دغان رئيس «الموساد» السابق.. نجم صاعد في جيل الشيخوخة

يعتقد بصدق انتقاداته للحكومة وبتعبيره عن وجهة نظر كثيرين بين القيادات السياسية والعسكرية القلقة من أداء نتنياهو

TT

على الرغم من الاختلاف في وجهات نظر الإسرائيليين حول أهداف تصريحات مائير دغان، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية (الموساد)، فإن جميع المعلقين والسياسيين مقتنعون بأنها تشكل ضربة سياسية كبيرة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، إيهود باراك. وهناك من يرى أنها بداية النهاية السياسية لكليهما. وينشغلون اليوم فيما إذا كانت هذه مجرد مبادرة من دغان نفسه، أم هي تحريك من «قوى خارجية».

في البداية تباينت وجهات النظر حول أهداف دغان. فهناك من راح يشكك في نياته ويقول إن الرجل ليس بريئا. ويحاول خوض غمار السياسة وتصريحاته جاءت تمهيدا للوصول إلى منصب رئيس حكومة. ولكن دغان يبلغ من العمر سبعة وستين عاما. وحسب القانون الإسرائيلي الجديد، لا يستطيع خوض غمار السياسة قبل مرور 3 سنوات على إنهائه منصبه الرفيع. وهذا يعني أنه لن يستطيع المشاركة في التنافس على منصب سياسي في المعركة الانتخابية القادمة. وسينتظر سنتين ونصف السنة حتى يصبح وزيرا في حكومة. ومثلها أو أكثر حتى يستطيع الترشح لرئاسة الوزراء.

من هنا، فإن وجهة النظر الغالبة هي أنه صادق في توجهه وانتقاداته للحكومة ويعبر عن وجهة نظر كثيرين في صفوف القيادات السياسية والعسكرية القلقين من أداء نتنياهو ووزرائه. وانضمام رئيس أركان الجيش السابق غابي أشكنازي، ورئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك) السابق ديسكين، إلى تحذيراته، أمس، يعزز أكثر هذا التوجه ويشير إلى أن هناك شعورا عارما في إسرائيل بأن القادة الحاليين للأحزاب السياسية في إسرائيل لا يلائمون المرحلة التاريخية الآنية ويفتشون عن شخصية سياسية قادرة على ملء فراغ منصب «الزعيم»، في الحلبة السياسية.

فالجمهور الإسرائيلي، ولأسباب تاريخية معروفة، يريد لقيادته زعيما سياسيا قويا يبعث في نفوسهم الاطمئنان. وقد اعتادوا على قادة كبار أمثال ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة، ومناحم بيغن أول رئيس حكومة يميني، وإسحق رابين الجنرال الذي قاد حرب 1967 واتخذ القرار الشجاع بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وأرئيل شارون الجنرال اليميني الذي كان أول رئيس حكومة يميني يؤمن بضرورة زوال الاحتلال للأراضي الفلسطينية وأزال جميع مستوطنات قطاع غزة. ويرى هؤلاء القادة أمثال دغان وأشكنازي وديسكين وغيرهم أن نتنياهو ضعيف ومتردد ولا يمتلك مقومات القائد الشجاع الذي يجرؤ على الدخول في مواجهة مع معسكره اليميني المتطرف.

وكان قد سبقهم إلى هذا الاستنتاج رئيس أركان الجيش الأسبق أمنون لفكين شاحك، ورئيسا «الشاباك» الأسبقان يعقوب بيري وعامي أيلون، ورئيس «الموساد» الأسبق داني ياتوم، الذين يقودون المبادرة للتجاوب الإسرائيلي مع مبادرة السلام العربية ويطالبون الحكومة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على أساس حدود 1967 في الأمم المتحدة بدلا من قرارها بمحاربة هذا الاعتراف.

ولكن أن تأتي هذه التصريحات، بالامتناع عن الحرب مع إيران وقبول المبادرة العربية للسلام وطرح خطة سلام إسرائيلية شجاعة مع الفلسطينيين، من شخصية مثل دغان، لها أهمية خاصة. فهذا الرجل يعتبر من الجناح اليميني المتطرف. تاريخه مليء بالمذابح ضد الفلسطينيين، وقد عرف عنه أنه «لا يأخذ أسرى». وهناك من يسميه «فاصل الرؤوس» لأنه «لم يكن يكتفي بقتل المقاتلين الفلسطينيين، بل كان يحرص على قطع رؤوسهم». وهو الذي ينسب إليه عدد كبير من العمليات العسكرية المغامرة، وبينها، وفقا لأنباء خارجية، اغتيال عماد مغنية رئيس الجناح العسكري في حزب الله، وتدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور، والتفجيرات والتخريب في حواسيب المفاعلات النووية الإيرانية، واغتيال مسؤول حماس محمود المبحوح في دبي، وغيرها.

فعندما يرى جنرال كهذا أن إسرائيل ترتكب حماقة خطيرة إذا بادرت إلى حرب مع إيران وترتكب حماقة أكبر إذا لم تستغل الفرصة السانحة للسلام مع العرب وفقا لمبادرة السلام العربية، فإن لأقواله وزنا ثقيلا جدا. وعندما يتحدث عن القيادات السياسية الإسرائيلية بأنها عديمة الذكاء والحكمة، فإن أقواله لن تبقى حبرا على ورق. وهناك من يرى اليوم أن وراء هذه التصريحات تقف جهات مؤسسية وليس مجرد أفراد.. فقد تكون معبرة عن رأي المؤسسة العسكرية والأمنية. وقد تكون معبرة عن رأي الحلفاء من وراء البحار أيضا.

فقد سبق أن شهدت إسرائيل في الماضي أيضا قادة يتنكرون للإرادة الدولية والأميركية ووجدوا أنفسهم خارج الحلبة السياسية. فرئيسة الوزراء غولدا مائير، رفضت مشروع روجرز الأميركي للسلام في الشرق الأوسط (الذي قبله يومها الرئيس المصري جمال عبد الناصر)، فوجدت نفسها تخوض حرب أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، وتلخص هذه الحرب بالقول، في لحظة صدق نادرة: «كم نحن صغار أمام الكبار!»، وتترك كرسي الحكم بشكل بائس. وتبعها في هذا المصير إسحق شامير، الذي اختلف مع الولايات المتحدة وأجهض مسيرة مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، فسقط في انتخابات عام 1992. وتبعه بنيامين نتنياهو نفسه، عندما عرقل مسيرة مفاوضات أوسلو، فاهتز ائتلافه الحاكم واضطر إلى تقديم موعد الانتخابات وهزم.

فهل تصريحات مائير دغان تكون بداية النهاية لحكم نتنياهو؟.. وإن كان دغان هو الشرارة، فهل يتحول إلى نجم صاعد في سن الشيخوخة؟

في إسرائيل كل شيء جائز، خصوصا عندما يحكمها رئيس وزراء لا يعرف سوى إلقاء الخطابات الطنانة الرنانة باللغة الأميركية!