جهود رسمية مكثفة لترميم وتجميل كنائس إمبابة «المحترقة»

كاهن كنيسة مارمينا لـ«الشرق الأوسط»: جميل أن ترصف طريقا لكن الأفضل تنمية البشر

أعمال الترميم بكنيسة «السيدة العذراء» بإمبابة وقد شارفت على الانتهاء (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

بعد مرور نحو شهر على أحداث العنف الطائفية بين عدد من المسلمين والمسيحيين التي أسفرت عن مقتل 15 شخصا وإصابة 242 آخرين من الجانبين، بالإضافة إلى حرق كنيسة «العذراء» والكثير من المباني السكنية والمحال المجاورة لكنيسة «مارمينا».. تغيرت الأوضاع في الحي بصورة لافتة، فبعد أن كان الدخول إلى الشوارع الضيقة المكدسة بالسكان يواجه بإجراءات أمنية مشددة وعمليات تفتيش عصيبة وسط حصار من قوات الشرطة المعززة ببعض المدرعات، أصبح الدخول إلى الشوارع والكنائس المتضررة شيئا في غاية السلاسة ولا يواجه بأسئلة من قبل «من أنتم.. ماذا تريدون.. وماذا تحملون؟».

ويتبادر إلى أذهان الزائرين للحي سؤال مشروع مفاده «هل هو خلل أمني جديد ونوع من تهاون.. أم اطمئنان زائد لهدوء الموقف؟»، فبشاعة العنف الذي وقع هناك.. لا تزال آثاره قائمة. وحين طرحت «الشرق الأوسط» السؤال على أول عامل مسيحي التقته داخل كنيسة «مارمينا»، فرد قائلا: «طبيعة سكان وأهالي المنطقة الكثيفة لا تتحمل إجراءات أمنية مشددة.. نحن أناس طيبون نتعامل بتلقائية وعفوية، ولا نستطيع التعايش وسط قيود كثيرة». واستطرد: «أعترف بأن هذا خطرا وأن دخول الكنائس لا بد أن يكون مؤمنا خاصة في هذه الظروف.. لكننا اعتدنا على ذلك منذ زمن.. وأي مسيحي أو مسلم يرغب في دخول الكنيسة يستطيع دخولها بحرية دون تفتيش.. وليس أمامنا سوى الله ليحمينا من أي مكروه».

هذا المعنى يؤكد عليه تاجر مسلم بالحي قائلا: «الأصل في علاقة المسلمين بالمسيحيين طيبة للغاية منذ الأزل، وليس بيننا سوى المودة والتعامل الأخوي، لكن النظام السابق خلق بيننا فزاعة وخوفا من بعضنا البعض.. وهي في الحقيقة وهمية وغير مبررة، ترانا الآن نشتكي من اضطهاد متبادل وتمييز عنصري في حين أن لدينا نحن الطرفين مشكلات وأزمات مشتركة لو عملنا على حلها لعشنا في أمن وأمان كمصريين».

وتشهد مصر منذ فترة سلسلة أعمال عنف طائفي، كان آخرها الاشتباكات التي حدثت في حي إمبابة في 7 مايو (أيار) الجاري، على خلفية ادعاءات شاب مسلم باختطاف الكنيسة لزوجته المسيحية بعد أن أشهرت إسلامها واحتجازها بكنيسة «مارمينا»، واستعان بمجموعة من السلفيين، محاولين اقتحام الكنيسة لتقع الاشتباكات بين الجانبين.

وبينما تم القبض على العشرات للتحقيق معهم في هذه الأحداث، أكد المجلس العسكري الحاكم في مصر أنه لا تهاون مع أي شخص يثبت تورطه في إشعال مثل هذه الفتن الطائفية. وأعلن الدكتور علي عبد الرحمن، محافظ الجيزة، عن بدء إجراءات الإصلاحات والإحلال والتجديد والبناء للتلفيات الناتجة عن أحداث الشغب في إمبابة، مشيرا إلى أن الخسائر تشمل نحو 6 أدوار في كنيسة العذراء ومخبزا ومقهى وعددا من الوحدات المنزلية المملوكة للمسلمين والمسيحيين. وأكد أنه تم رصد ميزانية خاصة لتطوير منطقة إمبابة والاهتمام بها من الناحية الاجتماعية والأمنية، نظرا لوجود 14 كنيسة بها، ولمعالجة المناخ الطائفي الموجود بالمنطقة الذي وصفه بأنه «لا يخفى على أحد». وبالفعل، قامت محافظة الجيزة بصرف تعويضات لشهداء هذه الأحداث، بمنح 5 آلاف جنيه لأسرة كل شهيد. كما يجري حاليا حصر نهائي للمصابين من خلال تقارير مديرية الصحة، على أن يتم فور انتهاء الحصر مباشرة وبواقع ألف أو ألفي جنيه حسب درجة الإصابة. أما عن الخسائر المادية، فقد تم إسناد إصلاح تلفيات كنيسة «العذراء» بإمبابة بالأمر المباشر إلى شركة «المقاولون العرب»، وسيتم إطلاق أسماء الشهداء على شوارع الحي بعد موافقة المجلس المحلي، وتوفير فرص عمل لأهاليهم.

«الشرق الأوسط» التقت كاهن كنيسة مارمينا بشارع الأقصر بإمبابة القس شاروبيم عوض، لتستوضح مدى تأثير هذه الأحداث.. وقد أكد شاروبيم أن التلفيات التي حدثت في كنيسة مارمينا (المقر الأول للأحداث) بسيطة وتم تداركها بسبب حرص القوات الأمنية على حمايتها منذ البداية، لكن الخسائر الأكبر كانت في المحال والمنازل المجاورة، ويتم الآن ترميم المحلات والمنازل بجهود ذاتية، لكن المجلس المحلي وعد الأهالي بصرف تعويضات لهم. وأشار شاروبيم إلى أنه «بالتأكيد حصل شرخ كبير في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين هنا، فالقتلى والخسائر في الجانبين ولدت حقدا وغضبا لدى الكثيرين، وهو الأمر الذي لم يكن موجودا في السابق بصورة بارزة». وأوضح «ربما كان موجودا عند البعض أو لدى قلة بشكل غير ظاهر أو ملموس، لكنه الآن أصبح يطفو على السطح على غير العادة». وأضاف الكاهن «كانت توجد محبة بين المسلمين والمسيحيين، أعترف بأنه ليس الكل، من أجل أن نكون صادقين مع أنفسنا، لكن الوضع تغير.. هذه الأحداث أحدثت جرحا عميقا يتطلب وقتا لمعالجته». وأكد شاروبيم أن التهدئة ما زالت حتى الآن غير كاملة، رغم الجهود الذاتية الكبيرة التي يبذلها أهالي المنطقة على كل المستويات، والجلسات العرفية الكثيرة التي تمت على مستوى المحافظة وعلى مستوى الكنيسة مع مشايخ المنطقة. وأوضح «ربما كان جزء منها يخضع للأمور الشكلية التي يصورها الإعلام، لكن هناك مجموعات جادة تعقد الآن بين أهالي المنطقة وبين المشايخ والقساوسة تحتاج إلى وقت وإلى تفعيل».