الثوار الليبيون يخوضون معركة لا يستطيعون السيطرة عليها

سعيهم للإطاحة بالقذافي يعتمد بشكل شبه كامل على قوات الناتو

متطوع ليبي يخضع لتدريب عسكري قبل التوجه للقتال إلى جانب الثوار (أ.ب)
TT

شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، كجزء من مهمتهم في ليبيا، هجوما جويا استخدمت فيه تقنيات متقدمة، وقاموا بنشر طائرات «الأواكس» للتجسس وطائرات دون طيار وأنظمة الأقمار الصناعية المتطورة.

ولكن في مركز قيادة عمليات الثوار في شرق ليبيا لا توجد شاشات تلفزيونية لبث الصور عبر الأقمار الصناعية، كما لا توجد خرائط مفصلة بإحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي، بل لا يملك الثوار خطا هاتفيا مباشرا مع نظرائهم في حلف شمال الأطلسي.

ونتيجة لذلك، عندما اتصل أحد الضابط الثوار الموجود على خط الجبهة ذات صباح لطلب المساعدة، لم يكن أمام العميد عبد السلام الحاسي خيارات كثيرة، حيث نزل إلى أسفل الممر وطلب من المستشارين الأميركيين والأوروبيين في مركز قيادته أن يطلبوا من حلف شمال الأطلسي توجيه ضربة جوية، ثم توجه بالدعاء من أجل أن يتم هذا العمل بسرعة. وقال الحاسي وهو يهز رأسه: «يتأخرون في بعض الأحيان، يتأخرون للغاية».

وتسلط هذه الحادثة الضوء على معضلة لا يستطيع جيش الثوار التغلب عليها، فبعد أكثر من ثلاثة أشهر من الجمود، نجد أن سعي الثوار للإطاحة بالعقيد معمر القذافي يعتمد بشكل شبه كامل على قوة حلف شمال الأطلسي التي لا يسيطرون عليها، والتي تصر على أن مهمتها تقتصر على حماية المدنيين، ولا يملك قادة الثوار إلا أن يطلبوا المساعدة من حلف شمال الأطلسي، ثم عليهم الانتظار والتمني.

وقبل أسابيع قليلة لم يكن هناك تنسيق عملي بين الثوار وحلف شمال الأطلسي، بيد أن الثوار اعترفوا أن الوضع تحسن منذ ذلك الحين. ولكن يقول كبار المسؤولين في صفوف الثوار إن مستوى التنسيق الذي لا يزال منخفضا ونقص الموارد يعني أنهم خارج عملية صنع القرار الرئيسية في الحرب التي بدأوها.

وقال الحاسي: «إننا نتحدث إليهم عن طريق لوحة المفاتيح الهاتفية، حيث لا يوجد خط اتصال مباشر. ما نقوم به يشبه طلب خدمة الغرف».

ويشكو الضباط الثوار من أن حلف شمال الأطلسي لم يرسل ضابط اتصال لمركز القيادة، ولا يتحدث الحاسي وفريقه إلى وحدات توجيه «الأواكس» لتنسيق الضربات الجوية، ويستقبلون القليل من الملاحظات من نظرائهم في حلف شمال الأطلسي.

وقال الحاسي: «ليس لدينا أي اتصال مع أي شخص باستثناء أولئك الذين يجلسون في الحجرة المجاورة. إننا بحاجة إلى مزيد من الاتصالات مع حلف شمال الأطلسي. إننا بحاجة إلى الكثير من كل شيء».

وعلى الرغم من هذه الشكاوى نجد أن الحاسي حذر في انتقاده لحلف شمال الأطلسي أكثر من اللازم، لأنه يعرف أن آمال الثوار في الإطاحة بالقذافي، الذي يقبع في سدة الحكم منذ 41 عاما، تعتمد على الهجمات التي تشنها قوات الحلف. وقال الحاسي: «في الغالب هم يقومون بعمل جيد، وهذا العمل آخذ في التحسن».

ويقول مسؤولو حلف الأطلسي إن قرارهم بإبعاد الثوار هو قرار متعمد. وقال مسؤول في حلف شمال الأطلسي في مقر الحلف ببروكسل، والذي تحدث في إطار القواعد الأساسية للحلف، التي تنص على عدم الكشف عن اسمه: «بالنسبة لنا، لا نريد مخالفة تفويض الأمم المتحدة الذي نتبعه، كما لا نريد تعريضه للخطر»، وأضاف أن قرار الأمم المتحدة الذي يجيز العمل العسكري في ليبيا يتحدث فقط عن حماية المدنيين من الهجمات التي تشنها كتائب القذافي.

وقال المسؤول: «لا يمكننا أن نكون بمثابة القوات الجوية (للثوار). لقد كانت هذه ثورة شعبية عامة، وعليها أن تتكشف بهذه الطريقة، بطريقة طبيعية. ليس لنا أن نقوم بأكثر من ذلك من حيث الدعم».

ويعرب مسؤولون عسكريون بارزون بين صفوف الثوار عن تذمرهم في الوقت الذي يقوم فيه حلف شمال الأطلسي بتكثيف حملته الجوية ضد قوات القذافي لكسر الجمود. وتتحول خطوط المعركة بسرعة كبيرة وتمتد إلى أجزاء من المنطقة الغربية الجبلية. وقد أرسلت فرنسا وبريطانيا طائرات مروحية لشن هجمات أكثر دقة ضد قوات الحكومة الليبية.

