الحكومة الأميركية تتجه إلى التخلي عن الـ«بلاك بيري»

أوباما لم يعد يفارقه الـ«آي باد».. والسلطات تريد من التحول توفير المليارات سنويا

بول فاندربلو المسؤول بمكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية يوصل جهازه الـ«آي باد» بشاشة تلفزيون ليظهر عملية اعتقال في مقر المكتب بواشنطن (واشنطن بوست)
TT

في مكان ما في أميركا، وربما في هذه اللحظة المهمة تراقب الكاميرات شخصا ما سيئ النية. يتم رصد كل تحركاته، لكن ليس على شاشة تلفزيون صغيرة، فذلك كان عام 2009، بل من يراقبه هو عميل خاص من مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات على جهاز الـ«آي باد». إن هذا ليس فيلما ولا حلما لستيف جوبز، بل الحكومة الفيدرالية. وحتى الرئيس باراك أوباما، الذي يفضل الـ«بلاك بيري»، قام باستخدام تطبيقات أحدث، حيث يملك حاليا جهاز «آي باد» يرى على مكتبه وتحت ذراعه. وتتجه الحكومة الفيدرالية ووزارة الخارجية والجيش وقسم شؤون المحاربين القدامى ووكالة «ناسا» لأبحاث الفضاء وإدارة الخدمات العامة نحو الوسائل التكنولوجية الاستهلاكية التي جذبت العاملين الذين تخلوا عن الـ«بلاك بيري» لصالح أجهزة الـ«آي فون»، وبرنامج «مايكروسوفت أوتلوك» لصالح «جي ميل» ومؤخرا أجهزة الكومبيوتر المحمولة لصالح أجهزة الـ«آي باد»، فهم بصدد جعل 17 ألف عامل يستخدمون الـ«جي ميل». المخاطر المحيطة بهذا كبيرة، فهذا التغيير من شأنه أن يدمر الشركات التي ترتبط منذ مدة طويلة بثقافة عمل الحكومة، لكن المسؤولين يقولون إن هذا التحول سيزيد من إنتاجية العامل ويوفر مليارات الدولارات من إجمالي الإنفاق السنوي على تكنولوجيا المعلومات، والذي يبلغ 80 مليار دولار. وتحاول الحكومة التماشي مع اهتمام الموظفين الفيدراليين بالأجهزة الجديدة. ويقول تيم هوكست، رئيس قسم التكنولوجيا في شركة «أجيليكس تكنولوجيس» التي تساعد الهيئات الفيدرالية في استخدام العاملين لمنتجات «أبل»: «كان الطلب خلال الثلاثة أشهر الماضية غير عادي». ومثلها مثل الشركات الأخرى التي تعمل لتلبية الطلب على المنتجات، تقوم شركة «أجيليكس» بتطبيق ما تدعو إليه، حيث اتجهت إلى استخدام جهاز الـ«آي باد» في مكتب الاستقبال لتسجيل الحضور وكأنها تقول: «هذا ما يحدث هنا الآن».

ويقول محللون ومسؤولون حكوميون إن الطلب على الوسائل التكنولوجية الاستهلاكية يأتي من جهتين. يستخدم مديرو الهيئة وكبار الموظفين بها أجهزة الـ«آي باد» أو هواتف «أندرويد» أو البريد الإلكتروني المتصل بشبكة الإنترنت في حياتهم الشخصية ويسألون مسؤولي تكنولوجيا المعلومات عن سبب عدم استخدامها في المنزل. لكن الطلب الأكبر من جهة موظفي الخطوط الأمامية الذين يرون أن الوسائل التكنولوجية الاستهلاكية تستطيع أن تثري بيئة العمل وتمنحهم حرية الحركة بحيث لا يكونون مقيدين بالمكتب.

