الأسد يتبع قرار العفو العام بتشكيل هيئة للبحث في حوار وطني.. ومظاهرات شعبية رافضة

ناشطون وصفوا القرار بأنه «للاستهلاك الخارجي».. واحتجاجات في حمص وحلب وحماة ودرعا

الأسد مترئسا هيئة الحوار الوطني في صورة وزعتها وكالة «سانا» السورية الرسمية أمس (رويترز)
TT

بعد يوم من إصدار قرار بالعفو العام، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أمس قرارا جديدا بتشكيل هيئة تبحث في وضع أطر لإطلاق حوار وطني، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أمس. وذكرت الوكالة أن الهيئة ستضع الأسس العامة للحوار الوطني «المزمع البدء فيه، بما يحقق توفير مناخ ملائم لكل الاتجاهات الوطنية للتعبير عن أفكارها وتقديم آرائها ومقترحاتها بشأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا».

وأضافت الوكالة أن هذه الآراء والمقترحات تهدف إلى «تحقيق تحولات واسعة تسهم في توسيع المشاركة خاصة في ما يتعلق بقانوني الأحزاب والانتخابات وقانون الإعلام، والمساهمة في وضع حد لواقع التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه بعض الشرائح الاجتماعية».

وأكد الرئيس السوري أن الحوار «أصبح ممكنا وقادرا على توفير نتائج أفضل بعد صدور الكثير من القرارات والمراسيم التي تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وتعزيز المشاركة من مختلف المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين». وبحسب الوكالة السورية، فإن الهيئة تتألف من فاروق الشرع وصفوان قدسي وهيثم سطايحي وياسر حورية وحنين نمر وعبد الله الخاني ووليد إخلاصي ومنير الحمش وإبراهيم دراجي.

وجاء ذلك في وقت انقسمت فيه المواقف السورية حول العفو العام الذي أصدره الأسد قبل يومين، حيث اعتبره الموالون للسلطة دليلا على جدية السلطة في الإصلاح، ونزعا لحجج التظاهر، بينما اعتبر الناشطون أن «القرار تأخر كثيرا، وأنه جاء لإفراغ السجون من المجرمين ووضع معتقلين سياسيين مكانهم».

وقال المحامي المعارض هيثم المالح إن «الغاية من مرسوم العفو هي إطلاق سراح الفاسدين، فقد شمل العفو مرتكبي جرائم الرشوة وما شابهها، أما المحكومون بما يسمى جرائم سياسية فلم يشمل سوى نسبة قليلة منهم، وأما ما يتعلق بـ(الإخوان المسلمين) فكان ينبغي إلغاء القانون 49 مع ما ترتب عليه من آثار، لأن هذا القانون يتعارض مع الدستور ومع قانون العقوبات ومع مبدأ عدم رجعية قوانين العقوبات بشكل عام».

وتداول ناشطون على موقع «فيس بوك» كلام المالح، وجرى نقاش واسع لقرار العفو، وتوقفوا عند تزامنه مع كلام الأمين القطري المساعد في حزب البعث (الحاكم) سعيد بخيتان عن رفض مناقشة إلغاء المادة الثامنة من الدستور والتي تنص على قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، حيث أوضح «ليس فقط عدم جدية السلطة في الإصلاح وإنما عدم قابلية النظام للإصلاح».

ويستند أصحاب هذا الرأي على فكرة أن حزب البعث وعبر «أربعة عقود من حكم عائلة الأسد لم يعد له أي دور في قيادة الدولة والمجتمع سوى التغطية على حكم العائلة، وتمسك النظام بالمادة الثامنة هو تمسك بهذا الغطاء، الذي إذا رفع لن تكون هناك أي شرعية دستورية لاستئثار عائلة بالحكم، لكنها تحت يافطة الحزب يمكنها ذلك».

وكان بخيتان قد أعلن أول أمس أن «لجنة الحوار شُكلت على أعلى المستويات، والحوار سيضم كل الفئات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وهو سيكون تحت سقف الوطن»، وفهم منه أن حوارا سيفتح في كل محافظة. وهو ما يعني بشكل ما أن الحوار سيكون لمناقشة القضايا المعيشية والاقتصادية المطلبية الخاصة بكل محافظة في تجزئة للحالة الوطنية التي تستلزم حوارا وطنيا جامعا حول المبادئ الأساسية التي ينطلق منها الإصلاح السياسي كمدخل لعملية الإصلاح عموما.

ويقول الناشطون إنه «يوما بعد آخر يتأكد أن السلطة لن تقوم بأي إصلاح سياسي جدي، أما العفو فهو للاستهلاك الخارجي، والسلطة لغاية الآن غير مقتنعة بضرورة الاستجابة لمطالب الشعب وتمسكها بالمضي في الحل الأمني والعسكري إلى النهاية».

وعدا النقاش حول مرسوم العفو العام، جاءت ردود فعل رافضة من الشارع. وعلى الفور، خرجت مظاهرة كبيرة في مدينة حماة في حي البعث، وتم تمزيق لوحة جدارية ضخمة تحمل صور الرئيس، وتم تصوير المظاهرة وتعميم الفيديو مع رسالة تقول «أهل حماة يردون على مرسوم العفو». كما خرجت مظاهرات ليلية في أكثر من حي من أحياء مدينة حمص وفي عدة مدن صغيرة تابعة لها، وأخرى في أدلب وأماكن أخرى.

