«نيويورك تايمز» تختار امرأة لرئاسة تحريرها.. لأول مرة في تاريخها

أبرامسون عملت صحافية استقصائية ومراسلة من واشنطن.. وتركيزها الآن دمج العملين الورقي والرقمي

جيل أبرامسون
TT

ستتولى جيل أبرامسون، الصحافية الاستقصائية السابقة التي برزت كمراسلة من واشنطن فضلا عن تميزها كمحررة، منصب رئيسة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز» خلفا لبيل كيلر الذي تخلى عن المنصب ليتفرغ للكتابة في الصحيفة.

ونظرا لأن جيل كانت واحدة من نائبي كيلر الاثنين منذ عام 2003 وساعدته في إدارة الصحيفة أثناء فترة من التميز الصحافي والمشكلات المالية، قال كيلر إنه في ظل الوضع المالي الحالي للصحيفة الذي بات مطمئنا إلى حد كبير، فإنه يشعر بارتياح كبير لتسليم مقاليد الأمور إلى أبرامسون. وتزامنت هذه الخطوة مع تحول آخر في الصف الأعلى للإدارة، حيث تم تعيين دين باكيت، رئيس مكتب الصحيفة في واشنطن رئيس التحرير السابق لصحيفة «لوس أنجليس تايمز»، مدير تحرير الأخبار. شكر آرثر سالزبيرغر، ناشر الصحيفة رئيس شركة «نيويورك تايمز» كيلر ووصفه بالـ«الشريك الحقيقي» في خطابه الذي ألقاه صباح يوم الخميس الماضي في صالة التحرير بالصحيفة التي كانت ممتلئة عن آخرها بالعاملين في الصحيفة الراغبين في معرفة حركة التنقلات الجديدة في الإدارة، والتي تعد الأكبر خلال 8 أعوام.

التفت سالزبيرغر إلى جيل أبرامسون التي ستصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ الصحيفة التي أنشئت منذ 160 عاما وقال لها: «ربما يكون قرار بيل بالتخلي عن منصبه مؤسفا، لكن توليك هذا المنصب خلفا له يبعث على الشعور بالراحة والاطمئنان ويملأنا شعورا بالثقة». وسيتم تفعيل هذه القرارات الخاصة بالتعيينات بداية من 6 سبتمبر (أيلول) المقبل. وسيستمر جون غيديس، 59 عاما، في ممارسة مهام عمله كمدير تحرير مسؤول عن الأخبار حتى ذلك الحين.

وخلال الفترة التي تولى فيها كيلر هذا المنصب حصلت الصحيفة على 18 جائزة «بوليتزر» للصحافة، واتسعت قاعدة قرائها على شبكة الإنترنت حيث بلغ عددهم 50 مليون شخص حول العالم. لكن الصحيفة اضطرت إلى تسريح عدد من أفراد طاقم التحرير وخفض الميزانية بشكل كبير نتيجة التراجع الاقتصادي واتجاه القراء والمعلنين إلى النسخة الرقمية على حساب النسخة الورقية.وقال كيلر لطاقم التحرير بنبرة عاطفية: «منذ عامين، كان الجميع يشعر بالأسى من سوء حال مجال الصحافة. كان الناس، الذين يشعر بعضهم أنه محق، يتحدثون عن صحيفة (نيويورك تايمز) ويقولون إنها لن تعمر طويلا في هذا العالم. الآن تنظرون حولكم لتجدوا أن وضعنا المالي أصبح أقوى وأكثر استقرارا. لدينا وفرة من المواهب ونحقق تقدما كبيرا».

سيستمر كيلر في الكتابة لمجلة «تايمز ماغازين» وككاتب عمود في صفحة الرأي بصحيفة «صنداي» الجديدة التي ستظهر للمرة الأولى في السوق الشهر الحالي. وقال سالزبيرغر إن مشاعره تجاه استقالة كيلر من منصبه كانت مختلطة، مشيرا إلى أن كيلر اتخذ قرار الاستقالة بمحض إرادته.

ولا يزال كيلر البالغ من العمر 62 عاما يخجل من سن التقاعد الإلزامي من منصب كبار المسؤولين التنفيذيين، لكن كانت فترة توليه لهذا المنصب تقترب من فترة تولي ماكس فرانكل وجوزيف ليليفيلد. وكان فرانكل وليليفيلد من بين الذين حضروا إعلان هذا النبأ في صالة التحرير. وكان كيلر طلب من جيل أبرامسون أن تشغل منصب مدير التحرير المسؤول عن الأخبار عام 2003 أثناء تكوينه لفريق كان يأمل أن يستعيد الثقة في الصحيفة بعد فضيحة جيسون بلير. وكانت جيل ضمن مجموعة المحررين الذين اصطدموا بهاول رينز، رئيس تحرير الصحيفة الذي أقيل بعد اكتشاف احتيال وغش بلير.

