الكريكيت يزدهر في ضواحي روما.. والسبب المهاجرون الآسيويون

شبان من جنوب آسيا يقبلون على اللعبة كهواة.. والوضع القانوني يحول دون مشاركاتهم الرسمية

فريق غرين بانغلا تغلب على نظيره بياتزا فيتوريو في روما مؤخرا (نيويورك تايمز)
TT

في يوم أحد مشمس داخل ملعب يقع في ضواحي المدينة، كان من الممكن سماع أصوات الجماهير المبتهجة: «هيا، هيا.. أسرع، أسرع»، هكذا صاح واحد من الجماهير بالإيطالية من الخطوط الجانبية للملعب مخاطبا لاعبا يعدو بقوة على ملعب مكسو بالعشب. وصاح آخر: «انتبه».

لكن لم يكن هذا دوري كرة القدم المعتادة إقامته في نهاية الأسبوع. فقد ظهر اللاعبون، الذين كان معظمهم من جنوب آسيا، مرتدين سراويل بيضاء وسترات لها فتحة رقبة على شكل حرف «V»، أو قمصان سوداء، وكانوا يلعبون الكريكيت. كان بياتزا فيتوريو، الفريق الشاب المشاكس الذي أخذ اسمه من اسم حي يضم أعراقا مختلفة في روما، في مواجهة فريق غرين بانغلا، أبطال دورة الكريكيت للهواة، المقامة للعام الثالث الآن في روما.

كانت المباراة مقامة في الجزء العشبي من حلبة سابقة لسباقات الكلاب تم تحويلها إلى جمعية ثقافية. وكان مكتوبا على حوائط الاستاد شعارات ملونة. وقد تبعثرت زجاجات البيرة المحطمة بساحة وقوف السيارات، وبالقرب من الملعب وقفت الأسر تحت شمس الظهيرة القائظة تجمع أكواما من الملابس المستعملة المكدسة بالقرب من سلة مهملات.

وفي هذه الرقع المتطرفة من المدينة، التي تم تخليد ذكرى المخططين والحالمين فيها في بداية الستينات من القرن الماضي من قبل المخرج الإيطالي بيير باولو باسوليني، بدأت تظهر روما جديدة. وهي مليئة ببنغاليين وسريلانكيين وباكستانيين وهنود وغيرهم من المهاجرين الذين يحدثون تحولا بهدوء في نسيج إحدى أكثر مدن أوروبا تجانسا في التكوين، مازجين معتقداتهم بصبغة رومانية.

في المجتمعات الجنوب آسيوية في روما «يحب الأطفال الكريكيت أكثر من كرة القدم»، هذا ما قاله إقبال حسين، مدير فريق غرين بانغلا وهو واقف على الخطوط الجانبية للملعب يدخن السجائر ويصيح بتوجيهاته باللغة البنغالية إلى اللاعبين. وأضاف: «أردت أن أدفع المجتمع نحو توظيف الرياضات والثقافة» بالإسهام في تنظيم الدورة الرياضية.

وذكرت منظمة الإعانة الكاثوليكية (كاريتاس) أن هناك 74 ألف بنغالي مقيم في إيطاليا بشكل قانوني و75 ألف سريلانكي ونحو 65 ألف باكستاني. غير أن الخبراء يقدرون أن هناك عددا يتراوح بين 65 ألفا و70 ألف شخص من جنوب آسيا يعيشون بشكل غير قانوني في روما. ويعمل كثير من الرجال كندلاء أو يديرون متاجر.

ومثل الكثير من أوائل المهاجرين البنغاليين إلى روما، أتى والدا حسين إلى روما في السبعينات من القرن الماضي وعملا بسفارة بنغلاديش هنا، ثم قاما لاحقا بجلب بقية أفراد الأسرة. والآن، يعمل حسين، 45 عاما، فنيا بشركة الطاقة الإيطالية «إيتالغاز» ويقول إنه سعيد بحياته في روما.

«منذ عشرين عاما، كان عدد المهاجرين أقل في البلاد».. هذا ما قاله حسين، الذي بدا مرتديا نظارة شمسية عاكسة للضوء وقميصا أبيض له ياقة من دون أزرار، ومظهره أنيق. وأضاف: «لكن قبل 20 عاما، كان هناك عدد أكبر من الوظائف».

