سكان مصراتة يبدأون في إعادة البناء على الرغم من حالة طوارئ

بعد صد الهجوم عن مدينتهم

ليبيون ينتظرون دورهم لتعبئة قناني غاز الطبخ في محطة للتعبئة في مصراتة امس (رويترز)
TT

كان وسط مدينة مصراتة مليئا بمخلفات الحرب، والمباني محطمة، والسيارات المحترقة، وطرق لا تزال مغلقة بحاويات الشحن المملوءة بالرمال: هذا هو المشهد في المدينة الليبية.

ظلت هذه المدينة لمدة ثلاثة أشهر مسرحا لمعارك دامية في الشوارع، حيث كانت قوات العقيد معمر القذافي تحارب من أجل السيطرة عليها، لكن سكانها نجحوا في استعادة المدينة مرة أخرى، جزءا جزءا، وشارعا شارعا، وقام عدد قليل من المتاجر والمقاهي، التي يظهر عليها أثر رصاص المعارك بصورة مبدئية، بفتح أبوابها. تواصل القتال على ثلاث جبهات خارج المدينة، وكان يتم نقل جثث الثوار إلى المستشفيات بصورة يومية، ولكن الصواريخ لم تعد تمطر على المنازل، ولذا تحاول المدينة أن تقف على قدميها مرة أخرى. وشكلت لجنة من 20 إلى 30 شخصا من سكان المدينة، مكونة في الأساس من القضاة، ولكنها تضم أيضا أطباء ومهندسين، لقيادة عملية إعادة البناء.

وقال حسن التهامي، وهو عضو في اللجنة: «بدأنا بالاحتياجات والخدمات اليومية، مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء. وشكلنا نحو 10 لجان متخصصة لإدارة المدينة». وهناك أيضا نحو 20 لجنة فرعية، بما في ذلك لجان للجيش والأمن والوقود والاتصالات والموانئ، وتقديم المساعدات الغذائية. وتقوم ثلاثة مستودعات مركزية بتوزيع المواد الغذائية لنحو 50 ألف أسرة، ولكن عبد الباسط الحداد، الذي يرأس لجنة الإغاثة، قال إن المستلزمات في طريقها للنفاد. وحاليا تعكف لجنة أخرى تضم مهندسين ومهندسين معماريين على وضع تقرير لتقييم الأضرار التي لحقت بالمباني في المدينة. وتتطلب إعادة إعمار المدينة استثمارات كبيرة، ولكن التهامي يشعر بالتفاؤل بشأن احتمالات حدوث انتعاش سريع، من خلال الدعم المقدم من المانحين الدوليين.

وما زالت الكهرباء تنقطع على فترات في المدينة، وقال أبو بكر صادق الزاوي، وهو رئيس لجنة الوقود: «اعتدنا الحصول على الكهرباء من خط الجهد العالي، الممتد على طول الساحل، ولكن قوات القذافي قامت بضرب هذه الخطوط». وأضاف: «يتم توليد الكهرباء الآن من محطة توليد في مصنع للصلب في المدينة، ولكن هذا (لا يكفي لمدينة مصراتة)»، مضيفا أن إمدادات المدينة من الوقود في طريقها للنفاد. وبدأ عدد الأطباء يقل في إحدى العيادات الخاصة، التي عملت لعدة أشهر، بمثابة مستشفى للطوارئ.

وقال إبراهيم بيهيه، وهو جراح عظام من مدينة بنغازي، التي تعد معقل الثوار في شرق ليبيا، الذي قدم إلى مصراتة لمساعدة الأطباء في إحدى المستشفيات هنا: «لقد أصبح الوضع أسهل قليلا الآن، ولكننا ما زلنا نعمل بجد»، وأضاف أن أطباء من مناطق بعيدة، مثل كندا وسويسرا قد جاءوا للمدينة لتقديم المساعدة. وقال أبو بكر ترينة، وهو رئيس اللجنة الطبية في مصراتة: «إننا نعمل وننام هنا منذ 90 يوما. إننا متعبون جدا لدرجة أنني لا أعرف في أي يوم نحن».

ومثله مثل الأطباء الآخرين في المدينة، كان ترينة يعمل كمتطوع، وقال: «لم نحصل على رواتبنا منذ ثلاثة أشهر»، موضحا أن مستحقاتهم من خلال النظام المركزي في العاصمة طرابلس قد توقفت بعد اندلاع الثورة.

وعلى الرغم من وصول المساعدات إلى الميناء من بنغازي، لا يزال هناك نقص في الإمدادات. وقال يوسف الرفيدي، الذي يدير عملية تقديم المستلزمات الطبية للمدينة، إن الموقف قد تحسن، «ولكنني بحاجة إلى مزيد من الإمدادات».

وقال إن الضمادات والمسكنات ومواد التخدير متوفرة، ولكن هناك نقصا في صور الأشعة السينية واللقاحات وأدوية العلاج الكيميائي. وقام بعض الأفراد الأثرياء بالتبرع بمعدات الاتصالات، مثل أطباق استقبال البث الفضائي والهواتف. وقال أحد المتبرعين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه بسبب مخاوف أمنية، إنه تبرع بـ40 طبقا من أطباق استقبال البث الفضائي بالإضافة إلى 100 هاتف جوال للأسر هنا. ومع ذلك، لا تزال هناك صعوبة في الاتصالات بسبب عدم وجود تغطية لشبكة الهاتف الجوال، بالإضافة إلى أن وصلات الإنترنت متوفرة في عدد محدود من المواقع في المدينة.

وهناك سوبر ماركت في وسط المدينة مملوء بالماركات الغربية عالية الجودة، ولكن لا توجد به مواد غذائية طازجة. ويصطف الناس أمامه لشراء الطعام، ولكن لم تكن هناك أي علامة على وجود ذعر في عملية الشراء أو وجود تضخم في الأسعار. وقال علي نائيري، 27 عاما، وهو الذي يدير السوبر ماركت الذي تملكه عائلته، إن السوبر ماركت به 40 في المائة فقط من السلع المعتادة، وأنه من الصعب العثور على الحليب والمعكرونة على وجه التحديد، كما أن الفواكه والخضروات والبيض ومنتجات الألبان شحيحة في جميع أنحاء المدينة، حيث لا تزال المحلات التجارية التي تبيع هذه المنتجات مغلقة حتى الآن. وعلى الرغم من جهود مواطنيها المغامرين والشجعان، فإن مدينة مصراتة لا تزال في حالة طوارئ.

ونفي الشيخ خليفة الزواوي، رئيس المجلس الجديد للمدينة، أن يكون قد تم رفع الحصار عن المدينة.

وقال: «ما زلنا في حالة حرب، ما زالت مدينة مصراتة تقاتل في الضواحي، وعلى ثلاثة خطوط أمامية، ما زالت أسرنا تعاني من الخسائر في الأرواح وتشعر بالحزن، ولا تزال الدماء تسيل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»