المصريون يرفضون تصريحات كلينتون ويعتبرونها تدخلا مغلوطا

المتحدث باسم «الإخوان»: على الأميركيين التخلص من ثقافة القرود التي يستقبلون بها رئيس وزراء إسرائيل

وزيرة الخارجية الأميركية أثناء مؤتمر صحافي مع نظيرها التشيكي في واشنطن أمس (أ.ب)
TT

ردود أفعال متباينة شهدتها الأوساط السياسية والإعلامية المصرية إثر التصريحات الأخيرة التي أدلت بها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فيما يخص الشأن الداخلي المصري، وتحديدا تعليقاتها حول أهمية أن يحظى الرئيس المصري السابق حسني مبارك بمحاكمة عادلة ومناسبة (على حد وصفها)، فضلا عن إعرابها عن قلق واشنطن حول ما سمته بـ«القمع ضد الإعلام المصري»، وتراجع حرية التعبير ما بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) على خلفية استدعاء المجلس العسكري المصري لأربعة من الإعلاميين المصريين بتهمة الإساءة إلى المجلس.

من جانبه، دعا الدكتور عصام العريان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، كلينتون إلى أن «توفر قلقها وتحتفظ به تجاه سياسات بلدها، ومغامراته الفاشلة التي أزهقت أرواح آلاف البشر»، مضيفا أن «على وزيرة الخارجية الأميركية أن تلتزم بتوجيهات أوباما بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر».

وشدد العريان على رفض الجماعة للمحاكمات الاستثنائية، مؤكدا أن هذا الموقف تعبير عن إرادة شعبية، مشيرا إلى أنه لم توجه لصحافيين مصريين تهم أمام القضاء العسكري، قائلا: «كما علمنا أن ما من أحد (من الصحافيين) قد واجه أي اتهامات أمام القضاء العسكري».

وأضاف العريان أن على الأميركيين أن يهتموا أكثر بـ«التخلص من ثقافة القرود التي يستقبلون بها رئيس الوزراء الإسرائيلي»، على حد تعبيره.

من جانبه، رفض محمد مصطفى شردي، المتحدث الرسمي، المستشار الإعلامي لحزب «الوفد» ذي التوجه الليبرالي المعارض، تصريحات كلينتون، قائلا: «لا أجد مبررا لهذه التصريحات بهذا الشكل»، موجها كلامه لكلينتون بقوله: «يجب أن تعلم أن هناك شؤونا داخلية في مصر يجب احترامها وعدم التدخل فيها».

وقال شردي لـ«الشرق الأوسط» إن هناك مخاوف لدى الجميع من عدم وجود محاكمات عادلة، وهي مخاوف مشروعة، لكن يجب أن يعلم الجميع خارج مصر أننا نثق في نزاهة القضاء المصري. وتابع: «يجب أن تعلم أميركا أننا عشنا في ديكتاتورية وظلم لسنوات طويلة، دون أن تنتقد هذا الوضع»، وتساءل: «لماذا سكتت أميركا عنا طوال السنوات الماضية؟ وأين كانت كلينتون ونحن نسجن، والانتخابات التشريعية تزور، والحريات تقمع، ونحن نصرخ طلبا للحرية؟».

وأكد شردي أن القضاء المصري عادل، لافتا إلى أنه حتى لو أن هناك الكثير من الملاحظات التي يمكن أن نطلقها نحن كمصريين على القضاء، لكن هذا لا يمنع على الإطلاق أننا جميعا سوف نسعى لأن تكون محاكمة الرئيس السابق مبارك عادلة، موضحا «لن نحاكم مبارك أمام محاكم عسكرية أو بصورة عشوائية كما كان يفعل مع القوى السياسية، ولكن سنحاكمه بالتأكيد على جرائم ارتكبت في حق الشعب، ربما كان على علم بها أو تقع مسؤوليته عنها حيث عدم حرصه على منعها».

أما المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض، فعلق قائلا: «ما طلبته كلينتون أمر مشروع تماما، وهو لا يمثل أي إهانة لنا كمصريين، فطلب العدل هو تنبيه لمعلوم بالضرورة، أي تحصيل حاصل.. وهذا أمر قائم ومتوافر في القضاء المصري، ولم يحدث أن تعرض مبارك إلى أي إجحاف أو تعد في إجراءات التحقيق معه حتى اليوم». وأضاف «لهذا لا أرى أي حساسية من تصريحات كلينتون، بل على العكس.. إنها تساعد مصر وعقلاءها على تحقيق أهداف الثورة، التي من أهمها المحافظة على العدالة.. ولا يوجد ما يدعونا إلى الحرج أو التذمر من كلامها».

