اليمن: نائب الرئيس يكثف تحركاته لاحتواء الأوضاع المتدهورة في البلاد

الزياني: الجهود الخليجية مستمرة.. وكلينتون تحث على انتقال عاجل للسلطة

رجال قبائل يمنيون موالون للزعيم القبلي الشيخ صادق الأحمر أمام بيته في العاصمة صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

واصل الفريق عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس اليمني، أمس، عمله كقائم بمهام وصلاحيات الرئيس، حيث التقى سفراء أجانب وقيادات أمنية وحزبية وسياسية وأعلن أن أولوياته هي تثبيت الوضع الأمني وتوفير المواد الضرورية للحياة اليومية للمواطنين، في وقت ما زالت الهدنة التي استأنفها مع زعيم قبائل حاشد، تتأرجح بعد أن قتل وجرح عدد من أنصار الأحمر في صنعاء، كما تواصلت الاشتباكات العنيفة في محافظة تعز وسقط فيها قتلى وجرحى.

وقال عبد ربه منصور هادي، إن الرئيس علي عبد الله صالح في تعاف مستمر، وإنه اتصل به هاتفيا لمرتين خلال اليومين الماضيين، وإنه سيعود إلى اليمن خلال «الأيام المقبلة»، وبحث المسؤول اليمني، أمس، مع سفيري بريطانيا وفرنسا وسفير الاتحاد الأوروبي في صنعاء، التطورات على الساحة اليمنية، ونقلت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» عن مصدر رسمي قوله إن هادي تحدث إلى السفراء عن «المستجدات والظروف الراهنة التي يمر بها اليمن، خصوصا بعد جريمة تفجير مسجد النهدين بدار الرئاسة الذي استهدف الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس الوزراء، وعددا من المسؤولين، وهم يؤدون صلاة الجمعة»، وإنه استعرض «الإجراءات والتعليمات والتوجيهات التي تمت من أجل تكريس الأمن والاستقرار ووقف إطلاق النار»، وشدد على ضرورة التعاون، «خصوصا في هذه الظروف الاستثنائية»، وأشار إلى أن الأولوية، في الوقت الراهن، هي «تثبيت وقف إطلاق النار وفتح الطرقات وتثبيت الأمن والاستقرار وتوفير لوازم الحياة بصورة عامة».

وفي السياق الأمني، ترأس القائم بمهام الرئيس اليمني اجتماعا للجنة الأمنية العليا وناقش مسألة تثبيت الوضع الأمني و«الاستقرار والسكينة العامة للمجتمع، وإخراج المسلحين من المرافق العامة أينما وجدت»، داعيا إلى «استنهاض الهمم وتوحيد الجهود من أجل توفير الخدمات والأساسيات الحياتية مثل الديزل والغاز والكهرباء، والعمل على التثبيت الصارم لوقف إطلاق النار بصورة شاملة وكاملة»، وأكد «ضرورة تعاون الجميع في المعارضة والقوى الاجتماعية في كل ربوع اليمن»، وفي اجتماع آخر لأعضاء اللجنة العامة (المكتب السياسي) لحزب المؤتمر الشعبي العام، أكد هادي «ضرورة تحمل الجميع مسؤولياتهم الكاملة وبهمة عالية في هذا الظرف بالذات، دون الاكتراث لأي محاولات للإعاقة أو التشويش»، وقال: «نحن في المحك.. وإثبات القدرات وتحمل المسؤولية باقتدار أمران لا بد منهما دون تهاون أو مواربة».

إلى ذلك، تتأرجح الهدنة بين القوات الموالية للرئيس صالح ومسلحي زعيم قبيلة حاشد، الشيخ صادق الأحمر، فبعد يوم واحد على طلب عبد ربه منصور هادي من الشيخ الأحمر إحياء هدنة وقف إطلاق النار وموافقة الأخير على ذلك، قتل 3 من أنصاره وجرح آخرون في حي الحصبة، وذلك برصاص قناصة يعتلون بعض المباني، غير أن مكتب الأحمر لم يعلق على الحادث حتى اللحظة.

