الطائفية أخطر تهديد لثورة مصر

المسيحيون يخشون من العنف بسبب التحولات التي قوت شوكة الإسلاميين

كثير من الأقباط يشعرون بعدم الأمان مع تعاظم نفوذ الإسلاميين في الشارع المصري («نيويورك تايمز»)
TT

برز عنوان لافت للانتباه من جريدة ليبرالية مشهورة، مفاده أن مسيحيين اختطفوا شابة مسلمة ووشموا على جسدها صليبا، وكانت كلماته تحديدا: «الأقباط يختطفون رغدة».

حكت رغدة سالم عبد الفتاح (19 عاما) قائلة: «ربطوني بحبال وضربوني بالنعال وحلقوا شعري وأجبروني على قراءة ترانيم مسيحية».

وكالكثير من القصص المماثلة التي يتم تناقلها في مصر منذ قيام ثورة «25 يناير»، لم يكن من الممكن التأكد من صحة قصة اختطاف رغدة عبد الفتاح. غير أنه بالنسبة للأقلية المسيحية في مصر، تسبب هذا العنوان الرئيسي المثير الذي ظهر في جريدة مرموقة في تأكيد مخاوفهم الممثلة في أن الثورة المصرية قد جعلت الدولة أقل تسامحا وأكثر تهديدا بالنسبة للأقليات الدينية.

لقد ظهر الربيع العربي في البداية على أنه يرحب بالعدد المتضائل من المسيحيين العرب، الذين شاركوا بحماس، بعد سنوات من الشعور بالتهميش، في المطالبة بالديمقراطية وسيادة القانون. غير أن الكثير من المسيحيين الآن هنا يقولون إنهم تساورهم مخاوف نظرا لأن انهيار الدولة البوليسية أدى إلى ظهور نزاعات طائفية قوية على السطح ربما تهدد الطابع المميز لمصر، بل وربما تهدد المنطقة بأسرها.

تساءل سركيس نعوم، معلق مسيحي في بيروت بلبنان قائلا «هل سيتمتع المسيحيون بحقوق المساواة والمواطنة الكاملة أم لا؟». لقد أدت موجة العنف الطائفي في مصر - التي أدت إلى سقوط 24 قتيلا وإصابة أكثر من 200 آخرين واحتراق ثلاث كنائس منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك - إلى أن تصبح الخلافات بين المسلمين والمسيحيين أحد أخطر التهديدات التي من شأنها أن تهدد استقرار الثورة.

غير أنها أيضا بمثابة اختبار محوري لسمات التسامح والتعددية وسيادة القانون التي تميز مصر. لقد مكنت الثورة الأغلبية، ولكنها أيضا أثارات تساؤلات جديدة حول حماية حقوق الأقليات مثل حرية العقيدة أو التعبير، مع مضي الجماعات الإسلامية قدما نحو فرض أجنداتها واختبار قوتها السياسية.

وفي مختلف أنحاء المنطقة، يتابع المسيحيون عن كثب الأحداث في سوريا، حيث، مثلما هي الحال في مصر، تلقى المسيحيون والأقليات الأخرى الحماية من قبل ديكتاتور علماني، بشار الأسد، الذي يواجه الآن انتفاضة شعبية عارمة ضد نظام حكمه.

«الأقباط هم الاختبار الحاسم الآن»، هكذا قالت هبة موريف، الباحثة في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، مضيفة أن مواجهة «ضغوط مجتمعية» ربما تكون أصعب نوعا ما من انتقاد ديكتاتور. «إنها المعركة الكبيرة القادمة»، على حد قولها.

ولكن حتى الآن، ثمة تشجيع محدود في سياق الجدل المثار حول كيفية مواجهة النزاع الطائفي. فبدلا من البحث عن أرضية مشتركة، تشير جميع الأطراف المعنية بأصابع الاتهام، في الوقت الذي لا يركز فيه أي طرف على الأسباب الكامنة وراء النزاع، ومن بينها الإطار القانوني الذي يفرق في المعاملة بين المسلمين والمسيحيين.