في حقيقة الأمر، نشأ بعض لاعبي غرين بانغلا، وجميعهم في العشرينات من عمرهم، في روما، وقالوا إنهم يرغبون في البقاء بها. لكنهم ذكروا أنه في السنوات الأخيرة زادت صعوبة العثور على وظيفة. وقال راسن حكيم، 22 عاما، اللاعب بنادي غرين بانغلا: «أنا أعيش هنا في روما منذ أن كنت طفلا؛ لذلك عليَّ بالطبع أن أفكر في مستقبلي هنا».

وقال حكيم إنه جاء إلى روما قادما من بنغلاديش وهو في الـ11 من عمره للحاق بوالده الذي كان قد أتى إلى روما عام 1992.

تحدث وعلى وجهه ابتسامة خجول قائلا: «في البداية، لم أتحدث الإيطالية. ولكي أتقن الإيطالية، كان عليَّ أن أشاهد الكثير من أفلام الرسوم المتحركة على شاشة التلفزيون». وقد أنهى دراسته الثانوية ويقول إنه يرغب في إيجاد عمل ثابت كنادل أو مدير مطعم. وفيما يتعلق بالاقتصاد والمجتمع متعدد الثقافات، أضاف: «حتى الإيطاليون أنفسهم أدركوا أن إيطاليا الآن ليست مثلما كانت منذ 5 أو 10 سنوات مضت».

وفي الملعب القريب، جرت وقائع المباراة الساخنة يوم الأحد، وصاح أحدهم: «ضربة ركنية». وقف حسين مصرف، كابتن فريق غرين بانغلا، وهو يحمل لوحا مشبكيا متابعا إحراز الأهداف والأشواط وحركة عصي الكريكيت، ومدونا اسم كل لاعب بأحرف كبيرة، إلى جانب رقم تصريح إقامته. ولأن الدورة تنظمها جمعية الرياضة الوطنية الإيطالية، فإنه يتعين على جميع اللاعبين أن يكونوا مقيمين بشكل قانوني في إيطاليا.

وقال مصرف، 29 عاما، الذي كان كابتن الفريق لمدة 4 سنوات، قبل أن ينضم الفريق بشكل رسمي إلى الدورة: «كان من المفترض أن يرسل الدوري مسجلا للأهداف في المباراة، لكن لم يظهر أحد حتى الآن». وأضاف: «نظمت الفريق لأنني أفتقد الكريكيت. وفي مدينتي الأم، طالما كنت ألعب الكريكيت».

ويقول مصرف، الذي يعيش في إيطاليا منذ 8 سنوات ولعب في سلسلة B من دوري الكريكيت للمحترفين، إنه يحب وظيفته بشركة توريد الأطعمة التي تعد طبق الأرز المقلي مع الكفتة، والذي يعتبر من الأطباق الرومانية المعروفة، لكنه ليس واثقا مما إذا كان سيقيم في إيطاليا أم لا. وقد توفي والده منذ عامين، وبعد أن عادت أمه إلى بنغلاديش، قال في هدوء: «والآن، بت هنا وحدي».

وخلال فترة راحة بين الأشواط، كان فيدريكو مينتو، الذي ساعد في إقامة دورة الكريكيت وواحد من الإيطاليين الاثنين اللذين يلعبان بفريق بياتزا فيتوريو، يشد من أزر لاعبي الفريق، وأغلبهم في سن المراهقة. ويعتبر اللاعب الإيطالي الآخر في الفريق هو فيرناندو تشيتاديني (16 عاما). وقال: «استمتعت لأنني رأيت أطفالا يلعبون في منطقتي». ويعني اسمه الأخير كلمة «مواطن» بالإيطالية. «لكنه ليس مواطنا صالحا»، هذا ما قاله سعد نجم، 23 عاما، وهو لاعب آخر في بياتزا فيتوريو، مازحا عن صديقه. وأضاف: «إنه يلقي أغلفة الحلوى على الأرض».

ومع انقضاء فترة الظهيرة، هبطت الروح المعنوية لفريق بياتزا فيتوريو، جراء خسارته أمام فريق غرين بانغلا الذي يضم لاعبين أكثر خبرة. ومع بدء غروب الشمس، تحدث لاعب من غرين بانغلا من دكة اللاعبين قائلا: «انظروا إلي.. لقد أحرزت 50 نقطة». وبدت لهجته الإيطالية المتقنة، كما لو كانت لهجة أحد سكان روما الأصليين.

* خدمة «نيويورك تايمز»