مسؤول الشؤون المالية للثوار الليبيين قيادي جريء.. طلب في بداية الثورة سرقة مصرف

الطرحوني تخلى عن وظيفته كأستاذ للاقتصاد بجامعة واشنطن ليلتحق بالثوار.. ويؤكد: للأسف نحن مفلسون

ثوار ليبيون يتخذون موقعا عسكريا تحت أحد الجسور بالقرب من مدينة زنتان (رويترز)
TT

يجب شراء ناقلة وقود الديزل وتحتاج حقول النفط إلى حماية. يحتاج مجموعة من الشباب مساعدة حتى لا يتم إجلاؤهم من منازلهم، وتريد سيدة عجوز الشعور بالاطمئنان بأن كل شيء يسير على ما يرام. يوم الأحد أخذ علي الطرحوني يكرر طلب المساعدة لساعات ويتحدث عن الأزمات خلال فترة من النهار ولم يتوقف ذلك إلا عندما طلب الاستراحة لبضع دقائق قام خلالها بتدخين سيجارة في حديقة مكتبه المطل على البحر. ففي مدينة هائمة بلا قائد، كثيرا ما ينظر إلى الطرحوني ليس فقط باعتباره المسؤول عن إدارة الشؤون المالية والاقتصادية في المجلس الانتقالي، بل الشخص الذي يعتمد عليه والأذان مصغية، وربما يكون الشخص الذي هم في أشد الحاجة إليه، حيث يقول معارضو القذافي إنهم مفلسون.

لشهور تمكنت الغارات الجوية التي تشنها قوات حلف شمال الأطلسي من مساعدة الثوار على التقاط أنفاسهم من خلال حمايتهم وحماية معقلهم في بنغازي من هجوم قوات القذافي. لكن قال الطرحوني إنهم ربما يدخلون إلى نفق مظلم، ما لم يتم ضخ أموال سريعا. وقال إن الحكومة القطرية، التي تعد من أكبر الدول التي تدعم الثوار ماليا: «لم تأت لإنقاذنا» من خلال شراء وقود الديزل الذي تحمله ناقلة على الساحل حاليا، وإن التيار الكهربائي سوف ينقطع عن مدينة بنغازي بحلول منتصف الأسبوع الحالي. وقال وهو يوضح العقبات التي تمنع وصول الأموال إلى الثوار: «لقد سئمت من كل ذلك. ليس لدينا سوى أيام قليلة وينقطع التيار الكهربائي عن المدينة».

وبصفة الطرحوني المسؤول عن إدارة الشؤون المالية والاقتصادية بالمجلس الانتقالي، يعد من أكثر شخصيات الثورة انتقادا حيث يحاول الإطاحة بالقذافي. ويحظى هذا التوجه حاليا بدعم دولي كبير. وقدم الطرحوني نفسه باعتباره قائدا براغماتيا جريئا طلب من الثوار في بداية أيام الثورة سرقة فرع للمصرف المركزي في بنغازي، حيث وجدوا ما يقرب من 320 مليون دولار. وقال الطرحوني وهو يشرح كيف استطاعوا فتح الخزينة: «لقد قمنا بعمل فتحات بها».

يتمتع الطرحوني بمكانة مميزة متفردة بين قادة المعارضة، فبصفته أستاذ اقتصاد ذا نزعة شعبوية يمثل همزة الوصل بين المعارضين المتخصصين الذين عادوا من المنفى أو لا يزالون في الخارج وبين الأكاديميين الذين لم يغادروا الوطن والمسؤولين السابقين في حكومة القذافي. إنه صريح في وصفه للوضع المتدهور للثوار حيث يستخدم كلمات تصل إلى حد الابتذال في حديثه عن المتبرعين المماطلين.

في الوقت ذاته يبدو الطرحوني، الذي تخلى فجأة عن وظيفته كأستاذ للاقتصاد بجامعة واشنطن لينضم إلى الثورة، سياسيا مخضرما. ففي جولة أخيرة له في قاعة محكمة بمدينة بنغازي، التي تعد قلب الثورة الليبية النابض، كان منشغلا بالمصافحة والوقوف مع الأطفال أمام عدسات التصوير.

لكن ينصب اهتمام الطرحوني في الأساس على العثور على الموارد المالية، لكنها ليست بالمهمة السهلة خاصة منذ أن سرق الثوار المصرف. وقد خابت مساعي الحصول على قروض من الولايات المتحدة بضمان الأصول الليبية المجمدة، وأوضح قائلا: «لقد عقدت اجتماعين مع وزارة الخزانة الأميركية. لم يكن الاجتماعان مثمرين من وجهة نظري». ولم يتمكن الطرحوني، ابن تاجر من بنغازي، من الحصول على ثروة ليبيا النفطية، فعقب هجمات القوات الموالية للقذافي على المنشآت النفطية في أبريل (نيسان) الماضي، أدى إما إلى توقف إنتاج النفط وإما إلى تباطؤ حركته، ورفض الثوار توضيح الفرق بين الحالتين. وقال الطرحوني إنه لن يتم استئناف إنتاج النفط بشكل كامل حتى يتم تأمين المنشآت النفطية، لكنه أوضح أيضا أن الثوار استبعدوا الاستعانة بمرتزقة لحماية المنشآت. بدا الطرحوني حريصا وهو يتحدث عن هذا القرار وهو ما يعد أمرا نادرا بالنسبة إلى الثوار الذين بدوا عازمين في وقت من الأوقات على القيام بكل ما هو ضروري للتخلص من القذافي والذين يعتمدون على القوى الخارجية للاستمرار في القتال. وقال الطرحوني الذي يحيط بمكتبه أفراد من شركات أمن خاصة: «لن أكرر ما حدث في العراق». وكان حريصا أيضا في التعبير عن رد فعله على العرض الخاص بالعفو عن مسؤولي حكومة القذافي الذي قدمه مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، في نهاية الأسبوع الحالي فيما يعد محاولة أخرى لوضع حد للصراع سريعا. ورغم أن لغة العرض كانت محيرة، بدا على عبد الجليل أنه يقترح عفو الثوار عن المسؤولين الذين ينشقون الآن على النظام، أيا كان ما فعلوه.

