مسلمو فرنسا ينتخبون مجلسهم التمثيلي وسط انقسامات قديمة

اثنان من المكونات الثلاثة الرئيسية للجالية يتجهان لمقاطعة العملية

TT

يتوجه مسلمو فرنسا اليوم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم في 25 مجلسا محليا للديانة الإسلامية، الذين يجتمعون بدورهم في 19 من الشهر الحالي لاختيار رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ومكتبه التنفيذي.

غير أن هذه الانتخابات التي تجرى مرة كل ثلاث سنوات، تتم على خلفية انقسامات حادة بين مكونات الإسلام الفرنسي. فإلى جانب النزاعات «التقليدية» بين المسلمين الذين يقدر عددهم ما بين 5 و6 ملايين نسمة، يتوقع أن تجرى الدورة الحالية وسط مقاطعة واسعة على الأقل من مكونين أساسيين للمجلس: ممثلي مسجد باريس الكبير والمساجد التابعة له من جهة، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا. الأول، يتشكل بصورة رئيسية من المسلمين المتحدرين من أصول جزائرية ويرأسه عميد مسجد باريس الدكتور دليل بو بكر، الذي سبق له أن ترأس بدعم من الرئيس نيكولا ساركوزي مرتين المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. والثاني، القريب فكريا من الإخوان المسلمين، يمثل الإسلام الصاعد في فرنسا على الصعيد الشعبي. غير أنه لم ينجح بعد في تحويل شعبيته إلى أصوات ومقاعد.

وفي المقابل، فإن تجمع مسلمي فرنسا الذي يضم بشكل أساسي المسلمين المتحدرين من أصول مغربية دافع باستمرار عن الانتخابات وضرورة إجرائها واحترام الاستحقاقات و«اللعبة الديمقراطية». والحال، أن رئيس المجلس المنتهية ولايته محمد موسوي ينتمي إلى هذا التجمع ومرشح لأن يستمر في منصبه. لكن المعضلة أنه إذا تمت انتخابات الغد في ظل المقاطعة، فإن المجلس ستضعف سلطته وسيكرس انقسام المسلمين الذين يشكلون الديانة الثانية في فرنسا بعد الكاثوليكية. وبالنظر إلى التحديات التي يواجهها الإسلام في فرنسا واستهدافه سياسيا من قبل اليمين المتطرف وبعض اليمين التقليدي وتضعضعه وعجزه عن إظهار صورة موحدة وإفراز تنظيم فاعل، فإن تعميق الشرخ سيزيد المسلمين ضعفا على ضعف.

في عام 2003، كان نيكولا ساركوزي يشغل وزارة للداخلية. وجعل وقتها همه إيجاد هيئة تمثل مسلمي فرنسا وتكون محاورا وحيدا للدولة على غرار ما هو عليه المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا. ولكون الديانة الإسلامية حديثة العهد في فرنسا، فإنها كانت مغبونة على أكثر من مستوى. ولذا، فإن الفكرة قامت على أساس إيجاد هيئة تتمتع بتمثل حقيقي وتتخطى نزاعات الانتماء والأصل والضغوط والتأثيرات الخارجية، سواء المالية أو المرتبطة بالجنسية، فضلا عن معالجة مطالب المسلمين مثل أماكن العبادة والمدافن واللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وتنشئة الأئمة وكل باب من هذه الأبواب موضع نزاعات وخلافات.

ونجح ساركوزي في التوفيق بين الآراء المختلفة، مقترحا مجلسا من مستويين: إقليمي، ويتشكل من 25 فرعا وهيئة عامة تنتخبها المجالس الإقليمية. واتفق وقتها على أن تكون قاعدة الحساب لأعداد المندوبين الذين يحق لكل مسجد انتخابهم مساحة المسجد بالأمتار المربعة. وهكذا، فالمساجد الكبيرة ترسل أكبر أعداد من المندوبين الذين ينتخبون بموجب لوائح.

غير أن المشكلة تكمن في أن مسجد باريس وكذلك اتحاد المنظمات الإسلامية، يرفضان اليوم هذه القاعدة التي قبلاها بالأمس. والرأي السائد لديهما أنها تعطي الأفضلية للمناطق الريفية على حساب المدن وأن الأمتار المربعة لا يمكن أن تكون معيارا لقياس نفوذ مسجد أو قياس تأثيره الديني والفكري والثقافي والاجتماعي. وبما أن المسلمين من أصول مغربية أوسع انتشارا من المنظور المناطقي وبالتالي لديهم قاعات للصلاة أكثر من غيرهم، فإنهم يسيطرون عدديا على المجالس المحلية وبالتالي على الهيئة العامة.

وكانت هذه المكونات الثلاثة تتواجد داخل المكتب التنفيذي في العهود الثلاثة المنقضية. لكن كلما لاحت في الأفق انتخابات جديد،ة تعود الجراح القديمة إلى البروز على سطح الأحداث لتزيد انقسامات المسلمين. وحتى تستكمل الصورة، تعين الإشارة إلى أن المسلمين «العلمانيين» يرفضون المجلس المذكور ويعتبرون أنه يفتقد إلى التمثيل الصحيح. وأبعد من ذلك، فإن مسلمي فرنسا ما زالوا واقعين تحت تأثير إشكاليات بلادهم الأصلية التي ما زالت، حتى الآن، خلافية بامتياز.