اليمن: انهيار الهدنة بين قوات صالح ومسلحي الأحمر.. والمزيد من القتلى في تعز

اعتداء بالهراوات والخناجر على مسيرة نسائية

شاب يمني يمضغ القات بينما يحمل حقيبة كبيرة اثناء فراره مع آخرين من المواجهات بين قوات الأمن اليمنية والمعارضة من رجال القبائل في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

انهارت الهدنة بين القوات النظامية الموالية للرئيس علي عبد الله صالح ومسلحي شيخ مشايخ قبيلة حاشد الكبيرة والقوية في اليمن، صادق الأحمر؛ حيث تجددت الاشتباكات في صنعاء وخسر خلالها النظام المزيد من المواقع، هذا في وقت واصلت فيه القوات الحكومية قمع المتظاهرين المطالبين برحيل الرئيس صالح في محافظة تعز واستمر سقوط القتلى والجرحى.

وفي ساعات الفجر الأولى من يوم أمس، تجددت الاشتباكات في حي الحصبة بين الجيش ومسلحي الشيخ الأحمر، وقالت مصادر محلية: إن الاشتباكات كانت عنيفة للغاية وخلفت عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، كما جرى تبادل قصف مدفعي عنيف في الحي الذي بات أشبه بمدينة أشباح، غير أنه لم يتسنَّ الحصول على معلومات دقيقة بشأن الخسائر البشرية.

وقال شهود عيان: إن القوات الحكومية قصفت، إلى وقت متأخر من مساء أمس، منطقة الحصبة؛ حيث سمع دوي الانفجارات العنيفة على بعد عدة كيلومترات، وعلمت «الشرق الأوسط» أن المواجهات اقتربت من مبنى تلفزيون اليمن الرسمي في شارع عمران، وتشير المصادر إلى أن الكثير من القتلى من مسلحي الأحمر نقلوا إلى المستشفى الميداني بـ«ساحة التغيير» وإلى مستشفى العلوم والتكنولوجيا.

وأكدت المصادر استعادة أنصار الأحمر السيطرة على مبنى وزارة الإدارة المحلية الكائن غرب قصر الأحمر، بعد أن كان قد سلم إلى السلطات عبر وساطة قبلية أوقفت النزاع المسلح لبضعة أيام، وذكرت مصادر قريبة من الزعيم القبلي أن جماعته تمكنت من السيطرة على المقر الرئيسي لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم (اللجنة الدائمة) ووزارة الداخلية، وكذا قسم شرطة الحصبة وعدد آخر من المباني الحكومية في منطقة الحصبة، وأشارت تلك المصادر إلى أنه أُلقي القبض على أفراد الجيش والأمن الذين كانوا يتمركزون في تلك المباني، بينما استسلم آخرون.

غير أن السلطات اليمنية نفت السيطرة على مبنيي وزارة الداخلية واللجنة الدائمة، وقالت إنها تمكنت من استعادة السيطرة على قسم شرطة الحصبة، واتهمت من وصفتهم بـ«عصابات أولاد الأحمر» بقصف تلك المباني والاستيلاء على مبنى مصلحة المساحة بعد الاعتداء على أفراد الشرطة العسكرية المرابطين هناك، وكذا قصف معسكر قوات النجدة، وقالت: إن مسلحي الأحمر استخدموا في المواجهات الصواريخ وقذائف «آر بي جي» و«الهاون» والرشاشات الثقيلة.

وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن خرق الهدنة؛ فقد قال مكتب الشيخ الأحمر: إن قوات الرئيس صالح هاجمت، مرة أخرى، المنطقة وقصور أسرة الأحمر، على الرغم من الهدنة، الأمر الذي استدعى «الدفاع عن النفس»، في حين قالت مصادر رسمية: «إن أولاد الأحمر وعصاباتهم المسلحة أقدموا على خرق الهدنة في منطقة الحصبة؛ حيث قاموا بمعاودة اعتداءاتهم على المباني والمنشآت الحكومية، وأطلقوا عليها النار من مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة»، وذكر بيان، صادر عن الحزب الحاكم في اليمن، أنه «على الرغم من التزام الجانب الحكومي بالهدنة فإن أولاد الأحمر وعصاباتهم المسلحة يواصلون اعتداءاتهم على المواطنين وعلى المباني الحكومية، وهو ما اعتبرته المصادر مؤشرا قد يهدد بنسف الهدنة»، بينما وصف مصدر رسمي «ما قام به أولاد الأحمر وعصاباتهم المسلحة من هجوم على مبنى الداخلية ومعسكر النجدة بأنه خرق متعمد للهدنة السارية نتيجة الوساطات القبلية».

