مقتل 20 متظاهرا وإصابة المئات في صدامات على الحدود السورية الإسرائيلية

السلطة وحماس ولبنان تمنع الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي في ذكرى حرب 1967 > التلفزيون السوري: الآلاف يعتصمون في مدينة القنيطرة

شاب فلسطيني يستخدم «النقيفة» لقذف جنود الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة عند حاجز قلنديا بين رام الله والقدس (أ.ب)
TT

في ذكرى يوم حرب 1967، دخلت القوات الاسرائيلية في مواجهات شرسة مع متظاهرين على الحدود مع سوريا، داخل الجولان المحتلة، حيث تصرف الجيش الإسرائيلي بشراسة مع مسيرة اللاجئين، خصوصا عندما حاول بعض المتظاهرين اقتحام السياج وغرس العلم الفلسطيني والسوري على الأرض المحتلة. فأطلق القناصة من جنود إسرائيل الرصاص عليهم بكثافة، فضلا عن إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع. وبينما نقلت (رويترز) عن وسائل إعلام سورية أن 20 متظاهر سقطوا شهداء في ما أسموه معركة العودة، وأن المئات اصيبوا بجروح، قالت إسرائيل إنها لا تمتلك أي دليل على أن أحدا قد قتل، وان جنودها أطلقوا على الجزء السفلي من الأجساد، وان 30 شخصا قد جرحوا.

وكان لافتا اعتصام شبان سوريون وفلسطينيين في مدينة القنيطرة السورية التي تدفق عليها امس آلاف الاشخاص، وفق التلفزيون السوري.

وكانت قوات الجيش الإسرائيلي قد أعلنت حالة تأهب قصوى منذ ساعات صباح يوم الجمعة، تحسبا من إمكانية اقتحام آلاف الفلسطينيين الحدود في الجولان السورية المحتلة أو لبنان، مثلما حصل في إحياء ذكرى النكبة في 15 مايو (أيار) الماضي. وراح يعد الرأي العام إلى حرب على أربع جبهات، قائلا إن قواته في حالة تأهب قصوى في محيط قطاع غزة وفي الضفة الغربية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان. لكن المخابرات الإسرائيلية توقعت أن يتركز الاقتحام من جانب متظاهرين على الحدود مع سوريا، وخصوصا في منطقتي القنيطرة في الوسط ووادي الصيحات شمال مجدل شمس. وعليه فقد عززت الأسلاك الشائكة على الحدود في مجدل شمس، وحفرت فيها عدة حفر بعمق عشرة أمتار، وأعلتها منطقة عسكرية مغلقة. وأعلنت أنها ستمنع وصول فلسطينيين من سكان إسرائيل (فلسطينيي 48) إلى المنطقة التي اقتحمها اللاجئون الفلسطينيون في ذكرى النكبة. وعندما وصل وفد من الحزب الديمقراطي العربي، بقيادة النائب طلب الصانع، رئيس الحزب، أوقفوه على أحد الحواجز وسمحوا له أن يلقي خطابا هناك ويعود أدراجه.

وفي مجدل شمس نفسها حاول بعض المواطنين السوريين التضامن مع إخوتهم القادمين من الشرق، فمنعتهم قوات الجيش الاسرائيلي وكذلك رجال الدين في القرية، الذين قالوا إنهم ليسوا معنيين باشتباكات مع الجيش الاسرائيلي حاليا.

وداخل الاراضي المحتلة، سيطرت قوات الشرطة الفلسطينية التابعة للسلطة في الضفة الغربية ولحركة حماس في قطاع غزة على نقاط التماس مع الجيش الإسرائيلي، ومنعت الاحتكاك بين متظاهرين فلسطينيين والجيش على نطاق واسع لدى إحياء الفلسطينيين ذكرى حرب يونيو (حزيران) عام 1967، ورغم ذلك تفجرت مواجهات في الضفة الغربية في مناطق لا تسيطر عليها السلطة، كان أعنفها ما وقع عند حاجز قلنديا شمال القدس. ورشق فلسطينيون غاضبون الجيش الإسرائيلي بالحجارة، ورد الجيش بإطلاق العيارات النارية وقنابل الغاز، ما أدى إلى إصابة العشرات بالرصاص المطاطي والاختناق، وفق مصادر طبية.

وقالت مصادر في الهلال الأحمر الفلسطيني إن غالبية الإصابات التي وقعت خلال المواجهات كانت طفيفة، وجرى علاجها ميدانيا، بينما نقل 10 مصابين بالرصاص على الأقل إلى مستشفيات رام الله.

ومنعت الشرطة الفلسطينية توجه مسيرات إلى نقاط إسرائيلية أخرى في الضفة. وقالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إنه لا نية لدى السلطة بإرسال الشبان للموت على حواجز إسرائيلية.

