صحافي ليبي لـ«الشرق الأوسط»: مشاهد قمع كتائب القذافي لا تطاق وطرابلس تحولت لمستعمرة فساد

قال إن أنصار العقيد سيطروا على الوقود.. واعتبروا مشاهدة الفضائيات نقضا للوضوء

TT

أكد صحافي ليبي أن عناصر كتائب العقيد معمر القذافي في ليبيا باتت لا تطاق، خاصة بعد سيطرتها على محطات الوقود. ووصف طرابلس بأنها تحولت إلى مستعمرة تعيث فيها الكتائب فسادا. وقال الصحافي، الذي فضل عدم ذكر اسمه خوفا على أسرته التي ما زالت مقيمة في إحدى المدن الليبية، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، بعد ساعات من وصوله إلى تونس: إن «مشاهد القمع التي يمارسها أفراد كتائب القذافي ضد سكان المدينة باتت لا تطاق».

وسرد الصحافي الليبي الذي تمكن من الهروب بعد ملاحقة الكتائب الأمنية الموالية للقذافي، تفاصيل الأيام الأخيرة له في ليبيا قبل فراره ووصوله إلى تونس، بقوله: إن «كتائب القذافي تفرض سيطرتها بقوة السلاح على كل نواحي الحياة اليومية في المدينة التي تضم نحو مليون ونصف مليون نسمة»، مضيفا أنه بدءا بالقتل الممنهج في الشوارع ومداهمة البيوت، ووصولا إلى السيطرة شبه الكاملة على محطات الوقود، لافتا إلى أن سعر لتر البنزين في طرابلس بلغ نحو (150 درهما) أي أكثر من 5 دولارات أميركية، مشيرا إلى قيام أعضاء من كتائب العقيد باحتكار بيعه في السوق السوداء في ظل الفوضى التي خلقوها.

وتابع الصحافي الليبي قائلا: «إن الأحاسيس الليبية عبر الهواتف الجوالة كانت خير شاهد على ما يحدث في ليبيا من انتهاكات، وإن دموع الليبيات كانت تنهمر خلف حجابهن بشدة، وهذا بخلاف مواقف القهر لرجال المدينة، التي كانت أسرع، وكان الركل في محطات الوقود، والصفع أمام المخابز يتم بسرعة الصوت»، واصفا العاصمة طرابلس بأنها تحولت إلى مستعمرة تعيث فيها الكتائب فسادا، موضحا أنه، على الرغم من أنه أمضى أكثر من عام مقيما في المدينة، فإن المشاهد التي صادفها تسببت في تردي وضعه النفسي الذي بدأ يسوء يوما بعد يوم، على حد تعبيره.

واستطرد الصحافي الليبي قائلا: إنه «ربما بسبب انتمائي لمهنة الصحافة وكان فضولي يقودني إلى حيث يخشى البعض، وتمكنت من التقاط الكثير من التفاصيل، كما مكنني وجودي من دون عمل ومن دون إنترنت وهاتف جوال من الوصول إلى حيث لم تستطع كاميرات التصوير الوصول إليه»، لافتا إلى أن المشهد في طرابلس أصبح مشهد خوف، وأن الحديث عبر الهواتف الجوالة لا يتعدى بعض الكلمات المشفرة ودعوات بالنصر للعقيد القذافي.

وقال الصحافي الليبي: «مع ذلك كانت الصورة مختلفة تماما داخل البيوت حيث الخوف الجارف عند مشاهدة القنوات الفضائية مثل (الجزيرة) و(العربية) و(الحرة)»، لافتا إلى أن مشاهدتها تعني أن الكتائب ستكون قاب قوسين منك أو أدنى. وكشف النقاب عن لجوء نظام القذافي إلى نشر الشائعات بين السكان وخاصة العجائز، لإقناعهم بأن مشاهدة هذه القنوات تنقض الوضوء.

وأضاف: «أما الأماكن العامة والمقاهي فيمنع فيها منعا باتا مشاهدة أي قناة بخلاف القنوات الرسمية»، مشيرا إلى أن الأمور ساءت أكثر فأصبح وضع علم القذافي الأخضر فرض عين تقريبا، حيث صار من السهل على أجهزة المخابرات والكتائب معرفة الموالين من المناوئين، موضحا أنه على الرغم من الكبت الذي يعانيه سكان طرابلس، فإن الكثير منهم فضل «النضج على التدثر بخرقة القذافي كما يسمونها»، مشيرا إلى أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد أوجد أنصار القذافي طريقة جديدة لتمييز أنفسهم، بوضع صور العقيد على زجاج سياراتهم.

واعتبر الصحافي الليبي أن ما يمارسه نظام القذافي في طرابلس هو إجبارها على دفع فاتورة انضمامها المبكر لثورة السابع عشر من فبراير (شباط) الماضي، مشيرا إلى أنه، وبعد ثلاثة أيام فقط من هذا التاريخ، أطلق النظام العنان لعناصر الكتائب الذين كانوا خليطا من جنود رسميين في الكتائب الأمنية، بالإضافة إلى ما يسمون بالمتطوعين، وهم من المساجين الذين تم إطلاق سراحهم، والمحكومين في قضايا سابقة بالإعدام والسجن المؤبد.

وأضاف أن هؤلاء العناصر اعتبروا أن خطاب القذافي في الساحة الخضراء، الذي دعاهم فيه للفرح والرقص والعيش حياة العز، رسالة غير مشفرة لانتهاك الحرمات، والحصول على ما منعوا منه طويلا، لافتا إلى أن حياة العز في نظر القذافي كانت حرائر ونساء طرابلس اللائي ما كن سينظرن بطرف عين لمن عرفهم المجتمع بسقط المتاع من تجار مخدرات وقتلة ولصوص، وكلهم خرجوا من حياة الذل في السجون إلى حياة العز في طرابلس، لدرجة أن الكثير من بنات طرابلس كن يفضلن الانقطـــــاع عن الدراســـة دون تبـــــرير هذا القرار لذويهم، إذ لم يستطعن إخبار ذويهن عن التحرش الذي كن يلقينه من عناصر الكتائب.

وخلص الصحافي إلى أن الحياة في طرابلس بدت مخيفة، والوقت كالسيف يقطع الأوصال ويأبى أن يقطع، والقصص عصية عن التصديق، مضيفا إلى أنه أمضى نحو مائة يوم في طرابلس وهو يعاني الملاحقات الأمنية بسبب رفضه لممارسات نظام القذافي ضد الشعب الليبي.