نتنياهو يتعهد بتكثيف الاستيطان في القدس.. والمعلقون يؤكدون: 80% من قرارات الحكومة حولها لم تنفذ

رغم التصريحات السياسية التوسعية ومشاريع الاستيطان والتهويد.. نسبة سكان القدس الفلسطينيين ترتفع إلى 35%

TT

مع الاستمرار في الاحتفالات الإسرائيلية اليهودية فيما يسمى «يوم أورشليم»، وهو يوم الذكرى السنوية لاحتلال المدينة العربية المقدسة في عام 1967، تصاعدت التصريحات التوسعية والتعهدات بتكثيف مشاريع الاستيطان والتهويد والتبجح بـ «توحيد المدينة إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية»، ولكن الواقع على الأرض يوضح صورة معاكسة. وعلى الرغم من المخططات التي تعد بالمئات، فإن عدد السكان الفلسطينيين في المدينة يرتفع باستمرار. وحسب تقرير نشرته دائرة الإحصاء الإسرائيلية المركزية، فإن أكثر من ثلث السكان عرب.

وكانت المدن والبلدات الإسرائيلية قد شهدت احتفالات كبيرة حول القدس في الأيام الأخيرة، تخللتها خطابات رنانة حول «أهمية المدينة» و«ضرورة تعزيز وحدتها تحت السيادة الإسرائيلية» و«ضمان الأكثرية اليهودية فيها». وكانت هذه مناسبة لقوى اليمين المتطرف للاستمرار في الترويج لإعادة بناء «الهيكل»، والمقصود هو هيكل سليمان الذي يعتبر أقدس الأماكن لليهود. ويرى المتطرفون أن المسجد الأقصى المبارك قد بني على أنقاضه. ولذلك، فإنهم عندما يدعون لـ «إعادة بنائه في مكانه»، يقصدون هدم الأقصى أولا. وهم ينشرون صورا للقدس يبدو فيها بناء الهيكل مكان قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى.

وعقد الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، أمس، جلسة احتفالية خاصة بيوم القدس، تكلم فيها رئيس الكنيست روبي رفلين، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورئيسة المعارضة تسيبي ليفني. وبدا واضحا من كلماتهم التناقض ما بين الكلام والفعل. ففي حين تحدث نتنياهو عن «توحيد القدس تحت السيادة الإسرائيلية جعلها تتطور وتزدهر» و«القدس ستبقى موحدة وعاصمة لإسرائيل إلى الأبد»، ووعد بتكثيف البناء الاستيطاني فيها لتكريس «طابعها اليهودي»، اختار رفلين الاعتراف بأنها غير موحدة على أرض الواقع، وقال إن هناك إهمالا غير مفهوم له في الأحياء الفلسطينية في شرقي المدينة. وقال «تعهدنا بأن تكون القدس موحدة ولكننا لم نف بذلك الوعد. لقد بنينا مدينة داوود (الاستيطان في حي سلوان ومنطقة باب الجديد) وأقمنا معاليه زييتم (البؤرة الاستيطانية الجديدة في الحي الفلسطيني، رأس العمود)، ولكن ماذا فعلنا من أجل رأس العمود؟.. أو من أجل الأطفال الذين يعيشون في شرقي القدس ولا يجدون إطارا تربويا يستوعبهم؟.. ماذا فعلنا من أجل خدمات البريد في شرقي القدس، التي تكاد لا تعمل؟.. ولمئات الشوارع هناك حيث لا يتم جمع القمامة فيها وإخلاؤها؟».

وقالت رئيسة حزب كديما، تسيبي ليفني، إن «مدينة القدس اليوم هي مدينة فقيرة. وسكانها يعيشون في مجموعات منفصلة في اللغة والمعيشة، مع أن هذه المدينة بإمكانها أن تكون مركز جذب للشباب لو توفر لهم السكن والعمل والتعليم والترفيه».