ويقول فيفيك كوندرا، كبير مسؤولي المعلومات في الحكومة الفيدرالية: «يستخدم العاملون تكنولوجيا المعلومات في منازلهم أكثر مما يستخدمونها في مكان العمل. ويصدق هذا أيضا على القطاع العام. ستلاحظ أن أي طالب متوسط الذكاء يستخدم وسائل تكنولوجية أكثر تقدما من التي يستخدمها أكثرنا في مكاتبنا الحكومية». لم يعد العاملون يتقبلون رفض استخدام هذه الوسائل التكنولوجية، حيث أوضحت دراسة حديثة أجراها معهد «فورستر ريسيرش» للأبحاث أن 35 في المائة من العاملين في الولايات المتحدة يشترون الهواتف الذكية للعمل وينزلون تطبيقات غير مصرح بها من مواقع إلكترونية محظورة على أجهزة الكومبيوتر في عملهم. لماذا يفعلون ذلك؟ يقول 24 في المائة من الذين يعتمدون على أنفسهم في إنجاز أي عمل، إن مستوى التكنولوجيا الحالي أعلى من المستوى في العمل. ويقول 36 في المائة إنهم يحتاجون إليها، بينما يرفض أصحاب العمل تقديم بديل. ويقول نحو 40 في المائة إنهم يستخدمون هذه الوسائل في المنزل، لكنهم يريدون استخدامها في العمل أيضا.

وقال تيد شادلار، المحلل بمعهد «فورستر ريسيرش» للأبحاث المعني بالبحث في الاتجاهات التكنولوجية في القطاع الحكومي والخاص: «إن الأمر يتعلق بالإبداع وبتقديم أفكارا وطرقا جديدة لإنجاز العمل. يستطيع الناس استخدام التكنولوجيا في حل مشكلاتهم بسهولة». وأوضح كوندرا قائلا: «بدأت الفجوة بين المنزل ومحل العمل من حيث التكنولوجيا تصبح محيرة». وقال في معرض سؤاله عما يقوله العاملون عن التكنولوجيا التي تستخدمها الهيئات الحكومية والشركات: «لا يحتاج الأمر أي تساؤل، فهم يحتقرونها». يشتري العاملون بالهيئات الفيدرالية الكثير من الأجهزة الاستهلاكية مما دعا داريل إيسا، عضو مجلس النواب الجمهوري ورئيس لجنة المراقبة والإصلاح الحكومي به، خلال إحدى الجلسات للتعبير عن قلقه من اللجوء إلى الطرق غير القانونية. وكان خلال تلك الجلسة يحمل جهاز «آي باد» وسأل مسؤول بالبيت الأبيض قائلا: «هل توجد أي من هذه الأجهزة في البيت الأبيض؟». وعندما أجاب المسؤول بنعم، رد إيسا: «لذا يحمل الموظفون هناك وسيلة يتم من خلالها التحايل على النظام بأكمله من خلال الدخول يوميا على شبكة (آت آند تي) في البيت الأبيض. أليس كذلك؟». وفي الختام، أقر المسؤول بما قاله داريل. وعبر إيسا عن قلقه عما يعنيه هذا بالنسبة لنظام حفظ السجلات في الرئاسة. ورفض مكتبه التعليق.

كان جواب كوندرا على موضوع استخدام العاملين لوسائل غير مصرح بها بسيطا، حيث قال: «أمنحهم ما يريدونه». ويحمل كوندرا جهازين، أحدهما «بلاك بيري» للعمل والآخر «آي فون» للاستخدام الشخصي مثله مثل الكثير من العاملين في الهيئات الفيدرالية. وشأنه كشأن الكثير من هؤلاء العاملين، يقول كوندرا إنه يريد أن يستخدم جهازا واحدا. وبدأ كوندرا مؤخرا تأمل فكرة محورية بشأن الهيئات الفيدرالية وهي أن يسمح للعاملين بتلك الهيئات باستخدام أي نوع يفضلونه من الهواتف الجوالة مع تطبيق ضوابط حماية صارمة، بينما تدفع الحكومة مقابل الخدمة. ويمكن للهيئات الفيدرالية والوزارات، بمساعدة شركات مثل «أجيليكس»، عمل تطبيقات للعاملين لديها وتوزيعها بعد ذلك على المتاجر الخاصة.

