دعوات مغربية لتأكيد «التعدد اللغوي» في دستور البلاد

قبل أسابيع من استفتاء حول الدستور.. وباحثون يقترحون خمس لغات

TT

دعا مشاركون في ندوة حول التنوع اللغوي في المغرب إلى ضرورة تكريس الاعتراف الرسمي بالتعدد اللغوي في المغرب عبر إدراجه في الدستور، إلا أنهم اختلفوا حول عدد اللغات التي يجب أن ينص عليها الدستور، وتراوح العدد المقترح بين لغتين وخمس لغات. يشار إلى أن معلومات في الرباط تفيد أن مسودة الدستور الجديد المعدل باتت جاهزة وأنها ستطرح على استفتاء في يوليو (تموز) المقبل.

وعزا معظم المشاركون في الندوة، التي نظمت أول من أمس في «المدرسة العليا للتدبير» بالدار البيضاء تحت عنوان «المغرب المتعدد والبناء الديمقراطي»، ظهور إشكالية اللغة في المغرب إلى فترة الاستعمار الفرنسي، وبداية الحركة الوطنية التي تأثرت بنموذج الدولة الوطنية في فرنسا التي كانت تقوم على «صفاء الشعب الفرنسي»، وطرحت تصورا وحدويا للشعب المغربي يقوم على «شعب واحد وملك واحد ودين واحد ولغة واحدة» على حد قول الباحث حسن رشيق الذي شارك في الندوة، وأضاف رشيق أن الحركة الوطنية وجدت نفسها أمام تناقض بين الأيديولوجية التي تقول اللغة الرسمية للمغرب هي العربية، وبين التعدد اللغوي في الواقع اليومي، والذي تهيمن فيه اللغة الأمازيغية واللهجة المغربية بالإضافة إلى الفرنسية التي فرضت نفسها كلغة للأعمال والإدارة.

واتفق سيمون ليفي مدير المتحف اليهودي في المغرب مع رشيق في أن المسألة اللغوية بدأت تطرح في المغرب خلال فترة مقاومة الاستعمار، خاصة بعد إصدار سلطات الحماية الفرنسية لقانون كان يهدف التفريق بين العرب والبربر عام 1930، والذي كان رد فعل الحركة الوطنية عليه هو التشبث باللغة العربية. وأشار ليفي إلى وجود وثائق في المتحف اليهودي في الدار البيضاء تؤكد أن اليهود المغاربة في ذلك الوقت كانوا يطالبون بتعليم العربية في المدارس الخاصة بهم إلى جانب العبرية والفرنسية. وأوضح ليفي أن جذور إشكالية اللغة بالنسبة ليهود المغرب تعود إلى أواسط القرن 19، عندما فتحت فرنسا سلسلة مدارس الرابطة اليهودية العالمية في المغرب، والتي كان هدفها نشر الفرنسية في الأوساط اليهودية المغربية، وبالتالي كسب اليهود المغاربة وتحويلهم إلى عملاء واتخاذهم كأداة للتغلغل الاستعماري الفرنسي. وأشار ليفي إلى أن اليهود في المغرب والأندلس تركوا تراثا أدبيا كبيرا تمتزج فيه اللغة العربية بالعبرية. وقال: «في المتحف العبري في الدار البيضاء، لدينا كتب يهودية باللغة العربية الفصحى بالحرف العربي، ومؤلفات عربية بالحرف العبري، وكذلك مؤلفات عبرية بالحرف العربي. كان لدينا ثراء كبير في هذا المجال».

ويرى ليفي أن سياسة المغرب بعد الاستقلال اتجهت إلى ترسيخ مفهوم الوحدة الموروث عن الحركة الوطنية. وقال «تم اعتماد العربية كلغة رسمية، لكن هل أدى ذلك إلى تراجع الفرنسية؟ الذي حدث في الواقع هو العكس. فعدد الذين يتحدثون الفرنسية في المغرب ارتفع». ويعتقد ليفي أن على المغرب أن تكون له سياسة لغوية تعكس التعددية التي يعرفها في الواقع. وقال «على الدولة أن تدافع على التنوع اللغوي والثقافي، لا أتحدث عن الفرنسية لأنها تدافع عن نفسها، ولكن عن الأمازيغية واللهجة المغربية المحلية، بالإضافة إلى إدخال الإنجليزية». ويرى ليفي أن اللغة الأمازيغية واللهجة العربية المحلية يجب اعتمادهما في التعليم الأساسي، على الأقل كوسيلة لتبليغ المعلومات للتلاميذ. وقال: «لا أقول التخلي عن العربية الفصحى، فهي لغة القرآن وهي لغة الدين ويجب على كل مغربي تعلمها. لكن يجب أن لا ننتظر حتى يتعلم الطفل اللغة العربية الفصحى لكي نبدأ في تلقينه مبادئ الرياضيات».وقال «أعتقد أن أجمل بلد ليس الذي لديه لغة واحدة، بل الذي لديه خمس لغات، أو على الأقل ثلاث لغات، والتوصل من خلال ذلك إلى وحدة صلبة، وفي المغرب أعتقد أنه حان الأوان لننظر إلى ما نحن لكي نتجه إلى ما هو أفضل».

أما مريم الدمناتي، عضو المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، والباحثة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فترى أنه لا يكتفي الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية لتمكينها من الانبثاق، بل يتوجب في نظرها الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية في الدستور. وقالت الدمناتي «منذ خطاب الملك التاريخي في أجدير وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في 2002، ونحن نعاني. فرغم بعض الأشياء التي حققناها فإننا فشلنا في إدراج الأمازيغية في التعليم والإدارة، وصادفنا مقاومة في الوزارات التي يتولاها سياسيون غير متحمسين للأمازيغية». وترى الدمناتي أن تنصيص الدستور على الأمازيغية كلغة رسمية سيفتح الكثير من الأبواب أمام هذه اللغة لأنه سيحميها ويضمن احترامها.