«الاستقطاب السياسي» في مصر يدفع القوى الحزبية للبحث عن حلفاء

بدأها حزب «الجبهة» بإعلانه اندماج ستة فصائل تحت مظلته

TT

تزايدت حدة الاستقطاب السياسي في مصر على خلفية ما وصفه مراقبون بـ«فشل مؤتمرات الحوار» في الخروج بتصور توافقي للمرحلة الانتقالية التي يتولى خلالها المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد، الأمر الذي دفع أحزابا وحركات سياسية ليبرالية ويسارية لإقامة تحالفات، في مواجهة تحالف الحركات الإسلامية، التي تصدرت المشهد السياسي في البلاد بعد «ثورة 25 يناير». وأعلن حزب الجبهة الديمقراطية، أمس، عن اندماج ستة أحزاب وحركات سياسية تحت مظلته في كيان واحد، مشيرا إلى إمكانية اندماج أحزاب أخرى خلال المرحلة المقبلة.

وشكلت الثورة في مصر، والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، انعطافا في مسار العمل الحزبي بعد أن أصدر المجلس العسكري قانونا ييسر شروط تأسيس الأحزاب، ورغم تحفظ القوى السياسية التي تشكلت في أعقاب الثورة على بعض مواد القانون الجديد، فإنها أعلنت سعيها لتأسيس أحزاب جديدة.

وقال الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجبهة، في مؤتمر صحافي عقد أمس للإعلان عن الاندماج الجديد الذي يتبنى ما سمي بـ«المشروع المصري»، إن «المشروع يرفع شعار عيش، حرية، كرامة إنسانية»، وهو الشعار الذي رفعه شباب «ثورة 25 يناير».

وأضاف حرب، الذي أسس حزب الجبهة عام 2004، أن الاندماج الجديد يضم أحزاب «الجبهة» و«التحالف المصري» و«شباب مصر الحر» و«مصر الأم»، وحركتي «ليبراليي 25 يناير» و«ائتلاف من أجل مصر».

ويرى مراقبون أن مساعي الأحزاب للاندماج في المرحلة الانتقالية تعكس ضعف هذه المؤسسات، وهو ما يوضحه الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، المنسق السابق للجمعية الوطنية من أجل التغيير، بقوله إن «الأحزاب القديمة عانت من الكبت في ظل النظام السابق، وهو ما أثر على فعاليتها، في وقت يعاني فيه عدد من الأحزاب الجديدة من ضعف الموارد التي قد تدفعها للتحالف مع كيانات أكبر».

وأضاف نافعة أن «الاندماج والانقسامات تعبير عن حالة السيولة التي تشهدها الساحة السياسية في مصر وتفرضها طبيعية المرحلة الانتقالية»، متوقعا أن تظل هذه السيولة قائمة إلى ما قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.

ويقول مراقبون إن الدافع للاستقطاب الذي يسم المشهد السياسي حاليا جاء على خلفية الانقسام الذي شهدته البلاد خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى في شهر مارس (آذار) الماضي، والتي أيدتها جماعة الإخوان المسلمين، ومثلت حجر زاوية في تحالف التيارات الإسلامية (الجماعات السلفية، وحزب الوسط، وحزب العمل)، التي توافقت مواقفها من الاستفتاء مع جماعة الإخوان.

وتقول التيارات الليبرالية واليسارية، إن «الإخوان» والسلفيين «لعبوا على وتر الدين في الاستفتاء»، كما أعربت تلك التيارات (التي واجهت اتهاما بسعيها لإسقاط المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن دين الدولة الإسلام) عن خشيتها من جاهزية «الإخوان» للفوز بأغلبية مقاعد البرلمان المنوط به وضع دستور جديد، وهو ما يعني «صبغ الدستور الجديد بصبغة تتنافى مع مبدأ المواطنة».

وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد أعلنت في وقت سابق عن رفضها الشرعي لتقديم مرشح مسيحي أو امرأة في الانتخابات الرئاسية، وهو ما أثار قلقا لدى الأقلية المسيحية في مصر، وتحفظت عليه غالبية القوى السياسية. وتقول قيادات بالجماعة إن برنامج حزبها الجديد (الحرية والعدالة) يخلو من هذا الموقف.

في المقابل، يقلل سياسيون من أهمية الاندماج، مشيرين إلى أن وجود كيانات مختلفة تحت مظلة حزب واحد يمثل تهديدا لكيان الحزب. ويقول أمين إسكندر، وكيل مؤسسي حزب الكرامة الناصري، إنه «من غير المتصور اندماج هذه الكيانات التي تختلف في الممارسة والأفكار وأجندة المهام».

ويضيف إسكندر، الذي يشارك في مائدة حوار للفصائل الناصرية المختلفة، وعلى رأسها حزبا الكرامة والعربي الناصري، أن التوجه الأفضل في المرحلة الحالية هو التوصل لأرضية واحدة تمهد لائتلاف في انتخابات البرلمان المقبل.

وتسعى قيادات الأحزاب الرئيسية في مصر لتشكيل تحالف لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأعلن حزب الوفد الذي يعد واحدا من أعرق الأحزاب على الساحة السياسة، عن مبادرة بشأن خوض الانتخابات بقائمة موحدة.

وتقول قيادات بحزب الجبهة، إنه لا تعارض بين وجود الائتلاف بين أحزاب كبرى واندماج بعض الحركات والأحزاب الصغيرة تحت مظلة حزب أكبر. ويقود حزب الجبهة تحالفا مع أحزاب ليبرالية أخرى هي «مصر الحرية»، و«المصري الاجتماعي»، و«المصريون الأحرار».

ويرى مراقبون أن الاستقطاب الحاصل على الساحة المصرية مرشح للتنامي مع وجود تصورين متنافسين بشأن عبور المرحلة الانتقالية، يرحب الأول الذي تتبناه التيارات الإسلامية بالجدول الزمني المعلن لإجراء الانتخابات البرلمانية، في حين يرى أنصار التصور الآخر ضرورة وضع الدستور قبل الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.

ويضيف المراقبون أن التصور النهائي لقانون انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان)، سيحسم طبيعة وضرورة التحالفات في المرحلة القادمة. وتطالب القوى السياسية بأن تجري الانتخابات عبر نظام القائمة وليس النظام الفردي، مبررين موقفهم بقولهم إن نظام القائمة يسمح بانتخاب برنامج سياسي مع الابتعاد عن العصبيات العائلية والقبلية.