رحلة صالح العلاجية.. الأمل في الحلول والخشية من الفوضى

محللون: من المحتمل ألا يعود صالح بعد رحلته رئيسا لليمن

عدد من المحتجين اليمنيين يرقصون ابتهاجاً بمغادرة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى السعودية في صنعاء أمس (رويترز)
TT

وصل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى السعودية السبت لحاجته إلى تدخل طبي عاجل بسبب جراح أصيب بها في هجوم جريء استهدف المجمع الرئاسي، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولون سعوديون، الأمر الذي غير فجأة حسابات سياسية سمحت لصالح بالبقاء في السلطة على الرغم من أشهر من الاحتجاجات وأعمال العنف.

وأدهش الرحيل المفاجئ لصالح اليمنيين، كما أنه قد يطرح تحديا خطيرا أمام الولايات المتحدة، التي تشعر بقلق عميق إزاء الفوضى المتزايدة داخل اليمن، بحسب ما يراه محللون. وقد فقدت الحكومة بالفعل السيطرة على بعض المحافظات النائية، ويبدو أن تنظيم القاعدة وجهاديين آخرين يستغلون الاضطرابات لتعزيز قاعدتهم داخل البلاد.

وقال مسؤولون سعوديون، تحدثوا شريطة عدم ذكر أسمائهم، إن صالح وافق على مغادرة اليمن بعد أن ساءت حالته الصحية إثر هجوم يوم الجمعة. وتحدث مستشار أوباما البارز المختص بشؤون اليمن، جون برنان، عبر الهاتف يوم السبت مع نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور الهادي، الذي قالت تقارير إخبارية إنه أصبح القائم بأعمال الرئيس بموجب الدستور اليمني.

ومن المحتمل أن يتأكد السعوديون من أن صالح، الذي يسيطر على مقاليد السلطة منذ 33 عاما، لن يعود كرئيس، بحسب ما يعتقده محللون – وهو هدف سعى من أجله السعوديون مع زعماء عرب آخرين بالمنطقة على مدار أسابيع من دون أن ينجحوا في الوصول إليه.

ولكن على الرغم من أن رحيل صالح قد يهدئ التوترات داخل صنعاء على المدى القصير، فإنه لا توجد خطة واضحة لانتقال سياسي دائم. وفي ظل الفراغ، يخشى الكثيرون من أن فصائل المعارضة اليمنية والمتظاهرين الشباب قد يبدأون اقتتالا مع بعضهم، مما يزيد من حدة مشكلات العنف الطائفي في الشمال وجهود الانفصال في الجنوب.

ويضع التهديد بحدوث المزيد من الفوضى السياسية ضغوطا هائلة على السعودية، الجار القوي لليمن، وعلى الولايات المتحدة، التي كانت تعول على صالح كحليف في مواجهة الإرهابيين. ويشار إلى أن صالح تمكن من المحافظة على حالة من السلم داخل دولة تتنازعها خلافات قبلية، ولكن السعوديين – الذين يريدون الاستقرار قبل أي شيء – أصبحوا يشعرون بالقلق من تراجع سيطرته في مواجهة احتجاجات استلهمت مما يطلق عليه «الربيع العربي».

وساعد الهجوم الذي وقع يوم الجمعة، وحمل صالح عائلة الأحمر المسؤولية عنه، السعوديين على التدخل بحسم. ورتبت السعودية لعلاج صالح ورحيله، كما قبلت 6 مسؤولين يمنيين بارزين جرحوا في الهجوم ورتبت لاتفاق وقف إطلاق النيران مع ميليشيا عائلة الأحمر القبلية القوية.

يذكر أن الميليشيا والحكومة بدآ الاقتتال في الشوارع قبل أسبوعين بعد أن تراجع صالح للمرة الثالثة عن اتفاق تزعمته السعودية يقضي برحيله عن منصبه، على الرغم من أنه لا يزال غير واضح من آثار هذه العداوات. وعلى الرغم من أن العلاقات بين صالح وعائلة الأحمر قد ساءت قبل عدة أعوام، فإن هوة الشقاق اتسعت مؤخرا فيما بدأت عائلة الأحمر دعم المتظاهرين في الشوارع، وقدمت أموالا للمحافظة على استمرار تحركهم على الرغم من الإجراءات الصارمة من جانب الحكومة.

ولم يكن واضحا مساء السبت ما إذا كانت الهدنة مع الميليشيات قائمة، حيث أفادت بعض التقارير بأن العاصمة صنعاء كانت هادئة في الأغلب، وقال آخرون إنه سمع صوت المدفعية مرة أخرى في مناطق تعد معقلا لعائلة الأحمر.

