سجون للشرطيين والقضاة الفاسدين.. في روسيا

نزلاؤها متعجبون لإدانتهم وحبسهم على أفعال «تحظى بانتشار واسع» في البلاد

كافتيريا أحد سجون منطقة نيغني تاغيل (نيويورك تايمز)
TT

في مشهد أشبه ما يكون بحلم يقظة لأحد المجرمين، وجد كل زملائه في السجن هنا في غرب روسيا، نحو 2000 منهم، من رجال الشرطة السابقين ومفتشي الضرائب وعملاء الجمارك والقضاة. يقضي غالبية هؤلاء يومهم في التجول داخل ساحة السجن دون هدف وقد علت وجوههم سيماء الكآبة مرتدين ملابس السجن.

وقد عرضت سلطات السجون الروسية مؤخرا على الصحافيين القيام بجولة نادرة في هذه المنشأة الجزائية بهدف إظهار أن هؤلاء السجناء لا يتلقون أي امتيازات. وقد أثبت المسؤولون وجهة نظرهم هذه، فالسجن قائم ككل السجون الأخرى من الحوائط الخراسانية غير المطلية والأسلاك الشائكة التي تقسم ساحة السجن إلى مناطق خاصة بمن يقضون عقوبات مغلظة ومناطق خاصة بمن يقضون عقوبات ثانوية. وكما هو الحال بالنسبة للرجال والنساء في الوقوف خلف القضبان، يعيش رجال الشرطة السابقون هنا في ثكنات من القرميد المحفور ويكدحون في الورش ويأكلون الحنطة السوداء والملفوف.

لكن سلّطت الجولة في سجن المؤسسة الإصلاحية رقم 13 الضوء على أمر لم تكن السلطات عازمة على تسليط الضوء عليه وهو أن أكثر السجناء معتقلون بسبب جرائم تتعلق بالعمل منها الحصول على رشى ومهاجمة مشتبه بهم. وقال آندريه شوميلوف، المحقق السابق، إن التهمة التي أدين بها هي ضرب مشتبه به بقبضته أثناء التحقيقات. وقال: «لقد ارتكبت جريمة بينما كنت أحقق في جريمة أخرى». وأخذ يتمتم مبررا ما قام به من خلال القول إن الرجل أصيب فقط بتمزق بسيط في الأنسجة الناعمة.

وتعتبر السجون العشرة التي تم تخصيصها لرجال الشرطة السابقين وآخرين من القائمين على تطبيق القوانين موروثا من إصلاحات ما بعد ستالين لنظام فرض العقوبات في المستعمرات الذي حدّ من انتشار بعض الممارسات الأكثر صرامة. وحدد الإصلاحيون إحدى المشكلات، وهي أنه في السجون التي تحتجز أعدادا ضخمة من الرجال في زنزانات مشتركة، عادة ما كان رجال الشرطة السابقون يقعون ضحايا لأعمال عنف من قبل نزلاء السجون الذين يهاجمون رموزا من السلطة.

وحاليا، تقوم سجون الشرطة بعمل قوي - والدليل على هذا، كما تشير السلطات، هو اتجاه الرئيس ديمتري ميدفيديف إلى محاربة الفساد. ومثلا، يضم هذا السجن النائي 78 سجينا إضافيا عن العدد الذي حدده مصمموه الروس، وسجناء يزيد عددهم عنه منذ خمسة أعوام ماضية بمقدار 500 سجين، على حد قول سيرغي سفالكين، مأمور السجن.

غير أن منتقدي نظام العدالة الجنائية في روسيا يشيرون إلى أن اكتظاظ السجون هو مقياس لحجم الفساد في دوائر تطبيق القانون وبين المسؤولين الحكوميين من أي تقدم نحو إيجاد حل. ويشيرون مثلا إلى أن المشرعين نادرا ما يتمكنون من إيجاد حلول للمشكلات الكبيرة المزعجة من الناحية السياسية، كموت سيرغي ماغنيتسكي، المحامي، بعد أن أدلى بشهادته عن فساد رجال الشرطة.

