معركة في الصين لإنقاذ «الشجرة العملاقة» ذات الجذور الفرنسية

حملة شعبية واسعة على الإنترنت لمنع السلطات من اقتلاع أشجار «الدلب الهسباني» لدواع عمرانية

أشجار «الدلب الهسباني» العملاقة تزين شوارع مدينة نانجينغ الصينية (نيويورك تايمز)
TT

حصلت شجرة «الدلب الهسباني» ذات الجذع القوي والفروع المنحنية والأوراق ذات الطابع الملكي والتي يعادل ارتفاعها 15 طابقا من قبل مزارعي البساتين ومخططي المدينة على لقب «الشجرة العملاقة» المحصنة ضد السخام والدخان الضبابي.. لكن هل يمكنها أن تصمد في وجه الحزب الشيوعي الصيني التواق للتنمية؟ يبدو أن الإجابة هي «نعم»، في مدينة نانجينغ التي تقع في جنوب شرقي الصين ذات الـ8 ملايين نسمة.

في دولة يتم فيها هدم المنازل والمزارع بشكل مستمر وروتيني من أجل بناء بنايات شاهقة ومصانع، يبدو أن الحملة التي نظمها سكان المدينة خلال فصل الربيع الحالي لإنقاذ المئات من الأشجار التي تعرف هنا باسم «وتونغ» من القطع لمد خط أنفاق محكوم عليها بالفشل. لكن أثمرت المحاولة التي تم تنظيم الجزء الأكبر منها على شبكة الإنترنت حلا وسطا غير متوقع قدم من المسؤولين الحكوميين في المدينة. لم يمثل هذا الحل مثالا مشرقا للديمقراطية، لكن لم يتم تجاهل غضب المواطنين تجاه المسؤولين المنتشين بالسلطة والنفوذ والذين لا يسمعون صوت من هم دونهم.

ربما يكون هذا لأن بعض مسؤولي مدينة نانجينغ يرون أن شعار الحزب الشيوعي «الرقابة من الشعب» أكثر من مجرد كلمات أو ربما لأن الأشجار توفر حلا وسطا سهلا في خطة التنمية. استقدم الفرنسيون شجر «الدلب الهسباني» العملاق إلى الصين في نهاية القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين لتزيين مستوطناتهم في شنغهاي، على حد قول مسؤولي مدينة نانجينغ. وتم زراعة أكثر من 20 ألف شجرة «دلب» عام 1928 و1929 في شارع زونغشان المؤدي إلى اللوحة الجدارية لصن يات سين، القائد المناهض للإمبريالية الذي يعد أبو الصين الحديثة. وقيل إنه تم زراعة المزيد من تلك الأشجار بعد تولي الحزب الشيوعي الحكم عام 1949. ونمت الأشجار سريعا ووفرت الظل في فصول الصيف شديدة الحرارة بمدينة نانجينغ. وأصبحت تلك الأشجار فيما بعد رمزا لجمال المدينة وفلسفتها الحضارية. وتعد نانجينغ، التي ظلت عاصمة للصين خلال عصور متعددة، منارة ثقافية. ويجمع تخطيطها العمراني بين الجبال والأنهار والأشجار.

زرع ليو هينزهين، وهو أحد العاملين السابقين في الجيش، شجر «الدلب الهسباني» في الخمسينات، ويقول الآن بعد أن بلغ الثمانين من العمر وهو يلعب الورق في مقهى يخترق سقفه فرع ضخم من شجرة «الدلب»: «إنها تعمل على خفض درجة حرارة المدينة». وقال هي شينشوي، وهو مدير العمليات اليومية في لجنة التخطيط العمراني: «لقد نشأ سكان نانجينغ مع شجر (الدلب). إنهم مرتبطون عاطفيا بها».

لكن ذلك لم يمنعهم من الهجوم عليها. ففي عام 1993 تم قطع ما يزيد على 3 آلاف شجرة بين ليلة وضحاها لبناء الطريق السريع الذي يربط بين شنغهاي ونانجينغ. وتم قطع أكثر من 200 شجرة «دلب» عام 2006 لإنشاء الخط الثاني للأنفاق في نانجينغ. ويعتزمون العام الحالي قطع أكثر من ألف شجرة أكثرها من شجر «الدلب» واجتثاثها من جذورها من أجل مد خط الأنفاق الثالث وبناء 6 محطات فوق الأرض في وسط المدينة. وينقل خطا الأنفاق في نانجينغ نحو مليون شخص يوميا، لكن ذلك لا يكفي على حد قول هي شينشوي، مشيرا إلى أنه يخطط لإنشاء 10 خطوط جديدة. لكن بمجرد قطع العمال لجذوع أول دفعة من أشجار «الدلب» التي تتضمن 49 شجرة وبضعة من الفروع، امتلأ الموقع الصيني الذي يشبه «تويتر» بأكثر من 10 آلاف رسالة. وقام أحد المعلمين بتوجيه طلبته نحو ربط شرائط خضراء حول بعض الشجر الذي لم يمس بسوء. واشترك بعض المشاهير في الحملة منهم هوانغ تشين شيانغ، مقدم البرامج التلفزيونية والمعلق الرياضي الذي يتابع مدونته أكثر من 5 ملايين شخص، كما انضم أحد المشرعين التايوانيين في حزب «كومينتانغ» الذي اتخذ من مدينة نانجينغ مقرا له حتى أغلقه الشيوعيون عام 1949.

تتبع تسو فولين، مراسل صحيفة «نانجينغ مورنينغ بوست» الحكومية مصير 190 شجرة تم قطعها على مدى الخمس سنوات الماضية لإنشاء خطي الأنفاق. ورغم تعهد الحكومة بحماية تلك الأشجار وإعادة زراعتها، اكتشف تسو أن 80 شجرة «دلب» ملقاة في مقلب قمامة. وقال أحد خبراء الأشجار إنه لم تنج سوى 20 شجرة على أقصى تقدير، وحتى تلك الشجرات تم اقتلاعها بعد أسابيع لإنشاء الطريق السريع. ونقلها بعض المزارعين وهم يقولون إنه يمكن صناعة طاولات رائعة من هذه الأخشاب. وتردد بعض المنتقدين في الضغط على الحكومة بشكل واضح. ونشرت مجموعة «غرين ستون» المحلية المعنية بحماية البيئة صورا للشجرة على شبكة الإنترنت. وقال كوي يوانيوان، أحد أفراد المجموعة: «لم نكن نريد معارضة ما كانت تفعله الحكومة، لنبقي على قناة الاتصال بها». وقال نشطاء آخرون إن تلك المجموعة كانت ضعيفة لأنها كانت صغيرة وغير مسجلة لدى السلطات الصينية على أنها منظمة غير حكومية.

قرر هوانغ عدم إعادة نشر الدعاوى لتنظيم احتجاجات على شبكة الإنترنت خوفا من التنكيل. ومع ذلك تجمع المئات خارج مكتبة المدينة في 15 مارس (آذار) الماضي على حد قول نشطاء، وقامت قوات الشرطة بتفريقهم خلال ساعة. وعملت الرقابة على ضمان تجاهل وسائل الإعلام المحلية لهم.

لكن المجلس المحلي لمدينة نانجينغ كان يبحث بالفعل عن حل وسط. فقبل ذلك بأيام، أوقف العمل في إنشاء خط الأنفاق وأعلن عن تشكيل لجنة التقييم البيئي لإعادة النظر في المشروع.

* شاركت ميا لي في إعداد هذا التقرير من بكين، وباركلي والش من واشنطن.

* خدمة «نيويورك تايمز»