ويرى المسيحيون، الذين يشكلون نحو 10 في المائة من المصريين البالغ عددهم 85 مليون نسمة، أن الثورة قد دفعت بهم إلى أرض مجهولة. فبعد 6 عقود عاشها الإسلاميون في حالة من الكبت أو التهميش، دخلوا عالم السياسة من أجل الدفاع عن مادة من الدستور المصري تنص على أن مصر دولة إسلامية تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية. ويشير المسيحيون والليبراليون بشكل سري إلى أنهم يمقتون بشدة المادة التي تمت إضافتها للدستور في البداية من قبل الرئيس أنور السادات لكسب شعبية. غير أن المادة تحظى بقبول كبير بين المسلمين إلى حد أن كثيرا من الليبراليين والمسيحيين الذين يدخلون مجال السياسة يرفضون انتقاد هذه المادة، مطالبين في الأغلب بإدخال تعديلات بسيطة عليها فقط. وقال نجيب ساويرس، أحد ملوك المال المسيحيين أصحاب الاتجاه العلماني، الذي أنشأ حزبه الليبرالي الخاص: «نرى أنه يجب أن تبقى هذه المادة في الدستور، غير أنه يجب إضافة نص يفيد بأنه في المسائل الشخصية يجب أن يخضع غير المسلمين للقواعد الخاصة بديانتهم».

وأشار إلى أنه يفضل فصل الدين عن القوانين تماما مثل يفصل الغرب الكنيسة عن الدولة، غير أن الفكرة لم تنتشر في مصر.

وعلى الرغم من ذلك، فإن أكثر الأسباب المؤدية إلى العنف الطائفي شيوعا يتمثل في القوانين المصرية التي ترجع إلى نهاية الحقبة الاستعمارية. وأحدها يفرض قيودا أكثر صرامة على بناء الكنائس مما هي عليه الحال فيما يتعلق ببناء المساجد. وعادة ما يسعى المسيحيون إلى التهرب من القيود ببناء «مراكز مجتمعية» لها مذابح وأبراج - الأمر الذي يثير في بعض الأحيان اتهامات المسلمين بالخداع واتهامات المسيحيين بالتمييز في المعاملة.

أما التشريع الآخر، فهو تشريع تدعمه الكنيسة، على الرغم من أنه لا يتفق جميع أبناء الأبرشية عليه: وهو يطبق قانون منع الطلاق الخاص بالكنيسة القبطية، الذي كان هناك شبه إجماع عليه، حتى في الوقت الذي باتت فيه القوانين المصرية الخاصة بطلاق المسلمين أكثر ليبرالية.

عادة ما يتحول المسيحيون الراغبون في الطلاق إلى الدين الإسلامي، ويحاولون، بعد الطلاق، العودة مجددا إلى المسيحية. وقد أثمر القانون شائعات عدة بوقوع «حوادث اختطاف» من قبل أشخاص متطرفين للتحريض على أو منع مثل هذه الحالات من التحول بالنسبة لبعض النساء القبطيات. وتعتبر الشائعات هي السبب في اندلاع معظم أحداث العنف بين المسلمين والمسيحيين، بما في ذلك ثلاثة أحداث شغب على الأقل منذ اندلاع الثورة، والكثير من صور الجدل الأخرى. وفي حالة رغدة عبد الفتاح، ذكرت الشرطة في القاهرة أن الرواية مختلقة، في حين ذكرت والدة رغدة أن ابنتها كانت في حالة من الذعر الشديد بصورة لا تسمح لها بالحديث إلى المراسلين. ولكن، على الرغم من الإدراك واسع النطاق لدور القانون كمحفز للعنف الطائفي، فإن فكرة أن القانون المدني يجب أن يضع الأخلاقيات الدينية موضع التنفيذ راسخة بشكل عميق هنا إلى حد أنه لا يقترح أي شخص تقريبا تغيير القانون.

* خدمة «نيويورك تايمز»