ظل «الدبلوماسي الإيراني» يخيم على زيارة الوفد الشعبي المصري لطهران

أحمدي نجاد يبدي للوفد استعداد بلاده لنقل تجربتها إلى مصر

الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد يجتمع مع وفد من العلماء المصريين ومجموعة من المناضلين الثوريين في مكتب الرئاسة بطهران أمس (أ. ف. ب)
TT

بعد النجاح الذي حققه وفد الدبلوماسية الشعبية إلى أفريقيا، بإبداء دول المنبع المعنية استعدادها لتأجيل التصديق على الاتفاقية الإطارية لحوض النيل، ظهر في الأفق المصري اتجاه لاستثمار الوفد الشعبي في إدارة ملفات أكثر تعقيدا وصعوبة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المصرية.. وهو ما تمثل في زيارة الوفد لإيران التي بدأت يوم الاثنين الماضي.

ورغم أن الدبلوماسية الشعبية وسيلة يقول مراقبون إنها لاقت تهميشا كبيرا من النظام المصري السابق، رغم أهميتها القصوى كأداة من أدوات الدبلوماسية الحديثة، فإن البعض يراها ليست حلا سحريا للخروج من كل العلاقات الدبلوماسية المعقدة، كحالة إيران على سبيل المثال، وخاصة في ظروف خيم عليها التحقيق مع الدبلوماسي الإيراني المتهم مؤخرا بالجاسوسية.

ومن جانبها، قالت الدكتورة نيفين مسعد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «قبل التطرق للزيارة لا بد أن نفهم موقف الدبلوماسي الإيراني.. هل هو جاسوس أم لا، وهل أفرج عنه لأنه بريء أم لأنه دبلوماسي؟»، مشيرة إلى أنه إذا كان فعلا جاسوسا، فإن توقيت الزيارة يعد خاطئا تماما. كما أوضحت مسعد أنه من غير اللائق أن يسافر الوفد المصري مع الدبلوماسي «المتهم بالجاسوسية» على نفس الطائرة، لافتة إلى أن ملف أفريقيا يختلف عن ملف العلاقات مع إيران.. ففيما يتعلق بملف أفريقيا هناك توافق بين النخبة والجماهير على ضرورة تعزيز العلاقات وتجاوز الخلاف، أما فيما يتعلق بإيران فالنخبة نفسها منقسمة تجاه طهران.. فهناك أمور سياسية وأمنية ومذهبية لا بد أن تناقش أولا قبل الشروع في استعادة العلاقات بشكل طبيعي. وعن تشكيل الوفد، أوضحت مسعد أن الوفد غير قوي ولا يمثل إلا نفسه، مشيرة إلى ضرورة إرسال وفد يمثل الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، وأن أغلب أعضاء الوفد من التيار الديني، وهو ما يعد رسالة خاطئة للجانب الإيراني ولا تعبر عن الثورة المصرية.

وبدوره شكك الدكتور عماد جاد، الخبير بمركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، في فرص نجاح وفد الدبلوماسية الشعبية في تحسين العلاقات بين القاهرة وطهران، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «الوفد قد يحرز نجاحا في ملف أفريقيا، ولكن إيران لها ظروف خاصة ومغايرة تماما». وأشار جاد إلى أن الدبلوماسية الشعبية ليست بديلا عن الدبلوماسية الرسمية، ولا يجب على الإطلاق أن تخرج عن التوجهات العامة للدولة.. رابطا ذلك بحادثة القبض على الدبلوماسي الإيراني المتهم بالجاسوسية في القاهرة قبل أيام. وأوضح جاد أهمية أن تبادر طهران بتغيير توجهاتها نحو القاهرة، وأن تعيد النظر في ملفات تصدير الثورة وتصدير المذهب الشيعي، كذلك ملف الهجوم المتواصل ضد مصر.. وأعرب عن امتعاضه الشديد عما نشر حول تقديم إيران لخبراتها الثورية لمصر، مشيرا إلى أن ذلك يعد إهانة لمصر ولثورة شبابها.

ومن جهة أخرى، يرى السفير محمد بسيوني، سفير مصر الأسبق بإسرائيل، أن سياسة مصر الخارجية بعد الثورة تقوم أساسا على علاقات جيدة مع كل الدول صغيرها قبل كبيرها، وهو ما يسمى بسياسة صفر المشكلات (zero problems) وخاصة مع دول الجوار. وقال بسيوني لـ«الشرق الأوسط»: «إيران دولة ذات وزن وثقل في المنطقة، ولكن عندما تتعارض العلاقات مع الأمن القومي المصري فلا بد أن يكون لنا وقفة».. وأضاف أن الآيديولوجية الإيرانية تتعارض، بل وتتصادم تماما مع نظيرتها المصرية، ولكنه قال إن «العلاقات بين الدول تعتمد على المصالح والأمن القومي، وليس على الحب أو الكره». وشدد بسيوني على أنه في ضوء قضية الدبلوماسي الإيراني، فلا بد من الإشارة إلى أن الوفد لا يمثل الموقف الدبلوماسي الرسمي لمصر، ولكنه يمثل جهات شعبية مصرية فقط.. ولكنه استدرك قائلا: «لا بد ألا نخلق من إيران عدوا». ويضم الوفد الشعبي المصري 45 فردا من الشخصيات العامة والثقافية ورجال الدين، من بينهم المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض الأسبق والدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب الأسبق والفنان عبد العزيز مخيون، والدكتور إبراهيم الزعفراني أمين لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب ومؤسس حزب النهضة والشيخ جمال قطب وعصام سلطان القيادي بحزب الوسط والإعلامي وائل الإبراشي، وبرئاسة السفير أحمد الغمراوي رئيس جمعية الصداقة المصرية الإيرانية، والذي صرح في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» بأنه «ليس من المعقول أن يكون هناك علاقات مع تل أبيب، ولا يكون هناك علاقات مع طهران». وفي طهران حث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مصر أمس على إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية قائلا إن ظهور قوة عظيمة جديدة سيجبر الصهاينة على مغادرة المنطقة. وعرض أحمدي نجاد خلال اجتماع مع الوفد المصري الذي يضم أكاديميين ورجال دين وممثلين لوسائل إعلام مصريين اعتزامه إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي. ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية عن أحمدي نجاد قوله أعلن بفخر أننا مستعدون لتقديم كل خبرتنا للأمة المصرية... إذا كانت هناك فرصة للاستثمار في مصر فإننا سنفخر بانتهازها. وقال أحمدي نجاد «أعداؤنا لا يريدوننا أن نعيد بناء علاقاتنا لأنهم يعرفون أن قوة سياسية واقتصادية عظيمة ستنتج عن تعاوننا».

وقال أحمدي نجاد إن التحالف مع إيران من شأنه أن ينهي حاجة مصر للاعتماد على الدعم الأميركي. وأضاف إذا وقفنا معا فلن تكون هناك حاجة لمساعداتهم لأن إيران ومصر لديهما احتياجات يمكن تلبيتها باعتماد كل طرف على قدرات الآخر.