الأزمة في سوريا بين تهكم العوام و«فوفوزيلا» النظام

سوداوية المشهد لم تقض على روح النكتة والدعابة.. ومنها: «مندس» تزوج «مندسة» فأنجبا شاهد عيان

أحد الشعارات التي رفعها معارضون سوريون على موقع إلكتروني
TT

عند الحديث عن الحراك الشعبي الآخذ في الاتساع ضد النظام في سوريا، تقفز إلى الأذهان مقارنة عفوية بين هذا الحراك والثورة المصرية.. وفي هذه المقارنة، وفقا لمن يعايش الواقع السوري على الأرض، ظلم لإمكانات هذا الشعب وقدرته على الإبداع. فالأمن المنشر في كل زاوية ومكان لم يسمح، حتى الآن، للمظاهرات بالتطور والاتساع، علما بأنه لو تركها لحالها لأصبحنا اليوم نجدها تغني وترسم وتكتب شعرا وتصنع النكات الجديدة والفرح والحب بدلا من مشاهد الدم، ولو تركها لوجدنا مشاركة من جميع الطوائف، ووجدنا حتى حالات من التزاوج بين طوائف مختلفة، فهذه طبيعة الشعب السوري، وعودوا إلى تاريخ هذا الشعب في الخمسينات لتجدوا ذلك.. وهو ما قاله المعارض السوري الدكتور حازم نهار في حوار إلكتروني مع شباب أنشأوا صفحة على الإنترنت تحمل اسم «يوم الحوار السوري».

لكن التضييق الذي تمارسه الأجهزة الأمنية لم يقض على روح النكتة والدعابة المنسلة من بين مشاهد الدم ورائحة الجثث وصرخات الأيتام والثكالى والأرامل في غير منطقة في سوريا، فما أصعب الحياة لولا فسحة الأمل. أحد الناشطين كتب على صفحته على الـ«فيس بوك» متهكما على الرواية التي يتم تكرارها عبر وسائل الإعلام الرسمي بأن الذين يقومون بالمظاهرات إما أن يكونوا مندسين وإما سلفيين وإما إخوانيين. قال: في إحدى المظاهرات في دمشق.. صعد أحد المتظاهرين على كتفي آخر.. فهاجم الأمن المظاهرة وفرقها واعتقل المتظاهر ممن اعتقل.. واكتشف أن من حمله على أكتافه هو ذاته من يحقق معه، قائلا: «قل هل كنت في المظاهرة يا حيوان؟ بقلع عيونك ولك».. فهل صدقتم الآن أن هناك مندسين في المظاهرات؟ في إشارة إلى أن عناصر الأمن هم المندسون لا غيرهم.

ناشط إلكتروني آخر كتب على صفحته: على الرغم من الجراح في بلدي الحبيب شاءت حكمة الله أن يكون زفافي اليوم.. بحضور ضيوف سأتشرف بمجيئهم.. دقت ساعة الزواج.. دقت ساعة الارتباط.. إلى الأمام.. لا رجوع.. والكل معزومون.. دار دار فرد فرد زنقة زنقة.. عقبال عرس الحرية للشعوب كلها.

وإلى حمص، تلك المدينة التي كما كانت على الدوام سببا في إضحاك السوريين على مدى عشرات السنين لما تصدره من نكات تدور حول شخصيات حمصية محببة، كانت سببا في إبكائهم أيضا لحجم الضحايا والجرح في هذه المحافظة التي تحتل جغرافيتها قلب سوريا، إلا أن الحماصنة المشهورين بطيبتهم وظرفهم أبوا إلا أن يجاروا المرحلة ويمارسوا ظرفهم بطريقتهم الخاصة، ففي الوقت الذي يواصل فيه الإعلام الرسمي الحديث عن مسلحين داخل الحراك الشعبي في المناطق السورية، تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي فيديو حقق خلال دقائق معدودة آلاف المشاهدات يتحدث عن اكتشاف أسلحة في حمص، طبعا هذه الأسلحة كانت من ابتكار مجموعة من الأطفال، وهي عبارة عن مدخنة مدفأة تحاكي سلاح «آر بي جي» وعدد من المفرقعات التي يستخدمها الأطفال في الأعياد يتم توجيهها إلى قوات الأمن التي يظهر المقطع أنها تقوم باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين، قام بذلك مجموعة من الأطفال متقمصين الدور بشكل كامل.

