البشير الصيد لـ «الشرق الأوسط»: الثورة ما زالت مهددة وحكومتا الغنوشي والسبسي لم تحققا النتائج المرجوة

أمين حركة الشعب الوحدوية التقدمية في تونس: إمكانية سيطرة حزب سياسي على الساحة واردة

TT

قال البشير الصيد، الأمين العام لحركة الشعب الوحدوية التقدمية التونسية، إن الثورة أطاحت بالرأس وبقي البدن، وبالتالي سقط الديكتاتور ولم تسقط الديكتاتورية، مشيرا إلى أن كل المؤشرات تدل على أن الثورة لا تزال مهددة لعدة أسباب من بينها أن التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم البلاد أكثر من 50 سنة من الصعب إبعاد رجالاته عن السلطة.

واعتبر الصيد في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن موضوع إبعاد هؤلاء عن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ضروري خاصة بالنسبة للذين تحملوا مسؤوليات في الحكومة والحزب. أما بالنسبة للسبب الثاني للقول بوجود تهديدات ضد الثورة، ذكر الصيد أن هذه الأخيرة حين قامت كانت من دون قيادات ولم تؤطرها جهة معينة، وهذا حسب رأي الصيد، عنصر ضعف، مشيرا إلى أن الثورة جاءت نتيجة تراكمات من القهر والحرمان والفساد والاستهتار بكرامة الناس.

إلى ذلك، قال الصيد إن نظام حكم زين العابدين بن علي هو امتداد لنظام بورقيبة مع الفارق بين الشخصيتين. ووصف الوضع في تونس قبل 14 يناير (كانون الثاني) الماضي بأنه كان عبارة عن قدر يغلي فوق نار، وأن الوقت حان لكي تنفجر الأمور ويفيض القدر.

وطالب الصيد بتأجيل انتخابات المجلس التأسيسي، وقال إن إجراء الانتخابات في هذا الظرف بالذات قد يكون من قبيل المغامرة التي قد تعقد الوضع السياسي في البلاد.

وبشأن الانتخابات الرئاسية، قال الصيد إنه من السابق لأوانه الحديث عن مرشح للانتخابات الرئاسية، مشيرا إلى أن القرار في نهاية الأمر يبقى بيد مناضلي حركة الشعب الوحدوية التقدمية. بيد أنه قال إن حركته ستشارك في انتخابات المجلس التأسيسي سواء كانت يوم 24 يوليو (تموز) المقبل أو في 16 أكتوبر (تشرين الأول) أو في تاريخ آخر، إلا أن ذلك يبقى مرتبطا بمدى توفر الضمانات الأساسية لانتخابات نزيهة وموضوعية. وقال إنه يخشى أن يتم الطعن في نتائج الانتخابات إذا أجريت في ظروف غير موضوعية.

وفيما يلي نص الحديث.

* هل توقعتم حدوث ثورة بهذا الحجم في تونس؟

- الكثير من التونسيين توقعوا قيام ثورة عارمة في البلاد لكن لا أحد كان بإمكانه تحديد تاريخ لها بدقة. فكل الدلائل كانت تشير إلى أن الشعب التونسي عانى كثيرا وطويلا من القمع والاضطهاد والقهر، وذلك منذ سنة 1956، وتواصل إلى يناير 2011. فالفترة كلها كانت مظلمة ومليئة بالكبت والقهر والاستخفاف بكرامة الناس وحريتهم ومصدر رزقهم.

* قدمت استقالتك من سلك القضاء منذ سنة 1973، ألم تندم على تقديم تلك الاستقالة؟

- لم أندم ألبتة على تقديمي الاستقالة والواقع أنها كانت لسببين اثنين. الأول أن القضاء لم يكن مستقلا، والثاني أنني كنت أرغب في الاشتغال بالسياسة، وعالم القضاء والعمل السياسي لا يلتقيان في تونس.

* وما هو تقييمك حاليا لوضع القضاء بعد اشتغالك في المحاماة؟

- كان القضاء خلال السنوات الست التي قضيتها في أسلاكه (1963- 1967) أفضل بكثير من الفترات اللاحقة ذلك أنه فقد الكثير من استقلاليته، وضعف أكثر في عهد الرئيس زين العابدين بن علي. وأعتقد جازما أن القضاء في تونس بعد الثورة بدأ فعلا يناضل من أجل استقلاليته الفعلية، ولدي أمل كبير في أن يتجاوز ويتغلب على العراقيل والصعوبات التي ما زالت تحيط به حتى الآن. ونلاحظ وجود مجموعة محترمة ومناضلة من القضاة تدفع بذلك إلى الأمام، وتناضل من أجل استقلال القضاء، وأقصد بذلك المجموعة التي تمثل المكتب الشرعي لجمعية القضاة التونسيين التي نالت أنواعا من القمع في عهد الرئيس المخلوع، فهي نواة نظيفة وصلبة في نضالها، ووطنية ومؤمنة بأهدافها القضائية، وبدأت تجلب إليها عددا هام من القضاة. أنا أؤمن بوجود رجال في القضاء يحملون المشعل وقادرين على النضال من أجل انتزاع استقلالية القضاء.

