براعم مستنبتة قد تكون مصدر البكتيريا السامة.. و«طوارئ» في مستشفيات ألمانيا

محادثات إسبانية ـ ألمانية حول إعانة المزارعين المتضررين بالجدل حول الـ «إي كولاي»

وزير الصحة الألماني دانييل بار يضع كمامة خلال زيارته لعيادة في هامبورغ تعالج مصابين ببكتيريا «إي كولاي» أمس (أ.ب)
TT

ذكر وزير الزراعة في ولاية ساكسونيا السفلى الألمانية جيرت ليندمان أمس أن براعم مستنبتة يبيعها أحد الموردين في شمال ألمانيا يحتمل أن تكون مصدر عدوى «إي كولاي» التي أصابت الآلاف في أوروبا خلال الأسابيع الماضية. ولم يعلن عن النتائج النهائية للتحقيق في مدى صحة هذه المعلومات، لكن ليندمان قال إن كافة الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى تناولوا أطعمة تلقى مصنعوها شحنات من أحد الموردين للبراعم (الحبوب المستنبتة) في منطقة أويلتزين. وأضاف ليندمان أنه عند تتبع مصادر الأطعمة التي تناولها المصابون، يتضح دائما أن هذا المزارع هو المصدر الرئيسي. وتابع: «من وجهة نظرنا، هذا هو المصدر الأكثر بروزا». ولم يذكر ليندمان بالتحديد نوع البراعم المستنبتة التي قد تكون مصدر العدوى، وأشار إلى أنواع عديدة ربما لعبت دورا في انتشار هذه البكتيريا. وإضافة إلى ذلك، هناك احتمال بأن تكون بعض البراعم المذكورة مستوردة من بلاد أخرى لم يتم الكشف عنها حتى الآن.

وجاء هذا فيما ارتفع عدد الوفيات في أوروبا من جراء الإصابة بهذه البكتيريا إلى 22، بينهم 21 في ألمانيا، وواحد في السويد، بحسب الأرقام الأخيرة التي نشرها المركز الأوروبي لمراقبة الأمراض والوقاية منها في استوكهولم أمس. وأضاف المصدر نفسه أن 1605 إصابات «إي كولاي» سجلت في دول الاتحاد الأوروبي، و658 «إي كولاي» مسببة للنزف المعوي. ومعظم الحالات سجلت في ألمانيا بؤرة تفشي البكتيريا مع 1536 إصابة «إي كولاي» و627 «إي كولاي» مسببة للنزف المعوي.

يشار إلى أنه بعد الوهلة الأولى لظهور المرض أعلنت ألمانيا أن انتشار الوباء جاء من خيار إسباني، وأمرت بوقف جميع واردات الخيار منها. وانتقل الخوف إلى دول أخرى اتخذت القرار ذاته. أما في إسبانيا فقد أصر المزارعون على أن الخيار خال من البكتيريا، وأن السلطات الألمانية ليس لديها ما يثبت عكس ذلك. وعن ذلك قال رئيس شركة في ملقا (جنوب إسبانيا)، وجهت إليه تهمة الاتجار في خيار ملوث: «لو كان الخيار الإسباني ملوثا لكانت أسرنا أصيبت بالمرض لأنها تتناول هذا الخيار. لذا فإن أي مشكلات في ألمانيا ليس لها علاقة بالخيار».

في الواقع، ظهرت حالة واحدة للإصابة بـ«إي كولاي» في شمال إسبانيا، وتخص رجلا قدم من ألمانيا. ولم تظهر في إسبانيا أي حالات أخرى. وعليه تحول الأمر إلى مسألة وقت قبل أن تخرج الحكومة الألمانية باعتراف علني أن انتشار الوباء ليس ناجما عن خضراوات قادمة من إسبانيا. ولم ينجح الاعتذار الشخصي الذي قدمته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى رئيس الوزراء الإسباني خوزيه لويز رودريغيز ثاباتيرو، والوعود بتوفير تعويضات مالية من الاتحاد الأوروبي في وقف النزيف الاقتصادي لهذا القطاع الذي خسر في أربعة أيام أكثر من 75 مليون يورو، بالنظر إلى صادرات الخيار فقط، وليس باقي الخضراوات. ومن المتوقع أن تصل الخسائر إلى 200 مليون يورو أسبوعيا.

وسيستمر هذا الضرر نظرا لأن الأوضاع بدول أخرى لم تستعد حالاتها الطبيعية بعد. ومن جهتها أعلنت «أسوسيادفروت»، وهي منظمة للمزارعين في إقليم أندلسية، أن الحملات المرتبطة بالترويج لخضراوات أخرى، التي تبدأ الآن، ستواجه «كارثة» بسبب أزمة الخيار، متوقعة أن تتراجع مبيعات أعضائها في ألمانيا وفرنسا وهولندا بنسبة 20% عن السنوات السابقة بالنظر إلى معدل إلغاء أوامر الشراء حتى الآن.

