مؤتمر المعارضة السورية: الفوضى المنظمة وحكايات المنفى

تدخلات اللحظة الأخيرة منعت «العفو» عن الرئيس السوري

TT

نجحت المعارضة السورية في الخارج في إنتاج أول هيئة منظمة لتحركاتها بعد عشرات السنوات من المحاولات الخجولة. ويقول معظم المشاركين في مؤتمر المعارضة السورية الذي انعقد في مدينة أنطاليا التركية إنهم «يحاولون اللحاق بالشارع السوري الذي سبق الجميع»، غير أن البارز في هذه اللحظة كان نجاحهم في «مأسسة» المعارضة في الخارج، ورسم خطوات مستقبلية، يعترف بعضهم بأنها «طموحة للغاية» كمثل رسمهم لمعالم المرحلة المقبلة مع علمهم المسبق بأن نظام الرئيس السوري بشار الأسد «سوف يقاتل لآخر لحظة».

وفيما كانت بعض «التباينات» الخاصة بأطراف المعارضة تظهر للعلن في بعض المفاصل، تلميحا وتصريحا، كانت «المصلحة العليا» تتدخل دائما لتصويب الأمور. أما اللافت فكان أداء «الإخوان المسلمين» الذين كانوا الأكثر تنظيما وإدراكا لمجريات الأمور. وقد تبين ذلك في سعيهم الدائم لضبضبة الخلافات والابتعاد عن الأضواء قدر الإمكان، بعدما تلقى المشاركون من طرفها في المؤتمر كلمة السر، وهي «إنجاح المؤتمر بأي ثمن».

ولم تفلح محاولات التوافق بالكامل، فكان اللجوء إلى الانتخاب على طريقة القوائم المؤلفة من 31 شخصا والتي ستختار من بينها مكتبا تنفيذيا سيكون بمثابة «الحكومة» غير المعلنة، غير أن هذا الانتخاب كان بمثابة التوافق الضمني، بعد أن نجحت اللائحة الفائزة، إذ كان أعضاؤها الأكثر نشاطا في التحضير للمؤتمر، وأتت الانتخابات بالمتوقع ففازوا.

ولن يكون على الهيئة الجديدة أن تقلق كثيرا على مصادر تمويلها، بعد أن استطاع المؤتمر اجتذاب رجال الأعمال السوريين المقيمين في الخارج، فتسابقوا على الاتصال بالمؤتمرين وإبلاغهم عن دعم مالي، بعضهم حدد بأرقام، وبعضهم الآخر وضع «كل إمكاناته في تصرف الثورة».

المعارضون لم يظهروا للحظة واحدة كقوة منظمة، فهم مجموعات قدمت من بلدان مختلفة كان بعضهم يتعارف للمرة الأولى، على الرغم من وجود نواة منظمة كانت تعمل باجتهاد بعيدا عن الأضواء، فتتدخل لتصويب بعض المسارات، ومنها التعديل الذي حصل على البيان الختامي، والذي كان المؤتمرون قد وعدوا فيه الرئيس الأسد بـ«العفو» إن هو وافق على التخلي طوعا عن السلطة وفورا. وأفاد أحد المنظمين «الشرق الأوسط» بأن هذا التعديل جرى من منطلق أن «العفو ليس من صلاحياتنا، بل من صلاحيات الناس الذين ما يزالون تحت القمع، وأولئك الذين ذاقوا هذا القمع وتضرروا منه مباشرة».

ويبدو أن الظروف خدمت المعارضين، بأكثر مما أملوا في بعض الأحيان، فالاهتمام العالمي بهم كان كبيرا جدا، وتبين ذلك من خلال وسائل الإعلام الأجنبية التي تسابقت لتغطية المؤتمر، مع حضور خجول جدا للإعلام العربي، فعوضوا بذلك عن غياب التنظيم الفعال، وخرجوا بنتائج إيجابية بالنسبة إليهم، بعيدا عن صراخ أطفال بعض المشاركين الذين أتوا بهم إلى المؤتمر، فدخلوا قاعات الجلسات، وخرق هتافهم بـ«الشعب يريد إسقاط النظام» جدية بعض لحظات المؤتمر. فيما كان هتاف آخر يعلو غير بعيد عن المؤتمر مصدره نحو 50 شخصا من مناصري النظام السوري منعتهم الشرطة التركية من الاقتراب من باب الفندق كما حصل في المرة السابقة أول من أمس.

وتجمع مناصرو النظام السوري حاملين صور الرئيس السوري، هاتفين بحياتهم وبسقوط «الخونة». وأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية أن الشرطة التركية منعت المتظاهرين من الاقتراب من الفندق، وكذلك طردتهم من مقهى يبعد نحو مائة متر عن الفندق وأجبرتهم على التراجع إلى نحو 300 متر.

وذكر نضال سعيد (35 عاما) أنه قدم من سوريا قبل خمسة أيام «خصيصا لإيصال رسالة إلى الشعب التركي والحكومة التركية بأن المشاركين في هذا المؤتمر لا يمثلون إلا أنفسهم»، معتبرا أن هذا المؤتمر «يضم أصدقاء أميركا وإسرائيل». فيما شكا طاهر سليمان (38 عاما) من قوات الأمن التركية، وقال: «هددونا بالاعتقال ما لم نبتعد عن الفندق، فأجبرونا على ذلك».

ووقف أمام المتظاهرين نحو 50 شرطيا من مكافحة الشغب وهم يرتدون الخوذ ويحملون الدروع. وقال يعرب حمامه (50 عاما) إنه يعمل تاجرا في تركيا و«تلقى إشعارا من الفندق بضرورة مغادرته قبل الساعة الثانية عشرة تحت طائلة الطرد فقط لأنني سوري». وحاول بعض المتحمسين من المعارضين تنظيم مظاهرة مضادة، غير أن تدخلات المنظمين منعتها.

القصص التي يرويها هؤلاء عن واقع مغادرتهم إلى المنفى كثيرة، فهذا اضطر إلى ترك عائلته هناك، وكلما أرادت والدته زيارته في تركيا تخضع لتحقيق عند العودة إلى سوريا، وآخر يروي كيفية استنجاده بوفد برلماني أوروبي كان يزور سوريا لتأمين خروجه إلى الأردن «لأسباب عائلية» فاستطاع الهرب، لكن أفراد عائلته ممنوعون من السفر الآن لهذا السبب، أما صهره الذي يعمل في المملكة العربية السعودية فهو لم يلتق بزوجته منذ 3 سنوات لأنه ممنوع من الدخول وهي ممنوعة من السفر وانتهى المؤتمر بأجواء احتفالية كما بدأ، وقد حمل بعض المشاركين علما سوريا كبيرا مودعين بعضهم على أمل «أن يكون اللقاء المقبل هناك».. قاصدين بلادهم.