مستقبل اليمن بعد صالح يثير مخاوف المسؤولين الأميركيين

تنامي نفوذ «القاعدة» وسيطرتها على أبين السبب الأكبر للقلق

جندي يمني في أحد شوارع صنعاء أمس (رويترز)
TT

قال خبراء في الشؤون اليمنية والأمنية إن سفر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى المملكة العربية السعودية يحرم الولايات المتحدة من حليف في الحرب ضد أخطر فروع تنظيم القاعدة ويضيف مزيدا من الغموض على عمليات مكافحة الإرهاب التي أعاقها بالفعل الصراع الدموي في البلاد.

وفي حكم المؤكد أن المملكة العربية السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، ستحول دون عودة صالح إلى اليمن، ولكن من غير الواضح من الذي سيحل محله وما إذا كان سيكون هناك تغيير في الموقف تجاه الجهود الأميركية لاستهداف المتشددين الإسلاميين في البلاد. وسيتعين على كل من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، اللتين نشرتا بشكل مطرد المزيد من الرجال والمعدات في اليمن بما في ذلك طائرات الاستطلاع بدون طيار، إقامة علاقات مع القيادة الجديدة التي ستظهر في اليمن أيا كانت. وأعرب بعض من المعارضين لصالح عن شكوكهم بشأن وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، واصفين الجماعة الإرهابية التي تشغل بال واشنطن في السنوات الأخيرة بأنها «أسطورة». ويشعر المسؤولون في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بالخوف من أن يستغل تنظيم القاعدة الاضطرابات الجارية في اليمن لترسيخ قاعدته ولشن هجمات جديدة. وفي الأسابيع الأخيرة، حسب تصريحات مسؤولين أميركيين، فإن قوات مكافحة الإرهاب في اليمن، بما في ذلك وحدات القوات الخاصة التي ساعدت الولايات المتحدة في تمويلها وتدريبها، قد تمت إعادتها إلى ثكناتها أو تحولت عن السعي وراء المسلحين المنتمين لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقال بعض المراقبين إنه في حال استمرار العنف، قد تتحرك الولايات المتحدة بشكل أحادي الجانب، بما في ذلك زيادة استخدام طائرات من دون طيار.

وقام السكان المبتهجون بالاحتفال في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء فور سماعهم نبأ رحيل صالح لتلقي العلاج من الجروح التي أصابته في الهجوم الذي تعرض له، ومع ذلك استمر العنف في مدينة تعز الجنوبية، حيث كان هناك قتال بين قوات الأمن اليمنية وبعض المسلحين.

وظهر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على مدار عدة سنوات باعتباره تهديدا إرهابيا رئيسيا من خلال استغلال المساحات التي ينعدم فيها حكم القانون في اليمن والتأكيد على أنه فرع مبتكر ومؤثر لتنظيم القاعدة. وكأكثر من أي فرع إقليمي آخر، أظهر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية التزامه بشن هجمات ضد الولايات المتحدة، وذلك باستخدام الإنترنت لتجنيد غربيين وتبني فكرة أن الهجمات الفاشلة يمكن أن يكون لها أثر عميق، وفقا لمسؤولي مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة.

وكانت الجماعة الإرهابية وراء محاولة لإسقاط طائرة تجارية فوق مدينة ديترويت يوم عيد الميلاد في عام 2009، فضلا عن استهداف طائرات شحن متوجهة إلى الولايات المتحدة العام الماضي.

وقال فرانك سيلوفو، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض والذي يدير معهد سياسة الأمن الداخلي في جامعة جورج واشنطن: «سوف نكون قصيري البصر إذا ما اعتقدنا أن هذا لا يشكل مخاوف تتعلق بالأمن القومي على المدى القصير. الاحتمال الأقرب هو أن يقوم (نشطاء تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العربية) برفع رؤوسهم». ولكنه قال إن ذلك قد يعطي فرصة للولايات المتحدة لشن هجمات ضدهم.

من جهتها قالت أبريل ألي، كبيرة محللي شؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية، إنه مع رحيل صالح، ثمة فرصة حقيقية لإطلاق عملية انتقال سلمي للسلطة للانتخابات، ولكن اليمن ما زال «غير مستقر».