واهتمت الصحافة الإسرائيلية بهذا الحدث، فنشرت سلسلة مقالات وتحقيقات تؤكد أن المشاريع الإسرائيلية قد فشلت بشكل عام، على الرغم من أن الاستيطان اليهودي ينهش كل بقعة خضراء (الأراضي) أو بيضاء (الأحياء السكنية). فكتب عوفر شلح في صحيفة «معاريف»، تحت عنوان «القدس مثل إسرائيل»، أن «أحياء المدينة تتحول إلى (حريدية) في حين يحاول رئيس البلدية تسويق المدينة للعلمانيين عن طريق برامج ثقافية وتحسينات للطلاب وتسهيلات لنقل أعمال ذات صلة بالهايتك (التكنولوجيا العالية) إلى المدينة، إلا أن محاولته تلك ستنتهي بالفشل». وبحسبه فإن القدس مثل إسرائيل، وأن الأمراض التي تصيب الأخيرة تظهر في القدس أيضا. ويضيف أن الهدف الصهيوني لم يكن بناء بيت للشعب اليهودي فحسب وإنما بناء مجتمع مثالي. ويضيف أن القدس تحولت إلى رمز يحمله الكثيرون، ولكن القلائل يعرفون حقيقته.

ويشير في هذا السياق إلى أكذوبة الالتصاق بـ«القدس الموحدة» وعدم تقسيمها، بما في ذلك مخيم شعفاط للاجئين، الذي لم تطأه قدم يهودي منذ عشرات السنوات. ويضيف أن «معظم الذين يتحدثون عن تطوير المدينة لم يصلوا إليها منذ مدة طويلة، وحتى رئيس الحكومة الذي ولد في القدس يقضي نهاية الأسبوع في قيسارية». ويؤكد أن كل إسرائيلي يعرف أنه في نهاية المطاف ستكون الأحياء العربية في محيط القدس جزءا من الدولة الفلسطينية، إلا أن اسطوانة «تقسيم القدس» لا تزال تستخدم كسلاح في مواجهة الخصم والاتهام بالخيانة. ويخلص إلى أن النقاش في إسرائيل بشأن القدس لا يتم، منذ مدة طويلة، على مستوى الواقع والحقائق، وإنما على مستوى «الغضب والمخاوف والكلمات الفارغة».

وكتب أليك مرغليت في الصحيفة نفسها أيضا تحت عنوان «المدينة المفقودة» أن السياسيين يواصلون إطلاق الشعارات، والحكومة تكرر التزاماتها بـ«المدينة الموحدة»، في حين أن الشباب يواصلون الهجرة من المدينة. واستند لمعطيات عدد من معاهد الأبحاث في القدس، التي تؤكد أن 80 في المائة من قرارات الحكومة بشأن القدس لم تطبق. وبحسبه فإن «الثروة البشرية» تغادر القدس وكأنما المدينة تعرضت لوباء يقضي على ذوي الألقاب الأكاديمية من جيل 25 عاما فما فوق. ويخلص إلى أن التدخل الحكومي من خلال استثمار المليارات في المدينة من شأنه أن يغير الوضع في مواجهة ما سماه «الشبح الديموغرافي» الذي يهدد «الطابع اليهودي للمدينة».

وفي المقابل، كتب أبراهام تيروش تحت عنوان «لم أغن لشعفاط» أن المناطق التي تم ضمها للقدس بعد حرب 1967 لا يوجد لها أي علاقة بـ«المدينة التي صلى من أجلها اليهود خلال أجيال». ويضيف أن الواقع في القدس يشير إلى أن القدس مقسمة فعليا، و«هي بؤرة للخلاف وأرض خصبة للمواجهات والكراهية والمظاهرات، وأبعد ما تكون عن خدمة السلام». ويخلص إلى أن الحل هو «لا مناص من تقسيم القدس»، مشيرا إلى أن «تقسيم القدس» كان لسنوات مصطلحا ملحقا بـ«الخيانة».