على الجانب الآخر، من شأن التحول إلى التكنولوجيا الاستهلاكية أن يحد من التكاليف، حيث صرحت إدارة الخدمات العامة بأن النفقات ستنخفض بنسبة 50في المائة على مدى الخمس سنوات المقبلة بفضل استخدام البريد الإلكتروني المتصل بشبكة داخلية من خلال «غوغل»، حيث لن يكون من الضروري الاحتفاظ بمزودات الخدمة الخاصة بها ودفع رسوم باهظة مقابل تحديث البرامج. كذلك تتجه وزارة الزراعة نحو استخدام البريد الإلكتروني على شبكة خاصة بها حسب الطلب، في ظل منافسة شرسة بين «مايكروسوفت» و«غوغل» في هذه التقنية. وتشير وزارة الزراعة إلى أنه سيتم توفير نحو 6 ملايين دولار سنويا بفضل هذا التوجه. ويتم تحديث النظام الجديد باستمرار على حد قول كيسي كولمان، رئيسة قسم المعلومات بإدارة الخدمات العامة. يمكن لموظفي الإدارة الدخول على البريد الإلكتروني من الـ«آي فون» أو «أندرويد» الذي يمر بمرحلة اختبار في الإدارة حاليا. ورغم أن استخدام هذه الأجهزة الاستهلاكية لا يزال محدودا، فإنه انتشر في عدد من الهيئات، حيث يتم استخدام نحو 50 جهاز «آي باد» أو «آي فون» في مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، وهذا العدد مرشح للزيادة إلى 100 قريبا.

من جهة أخرى، تراجع عدد هواتف الـ«بلاك بيري» المستخدمة في معمل «باسيفيك نورث ويست» من ألف إلى 700، حيث اختار العاملون استخدام أنواع أخرى من الهواتف الذكية. وتجري وزارة الخارجية اختبارا على أجهزة الـ«آي باد»، ويسمح الكونغرس حاليا باستخدام أجهزة الـ«آي باد» والـ«آي فون». وتسمح وزارة شؤون المحاربين القدامى للأطباء المعالجين بالاختيار بين استخدام الـ«آي باد» والـ«آي فون» بدلا من الـ«بلاك بيري». وقال روجر بيكر، رئيس قسم المعلومات بالوزارة، إن عدم السماح باستخدام الأجهزة التكنولوجية الاستهلاكية قد يضر بالخدمات التي تقدمها الوزارة، حيث يجعل الأطباء الشباب النابهين يعزفون عن العمل بها. ويقول بيكر: «قول كلمة لا كثيرا يجعلك تبدو رجعيا. لذا علينا التوصل إلى طريقة نقول بها نعم».

ومع زيادة استخدام أجهزة الـ«آي فون» والـ«آي باد» والـ«أندرويد» في الهيئات الحكومية، تواجه شركة «ريسيرش إن موشان» المنتجة لـ«بلاك بيري» مشكلات، حيث تراجعت حصة الشركة في السوق من 21 في المائة عام 2009 إلى 14 في المائة العام الماضي.

يقول محللون إن شركة «ريسيرش إن موشان» ركزت كثيرا على خدمة البريد الإلكتروني الخاصة بها، والتي تتمتع بقدر كبير من الضوابط الأمنية بدلا من تأسيس قاعدة تطبيقات مرنة يستطيع المستخدم ومطور البرامج من خلالها الإبداع لجعل بيئة عمل المستهلكين تتسم بحرية الحركة والإنتاجية. كذلك تأخرت الشركة على سوق الأجهزة اللوحية المزدهرة التي تسيطر عليها شركة «أبل» حتى هذه اللحظة مع تزايد الاهتمام بالأجهزة الكثيرة المنافسة لجهاز «أندرويد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»