ويتعاطى المعارضون لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، ومعهم شباب الثورة في الساحات، مع موضوع خروج الرئيس صالح لتلقي العلاج في السعودية، بأنه خروج من السلطة وتنح كامل، ويطرحون قضايا تتعلق بمرحلة ما بعد صالح، فقد تعالت الأصوات المطالبة بتشكيل مجلس انتقالي لإدارة شؤون البلاد، وهناك في أطراف المعارضة الرسمية (أحزاب اللقاء المشترك) من يفضل، كمرحلة أولى، انتقال السلطة إلى نائب الرئيس كخطوة رسمية لانتهاء حقبة الرئيس صالح، وبداية لخطوات المرحلة الجديدة.

ويدور جدل محتدم في الشارع اليمني والأوساط كافة، بشأن عودة الرئيس اليمني إلى البلاد وعدمها، فالمسؤولون اليمنيون يستمرون في التأكيد على أنه سيعود خلال بضعة أيام، في حين لم تنشر أي بيانات عن الأطباء المعالجين لصالح أو المستشفى الذي ينزل فيه أو عن وضعه الصحي، كما أنه لم تنشر أو تبث أي صور ثابتة أو متحركة له داخل المستشفى، وكذا لم يكرر صالح إصدار «شريط صوتي» جديد بعد الذي بث له عبر التلفزيون اليمني ليلة يوم الجمعة الماضي.

وتتواصل في محافظة تعز المواجهات المسلحة بين القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح ومسلحين يدافعون عن شباب الثورة من استهداف القوات الأمنية وقوات الحرس الجمهوري. ودارت، أمس، مواجهات عنيفة في منطقة وادي القاضي، وقالت مصادر محلية إن الحرس الجمهوري قصف المنطقة، الأمر الذي أسفر عن سقوط الكثير من القذائف على سكان المنطقة، وفي منطقة جبل حبشي تعرض الكثير من القرى للقصف أيضا، وأسفرت المواجهات والقصف عن سقوط الكثير من القتلى والجرحى.

وفي وسط مدينة تعز، قامت قوات الحرس الجمهوري بقطع كافة الشوارع والطرقات المؤدية إلى القصر الجمهوري، وذلك في ظل محاولات حثيثة من قبل المسلحين للوصول إلى القصر والاستيلاء عليه، ردا–كما يقولون–على القصف الذي تعرضت له «ساحة الحرية» وكذا المناطق السكنية في أكثر من منطقة في تعز.

وفي موضوع آخر، وبعد أن تعرض الرئيس علي عبد الله صالح وكبار رجال الدولة والحكومة اليمنية للقصف داخل مسجد النهدين في محيط دار الرئاسة بحي السبعين يوما بجنوب صنعاء، شكك الكثير من الناس في رواية تعرضه للإصابة، وتطابقت طروحات التشكيك هذه بين الموالين له والمعارضين، وكذا الشارع والمواطن العادي، وعندما أعلن أن صالح سوف يوجه كلمة إلى الشعب اليمني أو سيعقد مؤتمرا صحافيا، بعد ساعات من الحادث، كانت هناك حالة تخبط وازداد التشكيك في تعرضه للإصابة، ولكن وعندما أطل الرئيس اليمني على شعبه عبر كلمة مسجلة (شريط صوتي)، انقسم الشارع اليمني بين مصدق ومكذب لإصابته حتى تأكد الكثير أنه فعلا مصاب، عندما نقل إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج.

الساعات التي فصلت بين الإعلان عن إصابة الرئيس صالح والإعلان عن نقله إلى السعودية، وما بين الإعلانيين وهو خطابه المسجل، الذي بدا فيه صوته متعبا ومصابا، تلك الساعات طرح خلالها أن التسجيل الصوتي ليس لصالح وإنما لأشخاص يقلدون صوته، وحتى اللحظة ما زال البعض يؤمن بذلك.

ويرجع التشكيك في صحة التسجيل الصوتي بأنه للرئيس اليمني، حسب المراقبين، إلى وجود الكثير من الأشخاص في الساحة اليمنية يقلدون صوته بصور شتى، أحيانا بسخرية من وعوده الدائمة للشعب بالرخاء، وأحيانا سخرية من طريقة حديثه في خطاباته، وتارة بسبب أخطائه اللغوية واستخدامه «لن» في موضع يفترض فيه استخدام «لم»، وتارة أخرى يأتي التقليد في سياق زيادة شعبية صالح نفسه، حيث يقول البعض إنه استحسن شخصيا ما يقوم به بعض المقلدين في أوقات كان مزاجه حسنا، ورفض سجنهم أو معاقبتهم.