وكانت حماس قد فعلت الأمر نفسه ومنعت مسيرة شعبية دعت إليها الحملة الشعبية لمقاومة «الحزام الأمني الإسرائيلي» من التوجه نحو الحدود الشرقية من محافظة خان يونس في بلدة خزاعة للاحتجاج، حسب ما قالته مصادر الحملة، التي عبرت عن استهجانها لهذا الإجراء، واعتبرته ضربة للوحدة الوطنية ويكرس حالة الانقسام والإحباط في الشارع الفلسطيني.

وسمحت السلطة وحماس للفصائل الفلسطينية ومتظاهرين بتنظيم مسيرات مركزية في رام الله وفي غزة، رفع خلالها المشاركون الأعلام الفلسطينية، بينما راح المتحدثون السياسيون يؤكدون على الحق الفلسطيني في التخلص من آثار النكسة وتقرير المصير.

من جهتها وجهت الحكومة الإسرائيلية وقيادة الجيش تهديدات مباشرة إلى سوريا أمس، في أعقاب وصول بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين إلى الحدود محاولين اقتحامها. وقال الناطقون الإسرائيليون إن «سوريا، على عكس حكومات بيروت وغزة ورام الله، شجعت هذه المسيرات لكي تغطي على جرائمها ضد الشعب السوري»، وهددوا: «إذا لم توقف القوات السورية هذه المسيرات فستجد نفسها وجها لوجه مع قوات الجيش الإسرائيلي».

وكان الناطق بلسان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أصدر بيانا باللغة العربية قال فيه: «تحمل إسرائيل النظام السوري كامل المسؤولية عن الأحداث العنيفة التي تقع حاليا على الحدود السورية الإسرائيلية». وذكرت مصادر سياسية إسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هدد باستخدام قوة عسكرية كبيرة ضد الدول المجاورة لإسرائيل. وأضافت أن نتنياهو بعث في الأيام الأخيرة برسائل غير مباشرة إلى دمشق وبيروت ورام الله وغزة، حذر فيها من محاولة اقتحام الحدود في إحياء ذكرى حرب 1967 (يوم النكسة). وقال إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تغيير درامي في الشرق الأوسط، وخصوصا بين إسرائيل والدول المجاورة لها. وأضاف أن إسرائيل سوف تستخدم كل الوسائل، بما في ذلك القوة العسكرية، إذا اضطرت إلى مواجهة عمليات الاقتحام.

وعلى أثر ذلك اتخذت إجراءات في لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة لكي لا تصل المسيرات إلى الحدود، وقررت «لجنة مسيرة العودة» في لبنان إرجاء المظاهرات التي كانت مقررة ليوم أمس. وقالت اللجنة في بيان عممته على وسائل الإعلام: «بعد مداولات لجنة مسيرة العودة لبنان ولجنة التنسيق والمتابعة لحملة حق العودة تقرر تأجيل موعد المظاهرة والمسيرة الشعبية التي كانت مقررة إلى الحدود اللبنانية الفلسطينية، بمناسبة ذكرى النكسة ضمن فعاليات مسيرة العودة في الخامس من يونيو الحالي، بعد أن قررت السلطات الرسمية الأمنية اللبنانية منع أي تحرك في المنطقة الحدودية بهذه المناسبة».

وتوجهت الحكومة الفلسطينية إلى منظمي المسيرات في الضفة الغربية طالبة عدم الاحتكاك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي وجعل مسيراتهم سلمية. وكذلك فعلت حكومة حماس في قطاع غزة، التي منعت قواتها المسيرات من الاقتراب من الحدود مع إسرائيل. إلا أن مجموعة من الشبان الفلسطينيين في الضفة الغربية اقتربوا من حاجز قلنديا، ما بين القدس ورام الله، فبطشت بهم قوات الاحتلال، وأصابت الكثير منهم بجروح.

وهكذا بقيت الحدود اللبنانية - الفلسطينية أمس بمنأى عن التصعيد الذي شهدته الجولان السورية، وبعض المناطق في الداخل الفلسطيني. وأدت الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها الجيش اللبناني على طول الخط المؤدي من بيروت إلى الحدود الجنوبية، إلى منع أي حافلات تقل متظاهرين، وخصوصا في منطقة جنوب نهر الليطاني تجنبا لتعريض أحد لخطر إطلاق النار عليه من قوات الاحتلال الإسرائيلية التي كانت في حالة استنفار عالية على طول الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، غير أن نحو عشرين شابا فلسطينيا تمكنوا قبل ظهر أمس من الوصول إلى منطقة العديسة، مخترقين حواجز الجيش اللبناني، وحاولوا تنفيذ اعتصام مقابل الأراضي الفلسطينية، إلا أن القوى الأمنية تدخلت فورا ومنعتهم من ذلك وأعادتهم بواسطة حافلة إلى خارج منطقة جنوب الليطاني.