وقال الطرحوني إن هذه القضية أكثر تعقيدا من ذلك، وأشار إلى أن بعض الناس يستحقون العفو، في حين ينبغي محاسبة البعض الآخر، خاصة هؤلاء «الملطخة أيديهم بالدماء». وبدأ نشاط الطرحوني السياسي عندما كان طالبا جامعيا في بنغازي، ثم استمر بعد تخرجه وخلال فترة الدراسات العليا بجامعة ميتشيغان. وكان من بين زملائه في الجامعة موسى كوسا الذي أصبح فيما بعد أحد المقربين من القذافي. وبعد تنفيذ حكومة القذافي لأحكام إعدام بحق الطلبة الذين يمارسون نشاطا سياسيا في منتصف السبعينات، تذكر الطرحوني كيف اضطر هو وطلبة ليبيون آخرون إلى إجبار كوسا على توقيع خطاب «وصف فيه القذافي بالقاتل». والجدير بالذكر أن انشقاق كوسا على نظام القذافي في نهاية مارس (آذار) الماضي ضيق الخناق عليه.

وتعرف الطرحوني على ماري لي، المحامية التي تعمل لدى مدعي واشنطن العام والتي أصبحت زوجته فيما بعد، خلال فترة دراسته في ميتشيغان. والطرحوني حاليا في إجازة غير مدفوعة الأجر من جامعة واشنطن ولا تزال أسرته في الولايات المتحدة. ويعتزم أحد أبنائه اللحاق به في بنغازي قريبا، وأوضح الطرحوني أنه ينتوي إيجاد عمل له. وفي يوم من أيام الأحد، بدأ رحلة البحث عن أموال مبكرا تقريبا في الثامنة والنصف صباحا انطلاقا من مكتبه في فيللا إيطالية تعود إلى حقبة الثلاثينات. وكان الطرحوني يجلس مع نحو عشرة من مساعديه أمام أجهزة الكومبيوتر المحمول على طاولة اجتماعات طويلة يفكرون في الشخص الذي يستطيع معالجة أمر الناقلة وكيفية تخصيص الأموال لمدن غرب ليبيا التي تتعرض لهجوم مستمر من القوات الموالية للقذافي والتي في حاجة ماسة إلى النقود والوقود.

وقال الطرحوني: «هناك أماكن محاصرة والناس تموت كل يوم ولا أستطيع أن أساعدهم. لست متأكدا من أن هذه الرسالة البسيطة الواضحة تصل إلى أصدقائنا». جاء مندوبون من الأمم المتحدة وفرنسا لزيارته في مكتبه وغادروا دون أن يقدموا له حلا لما يواجهه من مشكلات. وفي نحو الساعة الرابعة اتجه نحو غرفة في الطابق السفلي من الفيللا محاولا أن يغفو قليلا، لكن سرعان ما أيقظه أحد المساعدين. وحث في مؤتمر صحافي حكومات الدول الأجنبية على تقديم مساعدات مالية لهم، مظهرا عاطفة ومجازفة سياسية أيضا.

في وقت لاحق أثناء جولته في مركز شباب في مبنى كان في السابق مخصصا للأمن، سأل الناشطين الشباب عن دخلهم الشهري وتحدث بصراحة عن عدم قدرته على مساعدتهم. وقال: «للأسف نحن مفلسون». وعبر في طريق عودته من زيارة لأحد رجال الأعمال في المدينة الذي يقوم بأعمال خيرية، عن قلقه من أمر الناقلة، قائلا: «الوقت يمر وأنا في حاجة إلى 90 مليون دولار». من الصعب التكهن بالدور الذي سيلعبه الطرحوني وقادة الثوار الآخرون في المستقبل. لقد قالوا إنهم لن يخوضوا أي انتخابات قبل أن يتنحى القذافي، لكن يمكنهم خوض انتخابات بعد ذلك. لكنهم برزوا في الوقت ذاته من خلال الأدوار التي اختاروها لأنفسهم وحصلوا على اعتراف بدولة أكثر قادتها السياسيين غير معروفين.

في مساء أحد الأيام بينما كان يسير في الشوارع المحيطة بقاعة المحكمة، تجمهر الناس حول الطرحوني الذي شاهدوه على شاشات التلفزيون أو في مقاطع مصورة على موقع «يوتيوب» خلال الثورة عندما طلب من قوات القذافي عدم إطلاق النار على المتظاهرين. وتذكر وهو يسير في تلك الشوارع المدينة الصاخبة التي غادرها عام 1974 والمقهى الذي كان يقابل فيه أصدقاءه ويتحدث معهم بحماس عن جمال عبد الناصر، الرئيس المصري آنذاك، والمسرح الذي شاهد على خشبته أروع العروض الفنية، منها حفلات فيروز وعبد الحليم حافظ.. لكن المدينة التي يراها أمامه الآن ليست سوى مدينة مدمرة، جعلت الثورة من الصعب تخيلها كما كانت في الماضي. وقال: «كلما طال الوقت، بات عليك الاعتماد على نفسك كليا لتتذكر كيف كانت تلك المدينة!».

* خدمة «نيويورك تايمز»