واشتكى مزارعون من أن مئات الأطنان من خضراوات وفواكه أخرى مثل الطماطم والخس والجزر والتوت تلفت أثناء انتظارها على الحدود مع ألمانيا ودول أخرى بسبب وقف جميع الصادرات من إسبانيا. وليس الوضع بأفضل حالا داخل المخازن، حيث يجري تخزين 150.000 طن أسبوعيا من الخيار والخضراوات والفواكه الأخرى في انتظار حل. وعن ذلك شرح مزارع من ألميريا قائلا: «سأحاول إرجاء جمع محصول البطيخ لنرى إذا كان يمكن تخزين بعض منه، وإلا ستسفر حملة بيع هذا المحصول عن كارثة». يذكر أن الخيار كان ثالث أكثر خضار جرى تصديره العام الماضي، وبلغ الإجمالي 449.600 طن، وكانت ألمانيا ثالث أكبر دولة مستورد له، بعد فرنسا والمملكة المتحدة.

وأمس قال مسؤولون إن إسبانيا وألمانيا ستعقدان محادثات حول توفير المساعدة المالية للمزارعين الإسبان الذين تكبدوا خسائر بملايين اليوروات بسبب مزاعم غير دقيقة بظهور إصابات ببكتيريا «إي كولاي». وقال داشيان شيولوس المتحدث باسم مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الزراعة إنه من المقرر مناقشة مسألة الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالمزارعين في أنحاء دول الاتحاد الأوروبي بسبب فزع بكتيريا «اي كولاي» النزفية، (يوم غد) الثلاثاء خلال اجتماع بين المفوضية الأوروبية وأعضاء الاتحاد الأوروبي. وأكد سيولوس أنه لم يجرِ اتخاذ قرار بشأن مساعدات محددة للمزارعين حتى الآن.

وفي حين كان الضرر في إسبانيا اقتصاديا بالدرجة الأولى، فإنه في ألمانيا يأخذ أبعادا أوسع، بالنظر إلى أن هذه البكتيريا السامة خلفت غالبية ضحاياها بهذا البلد. وفي هذا الصدد قال وزير الصحة الألماني دانييل بار أمس إن المستشفيات الألمانية تبذل جهودا مضنية في التعامل مع تدفق أعداد كبيرة من المصابين بالسلالة الفتاكة من البكتيريا المعوية «إي كولاي»، بينما لا تزال الحيرة تستبد بمصدر هذا الداء الذي أودى بحياة 22 شخصا فضلا عن إصابة أكثر من 1700 في شتى أرجاء أوروبا.

وعمدت المستشفيات في ميناء هامبورغ بشمال ألمانيا، وهي البؤرة الأولية لتفشي المرض منذ ثلاثة أسابيع، إلى صرف المصابين من ذوي الأعراض المرضية البسيطة حتى يتسنى لها استيعاب الأعداد الهائلة من المصابين بالمرض النادر ذي الأعراض السمية العالية. وقال بار لصحيفة «بيلد إم زونتاج» أمس: «إننا نواجه موقفا عصيبا من أجل رعاية المرضى». وأضاف أنه يمكن الاستعانة بالمستشفيات الواقعة خارج هامبورغ لاستيعاب الأعداد الغفيرة من المصابين ممن لا تتسع لهم المنشآت الصحية في هامبورغ، ثاني أكبر مدن ألمانيا. وتسابق السلطات الصحية في ألمانيا الزمن لرصد مصدر هذه السلالة البكتيرية التي أصابت أشخاصا في 12 دولة بينما ترتبط الإصابات جميعها بزيارة مناطق في شمال ألمانيا.

وتعثرت جهود رصد مصدر العدوى الناجمة عن تناول مكونات السلاطة من الخيار إلى الخس والطماطم، نظرا لتنوع مصادر هذه الخضراوات، إذ إنها ترد من عدد كبير من المنتجين من عدة دول. ويشك العلماء في أن مصدر تلوث الأطعمة قد يكون ناجما عن عدم مراعاة احتياطات النظافة العامة في المزارع أو بعد نقل منتجات هذه المزارع إلى المتاجر أو المطاعم.

وتعين وضع بعض المرضى على أجهزة الغسيل الكلوي أو إيداعهم الرعاية الحرجة، وأصيبت أعداد أكبر من النساء عن الرجال ومعظم المتوفين من كبار السن. وقال متحدث باسم عيادات ريجيو، وهي مستشفيات خاصة ضخمة في ولاية شليسفيغ هولشتاين المحيطة بهامبورغ، إن الأزمة أدت إلى استنزاف موارد المنشآت الصحية بالولاية مما يتعين معه نقل بعض المرضى إلى مستشفيات أخرى لا سيما من يحتاج منهم إلى الغسيل الكلوي. وقال المتحدث إنه تم تغيير مواعيد عمليات جراحية مقررة لبعض الحالات غير الحرجة. ومضى العلماء يطرحون نظريات جديدة قد تفسر تفشي المرض ومصدره، ومنها أنه يحتمل أن يكون ناجما عن بعض محطات إنتاج الغاز الحيوي، إذ إن البكتيريا تتكاثر خلال عمليات التخمر لإنتاج هذا الغاز. وقالت صحيفة «لوبيكر ناخريتشتن» أول من أمس إنه يحتمل إصابة أشخاص بالسلالة البكتيرية عقب ارتيادهم مطعما في بلدة لوبيك بشمال ألمانيا، ومنهم مسؤولون في مصلحة الضرائب الألمانية وسائحون من الدنمارك.