هل يتحول الطفل حمزة الخطيب إلى رمز جديد لإسقاط النظام السوري؟

على غرار البوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر

محتجون يحملون صورة الطفل الشهيد حمزة الخطيب في درعا (أ.ف.ب)
TT

كان رأس الفتى متورما وورديا ومشوها. وكان جسده مليئا بآثار الضرب وإطفاء السجائر فيه، والرصاصات التي أطلقت كي تجرح لا لكي تقتل. تحطمت عظام ركبتيه وكسرت رقبته وكسر فكاه وقطع عضوه الذكري.

لم يتضح المتسبب في قتله، لكن الواضح أنه عانى الكثير من الألم خلال الشهر الذي قضاه في السجون السورية. إنه حمزة علي الخطيب، ابن الثالثة عشرة.

في أعقاب نشر الفيديو الذي يصور تعذيبه على شبكة قناة «الجزيرة» يوم الجمعة، برز الخطيب كرمز جديد للحركة الاحتجاجية في سوريا. وقد أصبحت ملامح الفتى الطفولية رمزا لحركة معارضة نظام الرئيس بشار الأسد التي خلت من الشخصيات البارزة والمعروفة، لتعيد إشعال حركة الثورة التي بدا أنها تواجه خطر الحيد عن مسارها.

لا يزال من المبكر للغاية الحديث عما إذا كان موت الفتى سيطلق ذلك النوع من الكتلة الحرجة التي أسقطت الأنظمة في مصر وتونس بداية العام الحالي، والتي تفتقدها الثورة السورية. لكنها لن تكون المرة الأولى التي تحرك فيها معاناة فردية رجل الشارع العادي، الذي قد لا ينزل إلى الشارع للثورة ضد الحكومة في وضع آخر.

فقد استلهمت الثورة التونسية من بائع متجول أضرم النار في نفسه بعد إهانته من شرطية محلية. وفي مصر أدى موت خالد سعيد، مواطن عادي من الإسكندرية، من التعذيب على أيدي الشرطة إلى اشتعال حركة المعارضة التي أدت في النهاية لانتفاضة ضد نظام حسني مبارك. ويعتقد الناشطون أن الطفل سيكون هو خالد سعيد الثورة السورية. فيقول وسام طريف، الناشط في منظمة «إنسان» لحقول الإنسان: «هذا الطفل هو رمز بالفعل. فقد أثار السوريين وتزايدت المظاهرات».

وقد شهد يوم الأحد مظاهرات حاشدة في المدن الصغيرة والكبيرة في سوريا تندد بتعذيب الطفل حمزة، في مؤشر على تزايد الحركة التي ركزت احتجاجاتها في يوم الجمعة فقط.

ففي حماة التي تبعد 116 كيلومترا عن دمشق، نزل الآلاف إلى الميدان الرئيس حاملين صور الطفل ويهتفون «حمزة، حمزة». وفي أحياء حلب ثاني أكبر من سوريا، التي لم تشارك حتى الآن في المظاهرات بمستوى بارز، صعد الأهالي إلى أسطح المنازل ليلة السبت يهتفون «الله أكبر، حمزة، حمزة». وفي إحدى ضواحي دمشق، نزل الأطفال إلى الشوارع ينددون بتعذيب الطفل.

وقد بلغ عدد أعضاء صفحة «فيس بوك».. «كلنا حمزة علي الخطيب، الطفل الشهيد» أكثر من 40 ألف عضو منذ إنشائها يوم السبت. ويقول أحد التعليقات على الصفحة: «لم يعد هناك مكان للنظام بعد ما فعلوه بالطفل حمزة». أما النسخة الإنجليزية من الصفحة فقد اجتذبت 3 آلاف عضو.