وقالت جيل البالغة من العمر 57 عاما إن تعيينها كرئيسة تحرير «شرف حياتها» وبمثابة «دخول الجنة» بالنسبة إلى فتاة نشأت في نيويورك وكانت تقرأ صحيفة «نيويورك تايمز» وهي صغيرة. وقالت: «ما يجمعنا دائما هو حب العمل والإخلاص له والصداقة والإيمان العميق برسالة الصحيفة وأهميتها. أتطلع إلى العمل معكم جميعا من أجل مستقبلنا. وفي ظل هذا التحول الكبير والمثير والذي يمثل تحديا، سوف نعبر سويا إلى بر الأمان».

يعد اختيار أبرامسون لتولي هذا المنصب حدثا هاما في مؤسسة كانت تختار دوما من يتولون إدارة مكاتب الصحيفة في الخارج أو الذين سبق لهم تولي المناصب الإدارية العليا ليشغلوا هذا المنصب.

بدأت أبرامسون العمل في الصحيفة عام 1997 بعد أن تركت العمل في صحيفة «وول ستريت جورنال» حيث ظلت تشغل منصب نائب رئيس مكتب الصحيفة بواشنطن وكصحافية استقصائية لمدة 9 سنوات. وسرعان ما ترقت في المناصب في صحيفة «نيويورك تايمز» حتى أصبحت محررة بمكتب واشنطن عام 1999، ثم رئيسة للمكتب عام 2000. وتخلت عن منصبها مؤقتا كمديرة تحرير العام الماضي ليتسنى لها اكتساب خبرة مباشرة في تحقيق التكامل بين طاقم العمل في الصحافة الورقية والرقمية.

واستغرقت وقتا طويلا يوم الخميس لسرد أسماء «أخواتها» اللاتي ساعدنها خلال مشوارها المهني ومنهن جانيت روبنسون، الرئيسة التنفيذية للشركة فضلا عن «كل المحررين الذين مدوا إليها يد العون».

وقالت أبرامسون في مقابلة إنها ستوجه انتباهها إلى المهام مع التركيز على دمج العمل في الصحافة الورقية بالصحافة الرقمية بشكل كامل والاحتفاظ بالمواهب الصحافية وجذب المزيد من الانتباه إلى الموقع الإلكتروني للصحيفة.

وأوضحت أنها تؤمن بأن من الممكن إدارة صحيفة «نيويورك تايمز» على نحو أكثر كفاءة. وقالت: «لدينا ثقافة التوافق في الصحيفة وهذا أمر رائع. لكنه يعد مقيدا في صحف أخرى. أعتقد أن من الممكن الاحتفاظ بالجوانب الإيجابية من هذه الثقافة. لكنني أعرف أن آرثر يشعر بالقلق من إرساء ثقافة الكفاءة والمتابعة».

كان الطلب من باكيت أن يتولى منصب النائب هو أول خطوة هامة تقوم بها أبرامسون. وسيتولى باكيت بصفته مدير تحرير الأخبار مسؤولية الإشراف على التقارير الإخبارية اليومية. وقال باكيت إنه يعتزم القيام بذلك من خلال التعاون المباشر مع المحررين والمراسلين. وقال للمحررين: «هدفي الرئيسي هو الاقتراب قدر الإمكان من المحررين من خلال إدارة صالة التحرير والتحدث مع المحررين والمراسلين يوميا والتأكد من أننا نقدم الموضوعات والأخبار الصحافية الهامة ونستمتع بهذا». وأضاف: «أنا هنا لأستمع إليكم ولأفكاركم ولتشجيعكم على أن تكونوا طموحين وتندفعوا نحو الخبر الصحافي أينما كان ومتى حدث». يشار إلى أن باكيت عمل في مجال الأخبار والتحرير في عدد من كبرى الصحف وأكثرها تأثيرا في الولايات المتحدة منها «شيكاغو تريبيون» و«تايمز بيكايون» في نيو أورلينز. وقد عمل كمحرر أخبار محلية في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أن يتولى منصب مدير التحرير بصحيفة «لوس أنجليس تايمز» عام 2000 وأصبح رئيس تحرير الصحيفة عام 2005، لكنه تركها عام 2006 بعد توتر علاقته بأصحاب الصحيفة نتيجة محاولاته للتصدي للاستغناء عن المزيد من المحررين. وسرعان ما تم تعيينه رئيس مكتب صحيفة «نيويورك تايمز» في واشنطن. وقال باكيت، البالغ من العمر 54 عاما والذي طالما نظر إليه باعتباره المنافس الأكبر لأبرامسون على منصب رئيس التحرير، إن علاقته برئيسة التحرير الجديدة علاقة تعاون لا تنافس. وأوضح في مقابلة قائلا: «لقد بذلت جيل أبرامسون جهدا كبيرا حتى أعود للعمل في الصحيفة. وطالما اعتقدت أن الحديث عن التنافس مبالغ فيه، فقد كان موضوعا صحافيا مثيرا. لقد كانت رئيستي في العمل على مدى الأربع سنوات الماضية وكانت في الوقت ذاته صديقتي، لذا من البديهي أن نتمكن من العمل سويا». أما فيما يتعلق بخطط كيلر المستقبلية، فيقول إنه لا يزال يفكر في تفاصيل عموده في صفحة الرأي وعمله في المجلة. ولم يستبعد كيلر سوى مشروع واحد، حيث قال: «لن أؤلف كتابا عن صحيفة( نيويورك تايمز)».

* خدمة «نيويورك تايمز»