واشنطن تعتبر مرحلة «إعادة الإعمار» في بغداد منتهية.. وتريد علاقات «تجارية طبيعية» معها

وزارة الخارجية الأميركية تستضيف منتدى اقتصاديا حول العراق ضمن تعهدات اتفاقية الإطار الاستراتيجي

TT

تعتبر الولايات المتحدة أن الانتهاء من العمليات العسكرية في العراق وسحب قواتها من البلاد، يفسح المجال أمام تطبيع العلاقات مع بغداد والانتقال من مرحلة «إعادة الإعمار» إلى مرحلة التعاون التجاري والاقتصادي. وفي هذا السياق، افتتحت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، منتدى الأعمال الخاص بالعراق في وزارة الخارجية الأميركية، أمس، داعية الشركات الأميركية إلى الاستثمار في العراق.

وقالت المنسقة الأميركية الخاصة لانتقال العمليات الأميركية في العراق السفيرة باتريشا هاسلاك، إن «الوقت حان لعلاقات تجارية أكثر تقليدية مع العراق الآن، لم يعد العراق في مرحلة (إعادة الإعمار)، نحن ننتقل إلى المرحلة المقبلة بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجية، ونحن ملتزمون بتعهداتنا». ومن بين تلك التعهدات العمل على مساعدة العراق في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، التي توقعت هاسلاك أن يتم خلال سنوات قليلة بينما بدأت بغداد باتخاذ الخطوات الضرورية لتحقيق ذلك.

وتتولى الخارجية الأميركية دعم مهام الاقتصاد العراقي في الحكومة الأميركية، بعد أن كانت وزارة الدفاع هي التي تقود هذه الجهود من خلال «فريق عمل» خاص. وهذه خطوة أخرى تؤكد إصرار إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على نقل الاهتمام الأميركي بالعراق من الجانب العسكري إلى الجانب المدني. وفي إشارة إلى فريق العامل التابع لوزارة الدفاع، أكدت هاسلاك: «إنهم يركزون بشكل أكبر على أفغانستان الآن»، موضحة: «نشرك جميع الوكالات الحكومية في هذه المهام، ونحن نعتبر (التحسن الاقتصادي) عاملا أساسيا لاستقرار العراق، ومن الضروري أن يكون الاقتصاد مستقرا وقابلا للنمو ويقدم فرص العمل، وهذا ما نرى الشعوب في الشرق الأوسط تطالب به». وأضافت: «العراق يتجه في هذا الاتجاه وبات نموذجا للدول الأخرى في المنطقة».

واجتمع 30 من رؤساء كبرى الشركات الأميركية، منها شركات «أوكسيدنتل» للنفط و«فديريل إسكبرس» للبريد و«مايكروسوف» للكومبيوترات و«لوك هيد مارتن» للمعدات العسكرية، في مقر وزارة الخارجية الأميركية، أمس. وحضر الاجتماع عدد من المسؤولين ورجال الأعمال العراقيين، بينهم كبير مستشاري رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، ثامر غضبان، ورئيس هيئة الاستثمار العراقية، سامي الأعرجي.

واعتبرت هاسلاك أن الوقت حان لدخول الشركات الأميركية بشكل موسع وفعال إلى السوق العراقية. ولفتت في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» إلى أن بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي تستوجب من الولايات المتحدة العمل على دعم الاقتصاد العراقي.

إلى ذلك، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر: «بينما الشركات التي تدخل السوق العراقية ما زالت تواجه عقبات، بما فيها بيئة أمنية صعبة على الرغم من تحسنها، هناك تطورات إيجابية مثل: ارتفاع إيرادات النفط ونمو الاقتصاد الداخلي المتصاعد والاستثمارات الكبيرة في البنى التحتية وحكومة مستقرة ديمقراطية»، موضحا أن «كل هذه الأمور تشير إلى أن العراق يشكل فرصة عمل فريدة يمكن له والولايات المتحدة الاستفادة منها».

وتقدر الاستثمارات الأميركية الخاصة في العراق بنحو 10 مليارات دولار، غالبيتها من شركات أميركية ضخمة مثل «بوينغ» و«جنرال إليكتريك» و«ايكسون موبيل». إلا أن هذه الاستثمارات تعتبر ضئيلة بالنسبة للفرص المتاحة في العراق. وقالت هاسلاك إن «قطاع الطاقة، بما في ذلك الكهرباء، يعد أكثر قطاع يستقطب الاستثمارات الأميركية، يضاف إليه قطاع الصيرفة حيث بدأت شركات مثل (سيتي بنك) تهتم بالعراق». وهناك قطاعات أخرى مثل قطاع الإسكان الذي بدأت الحكومة العراقية تحاول زيادة الاستثمار فيه. وقالت هاسلاك إن «هناك فرصا حقيقة في قطاعات الاتصالات والنقل والزراعة». وحضر ممثلون عن وزارات الزراعة والنقل الأميركية منتدى أمس.

واعتبرت هاسلاك أن «الشركات التي تريد الاستثمار في دولة معينة، وبخاصة في بلد مثل العراق شهد الحروب وعدم الاستقرار، تريد الحصول على المعلومات، ولكننا لا نقدم خدمات لتزويد الحماية الأمنية أو غير ذلك». وأضافت: «يمكننا مساعدتهم من خلال تسهيل الاتصالات مع الجهات العراقية الملائمة والمساعدة على تأسيس شراكات مع شركات محلية لديها الخبرات اللغوية والثقافية والمعرفة المطلوبة».

وهناك وعي أميركي بتصاعد الاهتمام الدولي في السوق العراقية وتصاعد الوجود التجاري لدول مثل: الصين وروسيا وكوريا الجنوبية وتركيا.. تدفع الولايات المتحدة إلى تكثيف جهودها في دفع الشركات الأميركية على الاستثمار في العراق. وقالت هاسلاك: «نائب وزير الخارجية (توماس) نايدس يشير دائما إلى الأسبقية لأول شركة تستثمر على واقع الأرض، وبالطبع ستكون هي أولى الشركات التي تحصد ثمار تلك الاستثمارات، وألفت هنا إلى دول أخرى بدأت تستثمر مثل: تركيا والهند والصين وكوريا الجنوبية، فالأمر ليس متوقفا فقط على الولايات المتحدة».

وردا على سؤال حول سبب تباطؤ الشركات الأميركية في دخول العراق، قالت هاسلاك: «هناك الكثير من التركيز على الأمور الأمنية، ولكن هناك تحديات كبيرة أخرى، وبصراحة هي سهولة العمل في العراق، فهناك معوقات مثل القوانين المحلية والقطاع المالي الذي يحتاج إلى الإصلاح بالإضافة إلى بناء القدرات الداخلية». وأما في ما يخص قضية الفساد وتعويق الفساد للاستثمار في العراق والأعمال، قالت هاسلاك: «الفساد موضوع تتم الإشارة إليه كثيرا، ولكن هذا مجال حقا قد عمل رئيس الوزراء، نوري المالكي، وفريقه على مكافحته، لأن الشعب ركز على قضية الفساد في الانتخابات السابقة، وتعمل الحكومة الآن مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في هذا المجال». وردا على سؤال حول المؤشرات التي تجعلها تتصور أن الحكومة الحالية تكافح الفساد بشكل جيد، قالت هاسلاك: «أبني ذلك على الخطوات التي تقوم بها الحكومة لمكافحة الفساد، إنه تصور يحمله الناس حول الفساد، والشعب العراقي هو الذي يتحدث عن الفساد، بينما الشركات الأميركية لا تتحدث عن ذلك كثيرا لنا».