ويوم الأربعاء الماضي أعلن حلف شمال الأطلسي أنه سيمدد مهمته في ليبيا لمدة 90 يوما، وهي خطوة رمزية إلى حد كبير على الرغم من أنها لم توحِ بحدوث نقص وشيك في الضغط العسكري على قوات القذافي. ولكن مع عدم وجود قوات على الأرض، قد يحتاج حلف شمال الأطلسي إلى الاعتماد بشكل متزايد على الثوار في تنسيق تحديد المواقع التي سيتم استهدافها.

ويقع مركز القيادة داخل مبنى بني اللون مكون من طابق واحد على قطعة أرض شاسعة مملوكة للدولة، وطالب قادة الثوار بعدم تحديد الموقع بدقة لدواعٍ أمنية. ويقع المكتب الفسيح للعميد الحاسي في إحدى نهايتي الممر، ويوجد على الطرف الآخر غرفة يعمل بها المستشارون الغربيون، في حين يعمل فريق المحللين التابع للعميد الحاسي في مكان يقع بين المكتب والغرفة.

ورفض قادة الثوار طلبا لمقابلة المستشارين الغربيين الذين رفضوا تحديد هويتهم، وقال الحاسي إن المستشارين يشملون أميركيين وبريطانيين وفرنسيين وإسبانا وقطريين، ومعظمهم على ما يبدو على اتصال مباشر مع مسؤولين في حلف الناتو في بروكسل. ويعتقد أيضا أن ضباطا من وكالة المخابرات المركزية الأميركية وقوات العمليات الخاصة من بريطانيا وفرنسا وحلفاء آخرين يعملون على الأرض مع الثوار.

ويقوم المحللون التابعون للحاسي بتجميع المكالمات الهاتفية من جميع أنحاء ليبيا، لجمع معلومات عن تحركات قوات القذافي، وعدد الوفيات، والنداءات للحصول على الوقود وغيره من المساعدات. إنهم يحاولون ضمان أن تكون التقارير دقيقة، ويقومون بتحذير الحاسي في حالات الطوارئ، مثل التهديد بهجوم وشيك من قبل القوات الحكومية، الذي يقوم بدوره بإرسال المعلومات للمستشارين الغربيين.

وقال المحلل عمران السنوسي، 29 عاما، وهو مهندس مدني سابق، إنه هو وفريقه يشعران دائما بالقلق بشأن سلامة المدنيين والثوار. ومنذ أن بدأ حلف شمال الأطلسي في شن هجماته في منتصف مارس (آذار) الماضي، كان هناك ما لا يقل عن هجومين اثنين «بنيران صديقة»، قتل فيهما أكثر من عشرة من الثوار. وقال السنوسي: «علينا التحرك بحذر شديد».

وقال مسؤول في مقر حلف شمال الأطلسي في نابولي إن المعلومات التي يقدمها الثوار يتم تنقيحها وتقديمها إلى قيادة الحلف، وأضاف: «هناك حلفاء مختلفون لديهم عناصر على الأرض ويعملون مع المجلس الانتقالي (الوطني)»، مشيرا إلى الهيئة التي أنشأها زعماء المعارضة في بنغازي التي تعد العاصمة الفعلية للثوار.

وقال المسؤول: «هؤلاء الرجال يمررون المعلومات مرة أخرى إلينا. قد يكون ذلك أقل قليلا مما يرغب فيه بعض الناس»، ولكن حلف شمال الأطلسي كان يعتقد أنه من المهم رسم خطوط واضحة. ولكن يمكن أن يتغير هذا.

وصرح المسؤول بأن حلف شمال الأطلسي كان يناقش ما إذا كان سيرسل فريق اتصال لبنغازي أم لا. وفي الوقت الراهن يصر الحاسي وغيره من قادة الثوار في ليبيا على أن حلف شمال الأطلسي لا يصغي إليهم عن كثب بما فيه الكفاية، وأنه لا يبادلهم المعلومات الاستخبارية التي يحصل عليها من مصادر أخرى. وقال الحاسي: «يتلقى حلف شمال الأطلسي المعلومات من الجميع، ونحن مركز قيادة العمليات الرسمي للقوات الليبية الحرة».

ومثله مثل غيره من المسؤولين العسكريين الليبيين، انشق الحاسي عن قوات القذافي بعد وقت قصير من اندلاع الثورة الشعبية في 17 فبراير (شباط) الماضي. وقبل اندلاع الثورة كان الحاسي قائدا أعلى للقوات في شرق ليبيا والمسؤول عن القوات الخاصة في البلاد.

ويمتلك الحاسي بنية قوية وقامة قصيرة ويتحدث الإنجليزية يتخللها النكات في كثير من الأحيان، ولكنه لا يحسن اختيار الكلمات عند الحديث عن الحالة العسكرية للثوار، حيث يقول «ليس لدينا شيء. إننا نبدأ من الصفر».

وقال الحاسي إن الثوار بحاجة إلى مزيد من تكنولوجيا الاستطلاع المتقدمة، وإنهم لا يملكون المعدات الضرورية، بما في ذلك أجهزة اللاسلكي بعيدة المدى، والسترات المسلحة ومناظير للرؤية بالأشعة تحت الحمراء في ما يتعلق بإلكترونيات الطيران، وأضاف أنه ليس لديه ما يكفي من المركبات رباعية الدفع. ولكنه يحصل على ما يريد في بعض الأحيان، فبعد مرور أكثر من ساعتين على نزوله للقاعة، تلقى الحاسي اتصالا من القائد الميداني بالقرب من خط الجبهة بين مدينتي أجدابيا والبريقة، وهنا ابتسم الحاسي ابتسامة سريعة وهز رأسه لأن الحلف قدم المساعدة سريعا. وقال: «كما ذكر القائد.. يمكنني سماع صوت الطائرات».

*ساهم في هذا التقرير المراسل مايكل بيرنبوم من برلين.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»