انتقاد الجيش يثير جدلا في الوسط السياسي المصري

مسؤول عسكري: نقبل حق المواطنين في الانتقاد لكن نسعى لتوازن بين حرية التعبير وإهانة المؤسسة

جمال وعلاء مبارك في صورة مأخودة في نوفمبر العام 2009 (إ.ب.أ)
TT

كان أقل قدر من الانتقاد للجيش المصري كثيرا جدا بالنسبة إلى محمود سعد، مضيف أحد البرامج على شبكة «التحرير» التلفزيونية المستقلة التي أنشئت أخيرا. «أي مؤسسة في الدولة تحصل على ضرائب منا يجب أن تخضع للمسائلة»، هذا ما قاله المدون حسام الحملاوي في مقابلة مع سعد. ولكن قاطعه المضيف قائلا: «لا، لا، لا. لن أسمح لك بأن تقول مثل هذه الأشياء على هذه الشبكة.» وأضاف: «شكرا لك يا حسام،» منهيا المكالمة. وفي اليوم التالي اُستدعي الحملاوي وصحافيين اثنين ليبراليين آخرين إلى مقر عسكري للاستجواب بشأن تعليقات أدلوا بها، من دون أن يكون معهم سعد. الى ذلك يضغط العسكريون المصريون - في مواجهة انتقاد علني يتعلق بتعذيب متظاهرين وإقرار بإجبار فتيات معتقلات على الخضوع لاختبار «فحص العذرية» - على وسائل الإعلام الإخبارية المصرية للرقابة على انتقادات حادة توجه له وللحفاظ على صورته. ويثير تدخل الجيش مخاوف لدى بعض نشطاء حقوق الإنسان، أعربوا عن قلقهم من أن مثل هذه الجهود قد تجعل من الصعب على السياسيين النظر في أداء الجيش، ويحتمل أن يقوض ذلك من محاولات لجعله تحت رقابة مدنية أو التحقيق في تهم فساد.

وخلال الأسابيع الأخيرة أرسلت سلطات عسكرية خطابات تحذر مؤسسات إخبارية كي تراجع أي مناقشة خاصة بالجيش قبل النشر أو الإذاعة. كما أصدرت محكمة عسكرية حكما ضد مدون بالسجن ثلاثة أعوام بسبب ما وصفته بهجمات مستمرة، كما اتهمت مرشحة رئاسية ليبرالية بالتشهير في حق جنرال وإهانة الجيش. وقامت سلطات عسكرية باستدعاء العديد من الصحافيين والمدونين لاستجوابهم بشأن تقارير خاصة بهم ومصادر لهم.

وخلال مقابلة أخيرة أكد مسؤول عسكري، طلب عدم ذكر اسمه التزاما ببروتوكولات عسكرية، أن الجيش يقبل حق المواطنين في الانتقاد خلال قيامه بدور سياسي كحاكم مؤقت لمصر. ولكنه قال إن الجيش يسعى أيضا لتحقيق توازن بين «حرية التعبير» و«احترام المؤسسة»، في سعي لرسم حد فاصل بين انتقاد الأفراد وإهانة هؤلاء الأفراد أو مؤسساتهم.

وأضاف: «إذا قدم أحد دليلا بأن أي ضابط فاسد، سيخضع الضابط للقانون، وإذا لم يقدم أي دليل، سيخضع الصحافي نفسه للقانون». واستطرد قائلا: «إذا وصفتك بأنك ديكتاتور، يمكن أن تعتبر هذه إهانة». وأضاف «انتقد الجيش، ولكن تأكد مما تقوله».

ومن جانبه قال المدون الحملاوي، الذي جرى استدعاؤه، إن طلب الجيش استجوابه يهدف إلى التخويف، وقال إنه طلب منه تقديم أدلة خاصة بتعرض متظاهرين للتعذيب كان قد كشف عنها بالفعل علنا في دعاوى قضائية وعلى شبكة الإنترنت. وأضاف: «عندما يقول الجيش (من فضلك امثل)، فإنه نوع من الأمر، ولا سيما عندما يكونون هم من يحكمون البلاد».

وقال صحافيون مصريون، شريطة عدم ذكر اسمائهم، إن الخط الفاصل بين الانتقاد والإهانة من الصعب تحديده، لا سيما تحت تهديد القضاء العسكري. ورفض العديد من الصحافيين المصريين التعليق على ذلك أو الرد على الهاتف لتناول هذا الموضوع.