وعما إذا كانت هذه التصريحات لها علاقة ما بمحاكمة مبارك وإمكانية استرداد الأموال غير المشروعة في أميركا، قال المستشار مكي: «هناك اتفاقات دولية ملزمة مبرمة بين دول العالم تنص على مفردات المحاكمات العادلة، وما يتم مع مبارك حاليا لم يخرج عن هذه الأطر. ومن أهمها توفير الدفاع عن المتهم والشهود وأسباب المحاكمة وغيرها من المعطيات.. وأرجو من المجلس العسكري أن يعطي القاضي الذي سيرأس الجلسات الصلاحية الكاملة لكي يتخذ إجراءات عقابية مشددة لكل من تخول له نفسه أن يثير الشغب أثناءها، حتى يتمكن العامة من متابعتها، وأن تكون علنية أمامهم تأكيدا للشفافية والعدالة».

أما عن تصريحات كلينتون فيما يخص الحريات الإعلامية وعلاقتها بالمجلس العسكري، فقد عاب المستشار مكي على المجلس العسكري تصرفه باستدعاء الإعلاميين للتحقيقات على خلفية انتقادهم له، وقال: «كنت أرجو من المجلس أن ينأى بنفسه من رد الفعل هذا، حتى لو كانت زيارة هؤلاء الإعلاميين لمجرد شرب (فنجان قهوة)، فهذا تصرف غير مستحب، حتى وإن كان هناك بعض التجاوزات أو التحفظات على الإعلام حاليا».

أما المحلل السياسي الدكتور حسن نافعة، فيشير إلى أن تصريحات كلينتون تحمل معنيين في وقت واحد، قائلا: «قد تهدف الإدارة الأميركية من ورائها إلى الإشارة إلى إجراءات عادلة، ولكن العدالة التي تقصدها كلينتون هنا لها علاقة بتقييمها لمبادئ العدالة نفسها، بمعنى أنها قد تقصد إجراءات (تفضيلية) تخص مبارك، مراعاة لكبر سنه وحالته الصحية وتاريخه العسكري، وهذا أمر على كل الأحوال غير مقبول بالمرة، لأن مبارك في المقابل ارتكب جرائم كبرى تستوجب المحاكمة العادلة (الرادعة) وليست المتعاطفة».

وأضاف «أما التحليل الثاني لهذه التصريحات، فيشير إلى أن واشنطن تعلق على بطء الإجراءات الحالية في محاكمة مبارك، وتهدف منها إلى إرسال إشارة إلى المجلس العسكري والحكومة للإسراع في محاكمته، شأنه شأن أي مواطن مصري عادي، وهذا أمر يتماشى تماما مع معطيات الثورة وأهدافها، لكن إجمالا يمكنني أن أصف تصريحات كلينتون بالغامضة».

وأشار نافعة إلى أن موقف أميركا متخاذل في مسألة استرداد الأموال المهربة، قائلا: «على الأقل الاتحاد الأوروبي كان أكثر تعاونا وقام بتجميد أرصدة مبارك وعائلته ورموز النظام بعد أن قام بحصرها، لكن واشنطن لم تقم بأي خطوات مماثلة حتى اليوم».

واستنكر نافعة التصريحات التي تخص الإعلام، قائلا: «تم استدعاء 3 قضاة أيضا للتحقيق لإدلائهم بتصريحات إعلامية، فلماذا لم تتحرك أميركا، وهذا أمر أشد خطورة من وضع الإعلاميين المصريين؟».

بينما تحفظ الدكتور محمود خليل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، على تصريحات كلينتون، قائلا: «ليس من حق أي مسؤول أميركي التدخل في الشأن الإعلامي أو السياسي المصري، وعلى البيت المصري أن يعيد ترتيب أوراقه من الداخل.. فيما يمكن أن نسميه بإعادة تصحيح الأوضاع»، مشيرا إلى أن إحالة بعض الإعلاميين المصريين للتحقيق هي أمر غير مقبول من الأساس، لأن المجلس هو من يحكم مصر حاليا، وكل من في موقع سلطة يمكن أن يوجه له النقد، ما دام لم يتعد الآداب والحدود العامة المتعارف عليها، مؤكدا على احترام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فهو من حمى الثورة منذ أول يوم، وهو المعني حاليا بانتقال السلطة سلميا في مصر خلال هذه المرحلة الانتقالية، وأرجو ألا يضيق صدر المجلس بالنقد سواء كان من الشارع أو الإعلام المصري، «فهذا حق للإعلام الحر، لأنه يراقب أداء السلطات كافة داخل المجتمع، وينوه عن أي ثغرات أو معلومات تشيع لدى المصريين.. وحق الرد مكفول للجميع».