وشهد سجن حلب للمركزي في شمال سوريا مساء أول من أمس الثلاثاء اضطرابات قام بها سجناء محكومون بقضايا المخدرات لم يشملهم العفو، وقام السجناء بترديد هتافات تدعو لإخراجهم من السجن بعد سماعهم نبأ صدور عفو عام يشمل عددا كبيرا من الجرائم الجنائية، وتطور الأمر إلى أعمال شغب واجهتها الشرطة بقنابل مسيلة للدموع.

ولم تتوقف المظاهرات يوم أمس فانطلقت مظاهرة حاشدة في عفرين التابعة لمحافظة حلب (شمال)، وقامت قوات الأمن باعتقال عشرات المتظاهرين، وقام رفاقهم بمحاصرة مبنى الأمن السياسي مطالبين بالإفراج عن المعتقلين رافضين المغادرة قبل الإفراج عنهم.

وفي حمص، خرجت مظاهرة نسائية تضم العشرات جابت حي الإنشاءات بعد ظهر أمس. وفي درعا، ورغم الوجود الأمني والعسكري، تظاهر نحو 150 شابا بالقرب من جامع الشيخ عبد العزيز في درعا المحطة، مطالبين بإسقاط النظام، وتم تفريقهم بالرصاص الحي في الهواء وبالهراوات. وبث ناشطون على شبكة الإنترنت عدة مقاطع فيديو توضح مدى التدمير والخراب الذي أحدثته عناصر الأمن والجيش في الممتلكات الخاصة والمطاعم والمحلات، خلال الأيام الأخيرة.

ونشرت يوم أمس قوائم بأسماء عشرات تم اعتقالهم في القامشلي والحسكة شمال شرقي البلاد. وفي أنباء غير مؤكدة، نقل عن تلامذة الشيخ محمد راتب النابلسي ومريديه أن الشيخ معتقل منذ عدة أيام لدى فرع الأمن السياسي في دمشق. والشيخ النابلسي يتمتع بشعبية كبيرة في الأوساط الدمشقية، وتحقق تسجيلات محاضراته الدينية إقبالا منقطع النظير في السوق السورية. وقد كانت له مواقف مؤثرة حيال الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد.

وفي الرستن، وسط البلاد، قال ناشطون إن القصف المدفعي استمر طيلة يوم أمس وسمعت أصوات رشاشات ثقيلة. وقال شاهد عيان لقناة «الجزيرة» إن هناك أكثر من خمسين شهيدا وعشرات الجرحى، كما تحدث آخرون عن وقوع مجزرة يوم أمس في البساتين من الجهة الغربية بالرستن وسقوط عدد كبير من الشهداء.

في حين صرح مصدر عسكري مسؤول بأن وحدات الجيش والقوى الأمنية أوقفت في منطقة الرستن عددا من «عناصر المجموعات الإرهابية المسلحة»، واتهمهم «بترويع المواطنين الآمنين»، وأنهم «عاثوا تخريبا في الممتلكات العامة والخاصة». وقال المصدر إنه تم «الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر». وأسفر ذلك عن «استشهاد عنصرين من الجيش أحدهما ضابط وجرح أربعة آخرين»، كما قال المصدر إن عددا من القتلى والجرحى سقطوا في صفوف المجموعات «الإرهابية المسلحة».

وأصدر أهالي الرستن بيانا تم نشره على شبكة الإنترنت، نفوا فيه وجود عناصر مسلحة، كما نفوا حملهم للسلاح. وقال البيان إن مدينة الرستن تعاني «منذ يومين من حصار خانق وقصف وحشي بالدبابات وإطلاق النار العشوائي بالرشاشات، انتقاما من المدينة وأهلها الذين دأبوا على الخروج بمظاهرات سلمية يومية على امتداد الأسابيع الماضية بعشرات الآلاف». وأوضح البيان أن «النظام بدأ يروج أن الأهالي الرستن يقاومون بالسلاح، أو أن إرهابيين ومندسين يقومون بأعمال عنيفة، وهذا أمر عار عن الصحة، ولم نقم على الإطلاق بحمل السلاح ضد أي كان، ومن يتظاهر بعشرات الآلاف بشكل سلمي طوال أسابيع لا يمكن أن يحمل السلاح بعد ذلك»، وأكد البيان أن هذه «أكاذيب» عهدناها في كل مدينة اقتحمتها قوات «النظام المجرم».

من جهة أخرى، أنشأ ناشطون سوريون صفحة جديدة على موقع «فيس بوك» لتنسيق الثورة السورية، وأعلن الناشطون عن تأسيس اتحاد تنسيقات الثورة السورية، وذكروا في بيانهم التأسيسي أنه «باجتماع ممثلي عدد من التنسيقات المحلية للثورة السورية في مدينة دمشق وريفها ودرعا ودير الزور وحمص، اتفقت تلك التنسيقات على قرار الاتحاد في تجمع تمثيلي يشكل نواة لتأسيس اتحاد تنسيقات الثورة السورية الذي سيضم كافة تنسيقات الثورة السورية الإعلامية والميدانية».

وأكد البيان أن الاتحاد «لا يمثل أي حزب أو طرف سياسي»، وأنه حصل اتفاق «أن لا يجمع أي عضو في الاتحاد بين عضويته وأي طموح لمنصب سياسي أو إداري».