التباينات الحكومية تعزز «الكيمياء المفقودة» بين عون وجنبلاط

يتنافسان على زعامة مناطق مشتركة.. وغياب الود يعود إلى مرحلة الحرب الأهلية

TT

تعيد المواقف الأخيرة لرئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط، لا سيما بعد إشارته إلى أن حزب الله هو من يعطل تأليف الحكومة ويضع حليفه النائب ميشال عون في الواجهة - تسليط الضوء على طبيعة العلاقة القائمة بين مكونات فريق الأكثرية الجديدة وتحديدا بين جنبلاط وعون، اللذين يبدو أن لقاءات المصالحة والمصارحة التي جمعتهما في مرحلة ما بعد انعطافة جنبلاط السياسية في 2 أغسطس (آب) 2009 لم تنجح في جعل علاقتهما أكثر «ودا».

العالمون بالعلاقة بين الرجلين يجمعون على أن الفتور ليس بجديد بينهما، وجذوره لا تعود لعام 2005، حين استبق جنبلاط قدوم عون بالحديث عن «التسونامي» العوني فحسب، بل تمتد إلى مرحلة الحرب الأهلية. لا يستسيغ عون جنبلاط والشعور متبادل. من يلتقي جنبلاط في مجالسه الخاصة يؤكد أنه لا يوفر مناسبة إلا وينتقد عون فيها «وأكثر بكثير مما ينتقد خصومه المسيحيين الانعزاليين في (14 آذار)، لا سيما بعد أن لمس بيده أن طموحات حليفه الجديد في مناطق نفوذه ستجعله يترحم على حلفائه المسيحيين السابقين».

ومن يعرف «الجنرال» جيدا ينقل عنه اعتباره أن زعامته في مناطق عالية وبعبدا وجزء من الشوف هي بقدر زعامة جنبلاط فيها، ولا يتردد في اعتبار أن هذا الأخير يصادر له زعامته، وبالتالي فإنه مهما بلغت درجة الأخذ والرد بين الاثنين فلا شيء يمكن أن يغير انطباع عون هذا. وانطلاقا من حرصه على وجوده في منطقة الشوف تحديدا، أقدم عون بعد زيارته إلى عرين جنبلاط في المختارة على تغيير منسق «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه نتيجة عدم رضاه على الاستقبال الذي أعد له، وهو يبذل جهودا كبرى لإثبات حجم وجوده في المنطقة.

ساهمت الملابسات المحيطة بعملية تشكيل الحكومة اللبنانية في إظهار التباين القائم في وجهات النظر بين عون جنبلاط، وهي تعكس مدى الفتور وعدم الانسجام الذي يعتريها. وجاء رد حزب الله على اعتبار جنبلاط أن الحزب يضع عون في الواجهة، لناحية مطالبه الوزارية، لافتا في مضمونه وليؤكد العلاقة غير المستقرة بينهما، إذ وضع موقف زعيم المختارة في «إطار سياسة جنبلاط الجديدة التي تقتضي منه عدم التصويب مباشرة على العماد عون كي لا يعود لإحياء حالة المقاطعة التي سادت علاقة الرجلين في الفترة الماضية».

وفي هذا الإطار، يرفض النائب في كتلة عون، ناجي غاريوس، الذي كان استضاف اللقاء الأول بين الرجلين في دارته، التعليق على مواقف جنبلاط أو الدخول في سجال معه، انطلاقا من احترام رأي كل حليف ومسؤولية كل طرف عن آرائه، مشددا في الوقت عينه لـ«الشرق الأوسط» على أن «التيار الوطني الحر» «هو الطرف اللبناني الوحيد غير المعلق بالخارج وغير المرتبط بأحد في حساباته الداخلية». ويعتبر غاريوس أن «رد حزب الله يندرج ضمن إطار سياسته (الجامعة) ومن باب حرصه على استمرار العلاقة السليمة بين مكونات الأكثرية الجديدة على الرغم من التباين في بعض وجهات النظر».

وإذا كان غاريوس يرفض الحديث عن علاقة «غير ودية» بين زعيمي المختارة والرابية، فإن مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس يرفض بدوره «الحديث عن مشاعر وأحاسيس في العلاقات السياسية». ويوضح، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن العلاقة اليوم بين الرجلين «متأثرة بحالة المراوحة الحكومية، انطلاقا من قناعتنا بأن الأكثرية الجديدة التي تضمنا وباقي الفرقاء تقتضي أن نسهل تأليف الحكومة». ويؤكد «إننا لا نوافق العماد عون في إصراره الشديد على تمسك تياره بمطالب وحصص وزارية، وقلنا مرارا وتكرارا إن هذه الحكومة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ولا يبدأ التاريخ أو ينتهي معها».

ولفت الريس إلى دعوة جنبلاط عون خلال لقائهما الأخير، إلى رؤية المشهد من منظار أوسع من الحصص والمشاركة في الحكومة في خضم الظروف التي تمر بها المنطقة والوضع السياسي والاقتصادي المحلي الذي يتطلب مقاربة جديدة وتحركا سريعا. في المقابل، شدد غاريوس على أن «مواقف عون تنبع أولا وأخيرا من قناعات داخلية ولا أحد يمليها عليه ولا هو يأخذ رأي أحد أو يسعى لطرح ما يثير الخلافات المذهبية»، وأكد أحقية مطالب عون الوزارية، منتقدا أداء الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي يحول واجباته الدستورية في تشكيل الحكومة بالتنسيق مع من كلفه إلى صلاحيات، ويتلطى هو ورئيس الجمهورية ميشال سليمان وراء بعضهما».