وما زالت تسيطر حالة من الضبابية حول تفاصيل هجوم يوم الجمعة والمعلومات الخاصة بحالة صالح الصحية. ويقول مسؤولون يمنيون إن صاروخا أو قذيفة «هاون» ضربت مسجدا داخل المجمع الرئاسي كان يصلي فيه صالح ومسؤولون بارزون آخرون. وأكد مسؤولون حكوميون على أن صالح أصيب بجروح خفيفة أو «كدمات»، على الرغم من أن الرئيس نفسه أشار إلى أن الهجوم كان قويا بالقدر الذي أدى إلى مقتل 7 حراس.

وأرجأ صالح خطابا للأمة عدة ساعات يوم الجمعة، وبعد ذلك أصدر تسجيلا صوتيا من دقيقتين بث على التلفزيون الحكومي مع صورة قديمة له. وبدا صوته حزينا رصينا فيما أخبر المواطنين أن عائلة الأحمر تقف وراء الهجوم. ومنذ ذلك الحين، كثر الكلام حول طبيعة الجراح التي أصيب بها، وقالت بعض التقارير الإخبارية العربية إن بعض القطع الخشبية دخلت في جسمه.

وبعد الهجوم، بدأت قوات حكومية إطلاق قذائف «آر بي جيه» وقذائف «الهاون» على منزل حميد الأحمر. وقال متحدث باسم الأحمر إن 19 شخصا قتلوا في الهجوم على منزله يوم الجمعة. وقد نفت عائلة الأحمر مسؤوليتها عن الهجوم على المجمع الرئاسي.

وأكد صادق الأحمر يوم السبت على أن السعوديين رتبوا لهدنة، وقال إنه سيحترمها. ولكنه أضاف أن الحكومة لم توف بتعهداتها برفع القوات الأمنية من المنطقة المحيطة بمجمع الأحمر في منطقة الحسبة شمال صنعاء، حيث تركز القتال على مدار الأسبوعين الماضيين.

وفي جنوب صنعاء يوم السبت، بدا أن قوات حكومية تنسحب من تعز، وهي مدينة مهمة في مرتفعات اليمن الوسطى، حيث رفع متظاهرون وقبليون متعاطفون معهم السلاح ضد الجنود الحكوميين. وكانت الدبابات قد نشرت داخل المدينة يوم الجمعة، وأعرب الكثير من السكان المحليين عن خشيتهم من تكرار الإجراءات الوحشية التي وقعت الأسبوع الماضي وقتل فيها الكثير من المحتجين. ولكن بعد مصادمات أخرى بين رجال قبليين مسلحين وجنود، بدا الجيش قد تراجع إلى قواعده.

ويقول الناشط رياض الأديب: «لا يوجد أي جنود في الشوارع حاليا، ولا توجد نقاط تفتيش داخل المدينة. ولا يوجد سوى القبليين المسلحين الذين جاءوا لحمايتنا».

ويقول محللون إن السعودية ما كان لها أن تسمح لصالح بالمجيء إلى الرياض من دون الحصول على تعهد بأنه سيستقيل في النهاية من منصبه الرئاسي. وخلال الأسابيع الأخيرة، حث الملك عبد الله شخصيا صالح على التوقيع على صفقة يرعاها مجلس التعاون الخليجي. وكان الاتفاق يدعو إلى التنازل عن السلطة مقابل حصانة من المقاضاة يتمتع بها وعائلته.

كما ضغطت الولايات المتحدة على صالح كي يتنحى، ورأت أن الرحيل المنظم سيكون بداية لمرحلة انتقالية تقلل من الأزمة السياسية اليمنية وتسمح للسلطات باستعادة السيطرة على المحافظات النائية داخل اليمن، وكذا السيطرة على الجهاديين هناك.

وفي الأسبوع الماضي أرسل أوباما برنان إلى السعودية للمساعدة على الوصول إلى سبيل لإخراج صالح من السلطة. وأظهرت الزيارة ضعف تأثير الولايات المتحدة على صالح الذي ظل على مدار أعوام شريكا غير ملائم بصورة محبطة – على الرغم من تعاونه في مجال مكافحة الإرهاب.

والآن تجد السعودية نفسها في موضع قوة، حيث يعتمد الرئيس اليمني بدرجة أكبر من ذي قبل على جيرانه الأغنياء بالنفط. ولكن يواجه السعوديون خيارات صعبة – علما بأنهم دائما ما واجهوا مشكلات في التعامل مع الساحة السياسية المعقدة داخل اليمن.

وإذا تنحى صالح، فأمامهم مسؤولية تأسيس نظام سياسي جديد داخل دولة لها تطلعات ديمقراطية، ولكن ليس بها سوى القليل من المؤسسات الفاعلة.

* ساهمت في إعداد التقرير لورا كاسنوف من هاجرترز تاون بولاية ماريلاند، ونيل ماكفاركوهار من الرياض، وسكوت شين من واشنطن، وناصر الربعي من صنعاء.

* خدمة «نيويورك تايمز»