تساؤلات حول مصير ناشطين معتقلين خلال آخر مظاهرة جمعة قبل انتهاء مهلة الـ100 يوم

الحكومة تحظر مشاركة موظفي الدولة في المظاهرات أثناء الدوام الرسمي

جانب من مظاهرة شهدتها ساحة التحرير في بغداد أمس (أ.ب)
TT

استبقت الحكومة العراقية إمكانية أن تأخذ المظاهرات الجماهيرية التي يجري تنظيمها كل يوم جمعة منذ فبراير «شباط» الماضي تمديدات أخرى بعد نهاية مهلة الـ100 يوم، الثلاثاء المقبل، وذلك عبر إصدارها تعميما رسميا يُمنع فيه موظفو الدولة من التظاهر أثناء الدوام الرسمي.

وقال بيان صادر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «إنه في الوقت الذي تكفل فيه الدولة حرية التظاهر وإبداء الرأي السلمي بالقدر الذي لا يتعارض مع النظام العام أو يعطل عمل المرفق العام، تؤكد عدم جواز تعطيل سير العمل داخل دوائر الدولة من خلال التظاهر غير المرخص». واعتبر البيان أن القيام بالتظاهر «داخل مؤسسات الدولة دون ترخيص إخلال بالواجبات الوظيفية الواردة في المادة الرابعة/ ثانيا من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل، التي تلزم الموظفين بتخصيص جميع أوقات الدوام للعمل الوظيفي». وطالب البيان الموظفين بالتظاهر «خارج أوقات الدوام الرسمي وخارج المؤسسات الحكومية للمطالبة بالحقوق المشروعة بعد استحصال الموافقات الأصولية».

يأتي إصدار هذا البيان في وقت اتخذت فيه المظاهرات الجماهيرية بُعدا آخر عقب قيام السلطات الأمنية باعتقال 4 متظاهرين أمس الجمعة، أعقبتها، بعد يوم واحد، باعتقال 11 شخصا من منظمي المظاهرات والمسهمين فيها عند مداهمة قوات رسمية منظمة «أين حقي؟» وسط بغداد. وبينما أطلقت سراح 3 منهم في اليوم التالي فإن مصير 9 آخرين منهم لا يزال مجهولا.

كانت مظاهرة أمس، الجمعة الأخيرة قبل نهاية مهلة الـ100 يوم، قد انطلقت في ساحة التحرير وسط بغداد متأخرة ساعة واحدة عن موعدها المقرر مثلما أفاد لـ«الشرق الأوسط» حسين قاسم، سكرتير اتحاد الطلبة العام، بسبب «رفض القوات الأمنية التي انتشرت بكثافة في ساحة التحرير على خلاف العادة الأسبوعية منذ بدء المظاهرات في العراق» إلا أنها «سرعان ما انتظمت عندما تمكن بعض الشباب من عبور الحواجز التي وضعتها القوات الأمنية، والتي كانت تهدف من ورائها إلى منع عبور المتظاهرين هذه الحواجز باتجاه ساحة التحرير». وطبقا للشعارات التي رفعها المتظاهرون فإنهم طالبوا الحكومة العراقية بإطلاق سراح المعتقلين الـ4 ومعرفة مصيرهم أولا، ومن ثم مصير التسعة الآخرين الذين تم اعتقالهم بعد يوم واحد من اعتقال الشباب الـ4. كما جددوا مطالبهم التقليدية بعدم التجديد لبقاء القوات الأميركية مع نهاية العام الحالي وتحت أي ذريعة. كما دعوا إلى العمل بجد وإخلاص لبناء وتنمية قدرات الجيش العراقي وتأهيله لمهمة الدفاع عن العراق وتنويع مصادر تسليحه وضرورة إعادة ضباط ومراتب الجيش العراقي السابق والقيام بإجراء إصلاحات سياسية شاملة وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت التحقيقات القضائية ارتكابهم أي جريمة تخل بأمن البلاد وفي المقدمة منهم المعتقلون في الموصل وأصحاب الرأي الذين جرى اعتقالهم الأسبوع الماضي في ساحة التحرير وإجراء حوار جاد وبناء مع الاتجاهات السياسية كلها بهدف تحقيق مصالحة وطنية حقيقية.