أحدهم علق على هذه المشاهد المضحكة بالقول: إنه ليس من المستبعد أن تقوم قناة «الدنيا» السورية، شبه الرسمية، بأخذها وترويجها على أنها أسلحة حقيقية منتشرة بين أطفال حمص ويستخدمها الأطفال في مواجهة الأمن، وعلى ذكر قناة «الدنيا» التي يتهمها المعارضون ببث أخبار غير دقيقة وملفقة عن طبيعة الأحداث التي تشهدها سوريا، فالنكتة الشائعة الآن هي أن الأمهات السوريات كن يقلن لأبنائهن: «يا ماما لا تكذب بتروح ع النار» وبعد الأحداث والدور الذي قامت به قناة «الدنيا» أصبحن يقلن: «ماما لا تكذب بتروح ع قناة الدنيا».

كانت وسائل إلكترونية سورية محسوبة على النظام قد روجت بشكل جدي لإمارة إسلامية حاول أميرها الفرار بواسطة طائرة عمودية من حمص، فإضافة إلى أن الخبر بحد ذاته نكتة، وهو ما يعبر عنه المزاج العام في سوريا، لكن النكتة التي راجت حول هذه القضية هي أن «أمير إمارة حمص الإسلامية» التي روجت لها وسائل الإعلام هذه لم يتمكن من الفرار لأن أعوانه قاموا باستبدال مروحة الطائرة العمودية بمكيف.

ولا تنتهي النكات التي تخترق سواد المشهد، فذلك مندس تزوج مندسة فأنجبا شاهد عيان، بينما يحلو للبعض القول إن مندسا تزوج مندسة فأنجبا أجندة خفية يبحثان عنها حتى الآن، جميع تلك النكات تجد فضاء مواقع التعارف الاجتماعي ملاذا آمنا لها للانتشار وربما الاشتغال عليها لتصبح أكثر تهكما فيما يعرف بالكوميديا السوداء، لدرجة أن أحد عناصر الأمن أوقف شابين أعزلين وقال لعنصر آخر: «فتشهما جيدا وشوف إذا معهم (فيس بوك)» هي نكتة أخرى أيضا علق عليها أحدهم بالقول «إن عددا كبيرا من رجال الأمن لا يزالون يعتقدون أن الـ(فيس بوك) عبارة عن نوع من الأسلحة أو القنابل»، وهو ما يعكس، ربما، الدور البالغ الذي لعبه هذا الموقع الاجتماعي في إحداث التغيير في المنطقة.

في حين أن كل الشخصيات التي تنافح عن النظام في الإعلام العربي والغربي باتت تسبق بلاحقة البوق فلان الفلاني من قبل المعارضين الشباب، إلا أن ناشطا على الـ«فيس بوك» كتب أن هؤلاء الأشخاص الذين يحاولون أن يغيروا حقائق واضحة كعين الشمس في سبيل الدفاع عن النظام، نظلمهم عندما نصفهم بالأبواق.. إنهم «فوفوزيلا» النظام السوري. و«الفوفوزيلا» التي اشتهرت خلال مونديال كأس العالم 2010 وسببت إزعاجا لمتابعي المونديال هي عبارة عن آلة نفخ تشبه البوق في مظهرها العام، ويبلغ طولها نحو المتر.. وهي تُصدر عند النفخ بها صوتا يشبه صوت الفيلة.