واتهمت السلطات اليمنية مسلحي الأحمر بنهب المباني والمنشآت الحكومية التي استولوا عليها، وبينها مئات الحواسيب، وبالأخص من مبنى وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، وقالت إن الجانب الحكومي «طلب من لجنة الوساطة إلزام أولاد الأحمر بإعادة جميع المنهوبات التي قاموا بأخذها من الوزارات والمباني والمنشآت الحكومية التي تم الاعتداء والاستيلاء عليها، وليس فقط إخلاء تلك المنشآت».

وفي محافظة تعز، قُتل ما لا يقل عن 15 متظاهرا في هجوم جديد لقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي ومجاميع البلطجية على «مظاهرة الرد» على ما تعرض له المتظاهرون، الأيام الثلاثة الماضية، في «ساحة الحرية» بمدينة تعز، وهي الأحداث التي قُتل خلالها أكثر من 100 متظاهر أثناء محاولة القوات الحكومية فض الاعتصام الكائن في حي عصيفرة، وكانت المظاهرة الحاشدة قد انطلقت من «وادي القاضي» بضواحي المدينة نحو الساحة، إلا أن قوات الأمن تصدت لها بعنف.

كانت القوات الحكومية قد حاولت فض الاعتصام في «ساحة الحرية» بتعز بواسطة هجوم عنيف أحرقت خلاله خيام المعتصمين، وبحسب مصادر برلمانية في تعز، فإن عدد قتلى الهجوم على المتظاهرين المطالبين برحيل صالح خلال الأيام الماضية تجاوز الـ150 شخصا، وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن قوات الأمن اختطفت العشرات وأخفتهم، كما قامت باعتقال المئات.

وللمرة الأولى في اليمن، جرى، أمس، تفريق مسيرة نسائية في مدينة تعز خرجت للتنديد بما يتعرض له المعتصمون، وذكرت المصادر أن قوات الأمن والشرطة النسائية اعتدت على المسيرة بالهراوات والخناجر.. من جانبها، قالت أمل الباشا، رئيسة منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط»: إن أكثر من 80 امرأة في تعز كن يتجمعن للقيام بمسيرة، تعرضن للمطاردة ونزع أغطية الرأس والأحجبة، وإنهن تعرضن، أيضا، لشتائم نابية وهددن بالاعتداء الجنسي، وذكرت أن إحدى المتظاهرات تعرضت لحالة انهيار عصبي وصراخ حاد وغير طبيعي.

وتواصلت ردود الفعل المنددة بما يوصف بـ«تصرفات» نظام الرئيس عبد الله صالح «تجاه شعبه»؛ حيث خرجت مظاهرات ومسيرات في معظم المحافظات اليمنية، أكدت ضرورة سرعة تنحي الرئيس صالح عن الحكم ومحاكمته هو وأركان نظامه على ما تعرض له المتظاهرون في تعز وغيرها من المحافظات، ونددت المظاهرات، أيضا، بالقصف الحكومي على منزل الشيخ صادق الأحمر.

واجتمع مشايخ القبائل والشخصيات الاجتماعية والبرلمانية لتدارس خطورة الوضع في المحافظة واستمرار سقوط القتلى والجرحى على يد القوات الحكومية؛ حيث حملوا المسؤولية المباشرة للرئيس علي عبد الله صالح والقادة العسكريين والأمنيين في صنعاء وتعز، هذا في وقت قالت فيه منظمات حقوقية إن هناك قوائم بأسماء وصفات الأشخاص المتورطين في مهاجمة المعتصمين منذ بداية الثورة الشبابية وحتى اللحظة، سواء من الشخصيات المدنية أو العسكرية، وذلك على طريق تقديم شكاوى ضدهم إلى محكمة الجنايات الدولية.

وأشارت مصادر في تعز إلى أن خيار «الدفاع عن النفس»، ضمن ما نوقش في اجتماع المشايخ، على الرغم من تأكيد شباب الثورة سلمية ثورتهم وصمودهم وعدم انجرارهم نحو مربع العنف الذي يقولون إن الرئيس صالح يسعى إلى جرهم إليه، في الوقت الذي برزت فيه بعض الأصوات تطالب بخيار «الدفاع عن النفس».. وأشارت بعض الكتابات إلى أن هذا الخيار لا يتنافى مع سلمية الاحتجاجات.