وقال أسامة هيكل، رئيس تحرير صحيفة «الوفد» الليبرالية: «هذا موضوع حساس. يجري التحقيق حاليا مع أحد زملائي بسبب مقال كتبه، ولذا لا أشعر بالراحة في نقاش ذلك، على ضوء الظروف الراهنة». ولكنه أضاف: «جزء من الحرية التي حصلنا عليها خلال الثورة هي حرية التعبير، وبحكم الجيش للبلاد فإنه حاليا في المربع السياسي، ولذا يجب أن نكون قادرين على محاسبتهم».

ويقول نشطاء حقوقيون إن تقارير عن تجاوزات الجيش - وخاصة بعد أن قام جنود بتفريق اعتصام داخل ميدان التحرير في مارس (آذار) - لم تحظ بتغطية مناسبة في وسائل الإعلام المصرية، على الرغم من انتشارها على نطاق واسع على شبكة الإنترنت وفي وسائل إعلام أجنبية وفي تقارير لمنظمات حقوقية. وخلال الأسبوع الحالي دافع مسؤول عسكري لم تحدد هويته تحدث على شبكة «سي إن إن» عن قرار الجيش في تلك الليلة إجبار النساء المعتقلات على الخضوع لـ«فحص عذرية» من جانب أطباء. وقال الضابط إن «فحص» المرأة كان يهدف أن يكون ضمانا ضد اتهامات تالية بالتعرض لاعتداء جنسي من جانب الجنود.

وقال بعض ممن قالوا إنهم كانوا ضحايا لاعتداءات من جانب الجيش إن وسائل الإعلام المصرية تخشى السماح لهم بذكر قصصهم. وقال رامي عصام، وهو موسيقي حظي بشعبية لعروضه خلال الثورة وعرض على صحافيين أدلة على تعرضه شخصيا للتعذيب: «ظهرت على العديد من الشبكات». وأضاف أن الصحافيين التلفزيونيين المصريين «حذروني مسبقا من ألا أقوم بأي (حيل قذرة) ومن قول أي شيء فيه انتقاد للجيش». وقال: «أخبروني إنه إذا تلفظت بشيء عن قضية تعذيبي، سيتم وقف البرنامج، ويحتمل إغلاق القناة. لقد رحل مبارك، ولكنهم نفس الأشخاص ونفس الشيء». وتحول نشطاء على شبكة الإنترنت الأسبوع الماضي إلى موقع «تويتر» لإقامة يوم لانتقاد الجيش احتجاجا على تهديد وسائل الإعلام. ولم يتم إلقاء القبض على أحد، كما ذكر المتحدث باسم الجيش.

في بعض النواحي، فإن وجود شبكات الإنترنت مثل موقع «فيس بوك» و«تويتر» يجعل من هذه الرقابة أمرا غير فعال كما كان من قبل عندما كانت الحكومة تسيطر على المصادر الرئيسية للأخبار. ولكن تستهدف معظم تدخلات الجيش برامج حوارية مسائية تبث على شبكات كابلية مستقلة. في بلد تنتشر الأمية في ما يصل لثلث السكان، أصبحت البرامج بمثابة منتدى فعال لتشكيل الرأي العام.

وجه مايكل نبيل، وهو مدون حكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام، انتقادات للجيش على مدار أعوام، ولكن عكس معظم المدونين هنا، أثنى على إسرائيل أيضا. وقال المتحدث باسم الجيش إن جريمته كانت مساواة الجيش بمبارك، قائده السابق.

وقامت بثينة كامل، الليبرالية ومقدمة برنامج حواري سابقا وهي الآن أول امرأة مصرية تقوم بترشيح نفسها للرئاسة، بانتقاد الجيش لفرضه «فحص العذرية» ضمن أشياء أخرى. وفي مقابلة لها صرحت بأنه تمت دعوتها لمقابلة جنرال؛ ثم قامت بانتقاده بعد ذلك عبر الإنترنت وفي مقابلات لها، مما دفع سلطات عسكرية إلى استدعائها مرة أخرى لتحقيق دام 6 ساعات قبل توجيه اتهام ضدها.وقد أشار المتحدث باسم الجيش إلى أنها ما زالت حرة. وقال إنه عندما يستدعي الجيش صحافيين يكون هذا مجرد «حديث ودي، وليس أمرا».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أسهمت في إعداد هذا التقرير دينا صلاح عامر وأمنية الدسوقي