حتى إن وزير الداخلية رشيد نورجالييف اعترف في شهادته أمام البرلمان الأسبوع الماضي بأن التحقيقات كشفت عن أن الكثير من مسؤولي الشرطة رفيعي المستوى قد حصلوا على عقارات باهظة الثمن بشكل غير مبرر. وذكر نورجالييف أن أكثر من ثلث كبار المسؤولين (94 من إجمالي 250 مسؤولا) الذين خضعوا لفحص لجنة مكافحة الفساد هذا الربيع عجزوا عن الرد على أسئلة اللجنة بالصورة الكافية. وقال إن كثيرا منهم يملكون عقارات بالخارج، رغم الرواتب الصغيرة التي كانوا يحصلون عليها من أعمالهم السابقة. وقال للمشرعين، بحسب صحيفة «ازفيستيا»: «لم نعرف هذا مطلقا قبل الآن». وبشكل منفصل، ذكر عضو بلجنة الفحص للصحيفة إن هذه العقارات تنوعت من «مجرد شقق إلى ممتلكات كثيرة بمختلف أنحاء العالم». وبغض النظر عن خلفية السجناء، يقدم سجن المؤسسة الإصلاحية رقم 13 صورة حول مدى الاضطراب الذي وصل إليه النظام الجنائي. وتحدث مسؤولون سابقون بشكل مستند إلى حقائق حول ما عرفوه على أنه سبب رئيسي لما صاروا إليه من فساد أو تعسف: الرواتب المتدنية التي تصيبهم بحالة من الإحباط والتي تجعل من المدفوعات الجانبية بديلا يلقى قبولهم.

ولا يزال البعض يبدو متعجبا من معاقبته على أفعال يفترض أنها ممارسات تحظى بقبول واسع النطاق بين رجال الشرطة الروسية. وقال شوميلوف، محقق الشرطة السابق الذي عمل لمدة سبع سنوات من أجل تحقيق، إنه كان يحاول فقط القضاء على عملية سرقة سيارة. وقال أليكسي بوشوييف، 46 عاما، وهو محقق ممتلئ الجسم، إنه قد أخذ رشى لتغطية أجر صيانة سيارته «اللادا»، وليس أكثر من ذلك. كما ذكر ديمتري روزانوف، الذي كان نقيبا في قسم شرطة سامارا، أنه قبل مبلغا قيمته 10.000 روبل (نحو 330 دولارا)، كرشوة من طبيب بيطري عام 2006 مقابل عدم تسجيله كمدمن مخدرات في قاعدة بيانات خاصة بالشرطة. وكان راتبه الشهري في هذا الوقت 8.000 روبل (نحو 295 دولارا). وشرح قائلا «لا يخشى الناس من فقد وظيفة لا يحصلون إلا على مرتب محدود منها».

وقال جورجي أزباروف الذي كان ضابطا في جهاز الأمن الفيدرالي، الهيئة التي تم تأسيسها بديلا عن الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) قبل إدانته بمحاولة ترتيب جريمة قتل مقابل أجر عام 2003 إن الصلة بين الأجر المنخفض ووحشية الوظيفة واضحة. وقال: «إنهم يطلقون على شاب لقب ضابط، لكنهم يعطونه أجرا زهيدا لا يعينه على إعالة أسرته. إنه لا يستطيع أن يفكر سوى في متاجر البقالة. ويتمتع بنفوذ في الوقت ذاته، وهنا تكمن المشكلة».

وطرح أزباروف نظرية منفصلة عن فساد الطبقة الأعلى. وقال إن المدعين لا يتتبعون كل الخيوط، فالسلطات الروسية في موسكو تمنح البيروقراطيين المحليين مطلق الحرية في الحصول على الأموال، ولا تلاحق سوى الذين يعارضون الكرملين سياسيا. وأوضح أنه يعتبر الكثير من أصدقائه وزملائه في المؤسسة الإصلاحية رقم 13 مدانين بتهم فساد ومعتقلين سياسيين في الوقت ذاته. وقال أزباروف إنه تمت إدانته من دون وجه حق، حيث أشار إلى أن رئيس الشرطة المحلية الفاسد أوقع به.

وسمحت إدارة السجون الفيدرالية للصحافيين بإجراء مقابلات مع سجناء لعدة ساعات، لكن بوجود الحراس وخدمة السجن الإعلامية ومأمور السجن. وقد تكبدوا عناء كبيرا للتأكيد على أن السجناء من العاملين السابقين في إدارة تطبيق القانون والقضاة والمدعين السابقين لا يتلقون معاملة متميزة عن السجناء الآخرين في روسيا وتفنيد ما يرد في التقارير الإخبارية بأن الحراس يسمحون بدخول هواتف جوالة للضباط السابقين مقابل مبالغ مالية زهيدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»