وتقول رزان زيتونة، المحامية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، التي تختبئ في دمشق، في مقابلة معها عبر شبكة «سكايب»: «التعذيب أمر معتاد في سوريا. لكن الغريب بشأن حمزة هو أنه مجرد طفل، ولعل ذلك هو ما صدم جميع السوريين، حتى أولئك الذين لم يقرروا ما إذا كانوا سيشاركون أم لا في المظاهرات».

تفاصيل ما حدث لحمزة تحديدا محدودة، ولا يمكن التحقق منها بصورة مستقلة، لأن غالبية الصحافيين ممنوعون من الحصول على تأشيرات لدخول سوريا، والقليلون الموجودون هناك لا يستطيعون العمل بحرية».

لكن بحسب روايات الأسرة الذين التقتهم القنوات الإخبارية العربية وناشطي حقوق الإنسان، كان الطفل بين مجموعة من الأفراد الذين اعتقلوا عندما اصطحبه والده إلى مسيرة معارضة للنظام في 29 أبريل (نيسان) في مدينة جيزا، القريبة من درعا.

ولم يسمع أفراد العائلة أي أخبار عن حمزة حتى يوم الأربعاء، عندما وصل مسؤولون من الحكومة السورية إلى منزلهم، وطلبوا منهم التوقيع على ورق يوافقون فيه على الحصول على جثة الطفل، شريطة أن لا يعرضوا الجثة على أحد أو يناقشوا ظروف وفاته. وأذعنوا للطلب، ولكنهم شعروا بالصدمة عندما رأوا كم الجراح، ودعوا ناشطا كي يصور مقطع فيديو، وهو الذي نشر على موقع «يوتيوب».

وتتحرك الكاميرا على جثمان الصبي، لتظهر الجراح والندبات وثقبا في جسده، في المكان الذي يفترض أن يكون فيه عضوه الذكري، وقدم رجل لم تحدد هويته تعليقا وصف فيه الجراح، وقال: «انظروا إلى إصلاحات بشار الخائن».

ومنذ يوم السبت، ووسط تقارير عن أن والد حمزة، ويحتمل شقيقه، قد أخذ إلى السجن، توقفت العائلة عن تلقي مكالمات هاتفية. ولم يرد أفراد في العائلة على مكالمات هاتفية، وكذا لم يرد متحدث باسم الحكومة السورية.

وشككت محطة تلفزيونية خاصة موالية للنظام في صحة مقطع الفيديو، ودُعي طبيب ليظهر على القناة، قال إن الجراح لا تتماشى مع التعذيب، وربما تكون غير حقيقية.

ولكن، بغض النظر عن التفاصيل، يبدو أن وفاة الطفل حمزة قد بعثت بشحنة طاقة جديدة إلى حركة الاحتجاج التي أكدت على استمرارها، على الرغم من أنها غير قادرة على جذب الأعداد في الشوارع التي أطاحت برئيسي مصر وتونس. ويقول ناشط في العاصمة السورية، التي لم تشهد مظاهرات كبيرة، عبر «سكايب»، شريطة عدم ذكر اسمه لخشيته على سلامته: «يتحدث كل شخص داخل دمشق عنها».

وما زالت لا توجد إشارات على أن النظام الحاكم في سوريا يستعد لتقديم تنازلات أو السعي وراء الإصلاحات التي يرغب فيها المجتمع الدولي. ويوم الأحد، تحركت دبابات في منطقتين أخريين ظهرت فيهما مظاهرات، وهما الرستن وتلبيس، وتقعان على الطريق السريع الواصل إلى مدينتي حماه وحمص.

وكانت هناك تقارير متضاربة، ويقول نشطاء إن الجيش كان يتحرك من أجل قمع المظاهرات هناك، وأوردوا حالات قتلى وجرحى. ولكن تقول هيئات إخبارية موالية للحكومة وساكن من حمص القريبة، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن الحكومة تحركت تجاه المدن بعدما نصب متمردون مسلحون كمينا للجيش السوري، قتل فيه ضباط وأصيب فيه 40 جنديا وضابط شرطة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»