وحول مصير المعتقلين الـ4 الذين اعتقلتهم القوات الأمنية، قال سكرتير اتحاد الطلبة في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»: «إنه في الوقت الذي لم يطلق سراحهم حتى الآن فإنهم، من خلال المعلومات التي حصلنا عليها، معتقلون في مطار المثنى بقسم استخبارات الكرخ، وقد تمكنَّا من معرفة مصيرهم بعد الضغط السياسي الداخلي والدولي الذي تبنته الكثير من منظمات حقوق الإنسان، فضلا عن منظمة العفو الدولية و(هيومان رايتس ووتش) وغيرها؛ حيث تمكن أهلهم من زيارتهم قبل أن تتراجع السلطات الأمنية بحجة الحفاظ على سلامتهم». وحول التهمة التي على أساسها تم اعتقالهم، قال قاسم: «إن تهمتهم هي رفع شعارات مسيئة تحرض على العنف». وبخصوص مظاهرة أمس، أكد حسين أنه هو شخصيا تعرض إلى الضرب ومصادرة الكاميرا الشخصية له من قبل أحد الضباط الموجودين بهدف منعه من التظاهر.

من جهته، أعلن عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الدكتور رائد فهمي، الذي كان يشغل منصب وزير العلوم والتكنولوجيا في حكومة نوري المالكي الماضية، وذلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحزب الشيوعي سيظل يقف إلى جانب مطالب الشعب العادلة ويدعم المظاهرات الجماهيرية التي هي مطالبة بالإصلاحات وتحقيق الخدمات، وليس فيها ما يمس الأمن والنظام، فضلا عن كونها مكفولة دستوريا». واعتبر فهمي أن «المقلق في الأمر حقا هو أنه ومع نهاية مهلة الـ100 يوم التي يفترض أن تكون فرصة لتحقيق إصلاحات سياسية وخدمية حقيقية يتم اعتقال 4 من الشبان الناشطين في حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وأسهموا في المظاهرات المكفولة ولم يرفعوا شعارات معادية». وأضاف فهمي أنه «بدلا من التراجع من قبل الجهات المعنية فإنه يتم للأسف تلفيق تهم لهم في تمادٍ واضح من خلال القول بتزوير وثائق، وهي عملية، حتى لو افترضنا جدلا صحتها، فإن أي مركز شرطة محلي يمكن أن يتكفل بها ويطلق سراحهم بعد ساعات قلائل». وأوضح فهمي أن «العملية أخذت بُعدا آخر عندما تم اعتقال 11 آخرين، ومن ثم إطلاق سراح 3 منهم والإبقاء على الـ9 الآخرين، وهي مخالفات واضحة لحقوق الإنسان وللدستور العراقي الذي لا يجيز اعتقال أحد إلا بمذكرة قضائية»، معتبرا أن «هذا كله من شأنه أن يعود بالضرر على الدولة والنظام السياسي برمته، والأهم أنه يقدم خدمة جيدة للإرهابيين عندما تهتز قناعة المواطنين بالأجهزة الأمنية التي تعلن باستمرار اعتقال إرهابيين وغيرهم، لا سيما عندما تستمر الجهات الأمنية بعملية تلفيق اتهامات غير صحيحة».

وتساءل فهمي عن «المدى الذي يراد الوصول إليه من وراء هذه الأمور كلها؛ حيث إنه بدلا من زرع الثقة بين الدولة وأجهزتها والمواطنين فإنها تتزعزع تماما، وحتى لو افترضنا أن الحكومة تريد توجيه رسالة لأي طرف فإنها بالتأكيد رسالة خاطئة». وأشار فهمي إلى «أننا لو طبقنا مهلة الـ100 يوم على واحد من أهم الميادين، وهو الحريات العامة، فإن المحصلة أنه لم يتحقق الشيء الكثير، تضاف إلى ذلك الإشكاليات الجدية التي تعانيها القوى المشاركة في العملية السياسية، فمع نهاية الـ100 يوم فإنها بدلا من أن تحل مشكلاتها أولا فإنها عمقت هذه المشكلات فيما بينها».