وأضافت: «إذا لم يتم الاتفاق على خطة انتقالية على الفور، قد يتدهور الوضع بسرعة ويتحول إلى مزيد من العنف على نطاق واسع»، مشيرة إلى أن قوات الرئيس اليمني وأعداءه القبليين ما زالت متأهبة. ولفتت إلى أنه «بخروج صالح من البلاد، أصبح نجله وأقاربه ضعفاء، ولكن ما زال لديهم قدرات تدميرية هائلة».

وقال غريغوري جونسن، وهو خبير يمني في جامعة برنستون، إن عددا من الجماعات التي تشترك في كراهيتها لصالح، بدءا من القبائل وحتى المتظاهرين الشباب، قد تواجه صعوبات في الاتفاق على أفضل السبل للانتقال إلى القيادة الجديدة في البلاد، وأضاف أن الولايات المتحدة، نتيجة لذلك، قد تضطر إلى الاندفاع في خطة لتعويض فقدان حليفها. وقال جونسون إن الولايات المتحدة لم تكن تركز كثيرا، حتى وقت قريب جدا، على من سيأتي بعد صالح، وأضاف: «لست متأكدا من أنها لديها خطة جيدة للتعامل مع ما سيأتي بعد ذلك–على افتراض أنه يمكن لأي شخص أن يعرف ما سيأتي بعد ذلك».

ويوم الجمعة الماضي، قال الكولونيل ديفيد لابان، المتحدث باسم البنتاغون، إنه لا توجد خطط لإجلاء العسكريين الأميركيين في اليمن والذين كانوا متمركزين هناك لتدريب قوات مكافحة الإرهاب اليمنية. ورفض لابان الكشف عن عدد المدربين الأميركيين الموجودين في اليمن، ولكنه قال إنهم كانوا يتخذون «التدابير الاحترازية الضرورية». وكانت هناك تقارير في اليمن الأسبوع الماضي تفيد بأن هجوما شنته طائرة بدون طيار قد قتل عددا من المسلحين المنتمين لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في مدينة زنجبار الساحلية، في حين كانت قوات صالح ورجال القبائل منخرطين في قتال الشوارع في العاصمة اليمنية صنعاء. ولا يمكن التأكد من حدوث الهجوم، ولكن وردت تقارير تفيد بأن 300 متشدد إسلامي قد سيطروا على مدينة زنجبار في أواخر شهر مايو (أيار) الماضي.

وقال خوان زاراتي، وهو مستشار الرئيس السابق جورج دبليو بوش لمكافحة الإرهاب: «الوضع في اليمن أكثر تمزقا وتعقيدا من غيرها من البلدان المتأثرة بالربيع العربي. إنه انعكاس لكافة الانقسامات والانشقاقات الموجودة داخل المجتمع اليمني: قبلية وعسكرية ومشاكل الشمال والجنوب وتطرف وقتال. في الحقيقة، ما يحدث لا يمثل الربيع العربي، فما يحدث هو سقوط الرأس في بلد هش للغاية ويعاني من الانشقاقات».

وقال كريستوفر بوسيك، وهو محلل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إنه في حالة تشكيل حكومة جديدة، سيكون من المرجح أن تجد وسيلة لاستيعاب مصالح الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن البعض في المعارضة اليمنية قد وصف «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على أنها أسطورة، فقد يكون مثل هذا الخطاب أقل احتمالا إذا ما تحرك هؤلاء الذين يعملون على أنهم دخلاء بالقرب من الحكومة. وقال بوسيك إن الشخص الذي سيأتي إلى السلطة، أيا كان، سيكون شديد الحاجة إلى الحصول على المساعدات الدولية لأنه سيواجه واقعا يتمثل في إدارة دولة تعاني من الإفلاس والتفتت. ويمكن للولايات المتحدة أن تجعل أي حكومة جديدة تدرك الحاجة إلى اتخاذ إجراءات مستمرة وأكثر قوة ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

وقال بوسيك: «هناك مصالح متبادلة. وتقديري أنه لم يتبق هناك مال في المصارف وأن الانهيار الاقتصادي أسوأ مما نعتقد. ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد في التنمية الاقتصادية، واستنزاف الموارد، وجميع الأشياء التي تسبب عدم الاستقرار، ويمكنها أن تقول إنه يتعين عليك أيضا مساعدتنا على القيام بشيء حيال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»