وضمن ما يتداوله الشارع اليمني أن نظام صالح، ولكي لا يظهر أن الرئيس مصاب وفي حالة خطرة، كي لا تنفلت الأمور أكثر مما هي عليه، لجأ إلى الاستعانة بأحد الأشخاص الذين يتقنون تقليد الرئيس، وكتب له الخطاب الصوتي وطلب منه أن يؤديه بصوت مبحوح ومتعب، خصوصا أن الكثير من الناس، لا يعتقدون أن «كبرياء» صالح، لا يسمح له بأن يظهر على شعبه بالحالة التي ظهر بها عبر التسجيل الصوتي، مصابا وضعيفا وهو الرجل القوي في البلاد، إلا أن البعض يطرح طرحا مغايرا ويقول إن صالح أراد مخاطبة مشاعر الجماهير كي يؤثر عليهم بموضوع استهدافه كي «يفرمل» موجة التأييد الشعبي لرحيله عن الحكم.

وأصيب الرئيس اليمني ومعه رئيس مجلس النواب (البرلمان)، يحيى الراعي، ورئيس مجلس الوزراء، الدكتور علي محمد مجور، ورئيس مجلس الشورى، عبد العزيز عبد الغني، وعدد من كبار المسؤولين في القصف الذي استهدف دار الرئاسة اليمنية والذي لم تعرف، حتى اللحظة، الجهة التي تقف وراءه، ويتلقى الجميع العلاج حاليا في السعودية بالمستشفى العسكري في الرياض.

وأدى حادث التفجير إلى غياب رئيس البرلمان ورئيس الحكومة ونائبيه عن المشهد السياسي وتعطيل هذه المؤسسات، خصوصا أن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال، وأن البرلمان انتهت فترته التشريعية، وبغياب صالح والقيادات وتعطيل الحكومة والبرلمان، باتت جميع مؤسسات الدولة معطلة في اليمن، خصوصا أن نواب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك، مقاطعون لأعمال البرلمان، وكذا النواب الذين استقالوا من كتلة الحزب الحاكم في البرلمان وانضموا إلى الثورة الشبابية وشكلوا تكتلا مستقلا داخل الساحة السياسية وداخل مجلس النواب.

ولم يبق في واجهة الساحة الرسمية في اليمن، سوى نائب الرئيس والقائم بأعماله، عبد ربه منصور هادي، ويعتقد المراقبون هذا المشهد المعطل لمؤسسات الدولة الرسمية، إضافة إلى انشقاق الكثير من وحدات الجيش والأمن وانضمامها إلى الثورة، جعل اليمن، هذه الأيام، من دون رؤسائها ومن دون مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والأمنية والعسكرية، وهو ما يعتبره المعارضون سقوطا للنظام، ولم تتبق سوى لمسات بسيطة لاكتمال هذا السقوط بعدم عودة صالح إلى البلاد. إلى ذلك حثت وزيرة الخارجية الأميركية، أمس، على سرعة البدء في نقل السلطة بشكل سلمي في اليمن، غير أنها امتنعت عن التعليق على موضوع عودة صالح من الرياض، وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي أنها مستعدة لتفعيل المبادرة الخليجية الخاصة بالأزمة في اليمن.

وأكد أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف بن راشد الزياني، في بيان صحافي، أمس، الاثنين، أن «دول المجلس سعت من خلال المبادرة الخليجية إلى العمل مع الأطراف المعنية للخروج من الأزمة تأكيدا لموقفها الثابت والداعم لليمن وشعبه الشقيق، وبما يحقق آماله المشروعة».

وذكر أن «(المبادرة الخليجية) لا تزال تمثل الحل الأنسب، ويمكن لدول المجلس تفعيلها ومتابعة تنفيذها، إذا أعلنت الأطراف اليمنية جميعها الموافقة عليها». كما أكد مجلس الوزراء السعودي في اجتماعه، أمس، تواصل الجهود المبذولة لحل الأزمة في اليمن.

كما أكد البيت الأبيض أن انتقالا فوريا للسلطة في اليمن سيكون في مصلحة سكان هذا البلد. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، في مؤتمر صحافي: «نريد انتقالا سلميا ومنظما للسلطة»، في حين أوضحت المملكة العربية السعودية أنها استقبلت الرئيس اليمني للعلاج بناء على طلبه.