فرنسا تخشى أن يكون قرار العفو جاء متأخرا.. وتركيا تحذر من عدم إتباعه بإصلاح شامل

أستراليا تحث الأمم المتحدة على النظر في إحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية

TT

تأرجح موقف فرنسا من إعلان الرئيس السوري، بشار الأسد، العفو العام بين الترحيب المشروط والتحفظ الواضح، مع تذكير المصادر الفرنسية بأن الرئيس السوري «وعد كثيرا وفعل قليلا» في الأسابيع الأخيرة، بينما رحبت تركيا بإعلان العفو لكنها شددت على أن «إصلاحا شاملا» يجب أن يتبع تلك الخطوة. وجاء ذلك في وقت اتخذت أستراليا موقفا أكثر تشددا، إذ حثت الأمم المتحدة على النظر في إحالة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى المحكمة الجنائية الدولية، مشككة في شرعية النظام السوري.

وفي باريس، وصفت الخارجية في بيان لها أمس العفو العام بأنه «يمكن أن يشكل خطوة في الطريق الصحيح لو أتبع بالأفعال كإطلاق سراح كل سجناء الرأي، وتحديدا الذين ألقي القبض عليهم منذ بداية المظاهرات، وبوضع حد لعمليات التوقيف لأسباب سياسية ووقف العنف وممارسات التعذيب الهمجية واحترام حرية التعبير والتظاهر والفكر».

غير أن وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه التزم موقفا أكثر حذرا، لا بل مشككا، لجهة أمرين متلازمين: توقيت الإعلان عن العفو، وطبيعته. وفي حديث لإذاعة ثقافية صباح أمس، أعرب جوبيه عن تحفظه، من جهة، بقوله إنه «يخشى أن يكون الأمر (العفو العام) متأخرا جدا». ومن جهة أخرى رأى أن التدبير الرئاسي ليس كافيا، مطالبا بأن يكون «تغيير المسار أكثر وضوحا وطموحا وجرأة»، خصوصا بعد سقوط «ألف قتيل وربما أكثر». وفي رأيه، يجب أن يذهب «تغيير مسار» السلطات السورية أبعد من ذلك «لا أن يكون مجرد عفو».

وما تأخذه باريس على السلطات السورية هو أنها تعد بالإصلاح والحوار الوطني والانفتاح.. لكنها في الوقت عينه تستمر في عمليات القمع على نطاق واسع. ولذا؛ فإن الخارجية أدانت مجددا، في البيان نفسه، «استمرار عمليات القمع الهمجي والدموي»، مشيرة، بشكل خاص، إلى ما هو حاصل في منطقة حمص وحوران.

ويبدو الموقف الفرنسي وكأنه يتبنى موقف المعارضة السورية التي اعتبرت أن العفو العام كما أعلن عنه «ليس كافيا» بالنظر لما حصل في الشهرين الأخيرين. فضلا عن ذلك، تعتبر باريس أن مرسوم العفو في نفسه ليس الحل إذا ما ترافق مع الممارسات السابقة، وهي تدلل على ذلك برفع حالة الطوارئ التي كانت مفروضة على سوريا منذ نصف قرن. لكن نهاية حالة الطوارئ لم تغير شيئا لا في ممارسات القوى الأمنية لجهة القمع والاعتقال بوجود قانون طوارئ أو من غير وجوده. ولذا؛ فإن ما تطلبه باريس ومعها الدول الغربية هو عملية إصلاح «عميقة وجدية» لا تغير النصوص وحدها بل تغير الممارسات والواقع الميداني.

وحمل الوزير الفرنسي روسيا مسؤولية منع مجلس الأمن الدولي حتى الآن إصدار بيان أو قرار يدين القمع في سوريا. وجدير بالذكر أن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الذي شارك في قمة دوفيل لمجموعة الـ8 الأكثر تصنيعا التزم موقفا متشددا من الموضوع السوري رافضا رفضا مطلقا الإشارة بالاسم إلى مجلس الأمن الدولي. واكتفى البيان الختامي بالتهدي بـ«تدابير إضافية» ضد النظام السوري في حال «تجاهلت» السلطات السورية النداء الذي وجه إليها ودعوتها إلى إصلاحات عميقة ووقف انتهاكات حقوق الإنسان. وقال جوبيه إن الغاية المقصودة من مجلس الأمن «لم تكن أبدا العملية العسكرية (ضد سوريا)، وهي لم تكن واردة أبدا، بل إدانة تصرف النظام وفرض عقوبات عليه». وفي رأيه، فإن تصرف روسيا على هذا النحو له «أسباب تاريخية» في إشارة على ما يبدو إلى العلاقات الوثيقة السابقة بين سوريا والاتحاد السوفياتي واستمرارها بشكل أو بآخر في الوقت الحاضر.

من جهة أخرى، رحب وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، بإعلان سوريا عن عفو عام عن السجناء السياسيين، لكنه شدد على أن «إصلاحا شاملا» يجب أن يتبع تلك الخطوة. وقال داود أوغلو في مقابلة تلفزيونية، كما نقلت وكالة أنباء الأناضول: «إن عفوا عاما كان ضروريا من أجل الإصلاحات السياسية». وأضاف أن «العفو سيكون مفيدا مبدئيا، لكنه لن يتيح حل الاضطرابات في سوريا إذا لم تتبعه عملية إصلاح يكون لها وقع قوي»، على الشعب السوري. وتابع: «آمل أن تكون تلك الخطوة الأولى في إصلاح شامل. هذه الخطوة مهمة كإشارة انطلاق».

من جهته، قال وزير خارجية أستراليا، كيفين راد، إن بلاده وسعت نطاق العقوبات المفروضة على الدائرة المقربة من الأسد لتشمل مزيدا من الأفراد المتصلين بالرئيس، مؤكدا أنه سيبحث المزيد من الخطوات القانونية الممكنة مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. وصرح راد لنادي الصحافيين الوطني قائلا: «آن الأوان أن يبحث مجلس الأمن إحالة الرئيس الأسد رسميا إلى المحكمة الجنائية الدولية». وأضاف: «ابحث اليوم هذا الأمر مع الأمين العام للأمم المتحدة ومع رئيس مجلس الأمن اليوم أيضا».

وقال راد: «تطرح الحملة الضخمة الموجهة من قبل رئيس حكومة ضد شعبه المدني، وقتل صبي في الثالثة عشرة بعد تعذيبه، سؤالا ملحا على أذهان العالم فحواه: ماذا بقي من شرعية لنظام كهذا؟». وأعرب الوزير الأسترالي عن اعتقاده بأن مقتل الصبي حمزة الخطيب «سيوحد أكثر المجتمع الدولي في موقفه ضد الوحشية التي ينتهجها النظام السوري في الوقت الراهن ضد الأبرياء من شعبه». وتابع: «إنه عمل وحشي يأتي من نظام موشك على اليأس».

وكان الأسد أصدر، أول من أمس، عفوا عاما سرعان ما اعتبرته المعارضة «متأخرا». وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن الرئيس أصدر مرسوما قرر فيه «العفو العام عن كل الجرائم المرتكبة قبل 31 مايو (أيار) 2011». وأضافت «سانا» أن «العفو يشمل كافة الموقوفين المنتمين إلى تيارات سياسية وكذلك أعضاء جماعة الإخوان المسلمين».