وأحيت أمس القوى والفصائل الفلسطينية في لبنان ذكرى «النكسة» بإضرابات عمت المخيمات الفلسطينية في لبنان كافة، حيث رفعت الأعلام السوداء ونظمت أنشطة مختلفة شارك فيها كل أبناء الشعب الفلسطيني اللاجئين في لبنان. فتداعت فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» و«التحالف» والمؤسسات والجمعيات الأهلية الفلسطينية وأهالي المخيمات في لبنان، على أثر إلغاء مسيرة «نكسة» 1967، إلى تنظيم اعتصامات ومسيرات داخل المخيمات في بيروت والشمال، معلنين أن «زمن النكسات والهزائم ولى إلى غير رجعة»، وأن «الشعب الفلسطيني أصبح مهيأ أكثر من ذي قبل لتحقيق حلمه بالعودة إلى ربوع وطنه». وفي مخيم «برج البراجنة»، نظم اعتصام جماهيري وفصائلي أمام جامع الفرقان، ألقى خلاله المسؤول في «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» في لبنان، أبو عماد رامز، كلمة أشار فيها إلى أن «تنظيم مسيرات كمسيرة نكسة يونيو إلى حدود فلسطين يؤكد إصرار الشعب الفلسطيني على حق العودة، ويكشف عن الممارسات الإسرائيلية والمجازر التي ترتكبها حكومة العدو الصهيوني ضد المدنيين العزل».

أما في مخيم «مار الياس» فنظم محترف جورج زعني للفن والإبداع معرضا صوريا عن مدينة يافا على الرصيف المحاذي للمخيم في العاصمة بيروت، بينما نظمت مسيرة داخل مخيم شاتيلا، شاركت فيها فصائل الثورة الفلسطينية والمؤسسات والجمعيات الأهلية وحشد من أهالي المخيم، وألقيت كلمات أكدت «حق العودة». وبالمناسبة دعا «اتحاد لجان حق العودة» إلى إحياء الذكرى خلال مهرجان جماهيري حاشد تحت شعار «ليكن يوم النكسة يوما لتأكيد حق العودة وحق الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس وحق إعمار مخيم نهر البارد دعما لإقرار الحقوق الوطنية».

وحاول عدد من الشبان الفلسطينيين في مخيم الرشيدية إحراق إطارات بالقرب من حاجز للجيش اللبناني عند مدخل المخيم، فتصدى لهم «الكفاح المسلح الفلسطيني» ومنعهم من ذلك بإطلاق نار في الهواء، مما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص بجروح. كما نفذ الجيش اللبناني استنفارا عند مدخل المخيم، بينما نفذ «الكفاح المسلح الفلسطيني» بدوره أيضا استنفارا وسير دوريات في المخيم.

وفي كلمة ألقاها بالمناسبة، دعا مسؤول «الجبهة الديمقراطية»، علي فيصل، الدولة اللبنانية إلى «دعم نضال اللاجئين وتحركهم من أجل استعادة حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، من خلال توفير مقومات الصمود للمخيمات عبر إقرار الحقوق الإنسانية والاجتماعية»، مؤكدا أن «إحياء الشعب الفلسطيني لذكرى النكبة واليوم (أمس) ذكرى النكسة جاء ليمحو ثقافة التفريط والتسليم التي سمحت بضياع حقوق الشعوب العربية في أوطانها، وسادت ثقافات رسمية هزيلة عزلت دور الشعوب العربية، ودخل النظام العربي الرسمي في سبات عميق من التبعية والإذلال». وطالب فيصل المجتمع الدولي بـ«فهم رسالة الشعب الفلسطيني ودعم حقه وتحركه ومساندته لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بحدود الرابع من يونيو 67 وعاصمتها القدس». وقال: «يكفي 44 عاما على النكسة و63 عاما على النكبة ليفهم المجتمع الدولي أن لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما دام الاحتلال الإسرائيلي جاثما فوق الأرض الفلسطينية ويرفض تطبيق القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 194، القاضي بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم».

إلى ذلك أعلن أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في جنوب لبنان، إحسان الجمل، في تصريح له أنه «لم يتم إلغاء أي مسيرة لأنه لم يكن لدينا قرار بتنظيم مسيرة في أي مكان خارج مخيماتنا وتجمعاتنا، بل عملنا على الالتزام بكل التوجهات التي اتخذتها الدولة اللبنانية باعتبارها صاحبة القرار السيادي على أرضها». وأشار إلى أن المنظمات «لا تقوم بأي عمل من دون تشاور قيادتنا السياسية والتنظيمية مع الجهات المعنية»، مشددا على أن «الموضوع ليس في حاجة إلى تفسيرات أو اتهامات لأي طرف لأننا نعرف الحرص اللبناني، على مستوى الدولة والحكومة والجيش والشعب، على توفير كل الدعم لقضيتنا وشعبنا». وقال: «علينا أن نبحث عن كل السبل التي تعزز الاستقرار والأمان في لبنان، وعدم خلق ظروف تجر أبناء شعبنا إلى مخاطر، أو إحراج الدولة اللبنانية»، لافتا إلى أن «بإمكاننا التعبير عن الذكرى بوسائل كثيرة من دون إلحاق الضرر بأحد، وقد رفعنا الأعلام السوداء وأعلنا الإضراب في المخيمات، وهناك الكثير من الأنشطة في الذكرى».