصريين آخرين للعمل نفسه أم لا.

وفي اتصال مع مكتب رعاية المصالح الإيرانية بضاحية الدقي في محافظة الجيزة (غرب القاهرة)، قال مسؤولون في المكتب إن ما نشر على وكالة أنباء الشرق الأوسط بشأن القبض على والتحقيق مع قاسم الحسيني، غير صحيح، وأشار مسؤول بالمكتب في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» بقوله، إن الحسيني يعمل في مكتبه بمقر البعثة الدبلوماسية الإيرانية في القاهرة، بشكل طبيعي، ولا صحة لما تناقلته وكالات الأنباء أمس عن توقيفه أو اتخاذ أي إجراء بشأنه.

وعن تفسيره لمثل هذا الإعلان عن القضية، قال المصدر الإيراني المسؤول إن هناك من يعمل لعرقلة أي تقارب بين مصر وإيران، وخاصة أن الطرفين تبادلا الكلمات التي تتضمن حسن نيات تجاه إعادة العلاقات بين البلدين، وزيادة التمثيل الدبلوماسي بينهما من مجرد مكتب لتمثيل البلدين في كل عاصمة إلى سفارتين واحدة لمصر في طهران والأخرى لإيران في القاهرة.

وفي طهران نقلت قناة «العالم» في موقعها على الإنترنت تصريحات على لسان مصدر مطلع في وزارة الخارجية الإيرانية، لم تسمه، قوله إن «هذا الموظف يزاول عمله بشكل طبيعي».