* دافعت في الفترات العصيبة التي مرت بها تونس عن الحريات، وتطوعت للدفاع عن اليمين وعن اليسار، ما الذي تذكره عن تلك المحاكمات؟

- أعتبر أن المحامي عندما يترافع وينوب في قضية ما يكون بمثابة جندي في معركة. وعندما يكون صادقا يشعر فعلا وكأنه يخوض معركة ويجذبه الانتصار فيها. وهو من ناحية أخرى مثل قائد كتيبة يسعى خلال الحرب إلى تحقيق هدف سام، خاصة إذا كانت مرافعته موضوعها سياسي أو فكري. لقد دافعت في السابق عن جملة من القضايا السياسية والفكرية والنقابية، ورافعت في قضايا اليسار، ودافعت عن الإسلاميين. وبدأت المرافعات سنة 1973 على أثر الاستقالة من القضاء، وكانت أولى القضايا تتعلق بما عرف آنذاك بقضية حزب «العمال التونسي»، وهي مجموعة سياسية من اليسار. وعقدت المحاكمة في ثكنة «الصنطارين» في باردو القريبة من العاصمة، وكانت بمثابة محكمة أمن دولة، وكان من بين المتهمين حمة الهمامي زعيم حزب العمال الشيوعي حاليا إلى جانب قرابة 90 متهما آخرين. وكانت تلك المحاكمة السياسية أول محاكمة أرافع فيها، وامتلأت بالكثير من المظالم من تعذيب وتلفيق. وكان علي أن أستعد جيدا للأمر، وكان الانتصار حليفي إذ تمكنت من تبرئة الكثير منهم. كما دافعت عن مجموعة من النقابيين ضمنهم الحبيب عاشور على أثر أحداث 26 يناير 1978. وكنت أول محام تونسي يتحدث عن عدم دستورية النصوص القانونية لإحالة المتهمين. كما دافعت عن الإسلاميين في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ضمنهم راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة.

* قابلت الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة أكثر من مرة، كما قابلت الرئيس المخلوع بن علي، ما هي الانطباعات التي خرجت بها من خلال لقائك بالرجلين؟

- قابلت بورقيبة 3 مرات، وهو زعيم كبير وسياسي ماهر ولكنه كان أيضا ديكتاتورا ينفرد بالرأي، ولا يقبل من يناقشه أو يعارضه لأنه تقمص تونس. فحبه للبلاد وتعلقه بها، واعتقاده أنه حررها ونهض بها، جعل الأمور تختلط لديه، فاختلطت شخصيته بتونس لذلك أصبح يغير عليها من أي كان حتى من أبنائها. لكن في نهاية الأمر يبقى بورقيبة الشخصية السياسية المحترمة، وهو مشهود له بالدهاء السياسي والحكمة والمقدرة واقتناص الفرص. نختلف مع بورقيبة في الرأي والسياسة ولا نحب ديكتاتوريته، ولكننا نحترمه باعتباره زعيما سياسيا. أما بالنسبة لابن علي فقد قابلته مرة واحدة باعتباري عميدا للمحامين التونسيين، والحقيقة أنني لا أريد الحديث عنه فكل التونسيين يتحدثون عنه.

* وما هو تقييمك للوضع السياسي الحالي بعد أشهر قليلة من قيام الثورة؟

- أعتقد أن الثورة أطاحت بالرأس وبقي البدن، وبالتالي سقط الديكتاتور ولم تسقط الديكتاتورية. وتدل كل المؤشرات على أن الثورة لا تزال مهددة لعدة أسباب من بينها أن التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم البلاد أكثر من 50 سنة من الصعب إبعاد رجالاته عن السلطة. وأعتبر أن موضوع إبعادهم عن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ضروري، خاصة بالنسبة لأولئك الذين تحملوا مسؤوليات في الحكومة والحزب. وما انتهت إليه هيئة تحقيق أهداف الثورة بشأن ذلك هو رأي توفيقي شبه مناسب. أما السبب الثاني للقول بوجود تهديدات ضد الثورة هو أنها عندما قامت كانت دون قيادات ولم تؤطرها جهة معينة، وهذا حسب رأيي عنصر ضعف فقد جاءت الثورة نتيجة تراكمات من القهر والحرمان والفساد والاستهتار بكرامة الناس، وكانت غير منظمة. لقد سيطر النظام على الحكم بأسلوب ديكتاتوري لم يحترم فيه أدنى الحقوق الإنسانية، وجراء أسلوبه الأمني الذي امتد لعقود، انتفض الناس وأطاحوا بالديكتاتور. ولكن جذور الثورة موجودة في عدة نضالات سابقة قدمها المجتمع المدني وكانت في معظمها مريرة. فالقوى السياسية والنقابية ناضلت وضحت كثيرا منذ سنة 1956، وأعتقد أن نظام حكم بن علي هو امتداد لنظام بورقيبة مع الفارق بين الشخصيتين. الوضع في تونس كان عبارة عن قدر يغلي فوق نار، وفي يناير الماضي بدا أن الوقت حان لكي تنفجر الأمور ويفيض القدر.

* يتحدث القوميون في تونس على أن نضالاتهم بدأت قبل الاستقلال، وأن نظام الحكم كان صارما معهم، ما حقيقة ذلك من وجهة نظركم؟

* تعرض القوميون في تونس إلى سلسلة من التعذيب والمشانق بدأت سنة 1948 حين تطوع البعض منهم في حرب فلسطين. بورقيبة لم يكن يحب القوميين لأسباب كثيرة من بينها الاختلاف في التوجه السياسي. فبورقيبة كان ذا توجه غربي فرانكفوني، والقوميون كان توجههم عربيا إسلاميا. لقد أطاح بورقيبة بالحركة اليوسفية (نسبة إلى الزعيم الوطني صالح بن يوسف) وأقام للقوميين محاكمات كثيرة بتهمة التآمر على أمن الدولة. والوثائق التاريخية تؤكد أن بورقيبة تحالف مع الاستعمار الفرنسي ضد اليوسفيين عندما رفضوا الاستقلال الداخلي، وتمسك بن يوسف بالاستقلال التام، ولجأ إلى مصر أيام جمال عبد الناصر. والكل يعرف أن بورقيبة وعبد الناصر لم يلتقيا أبدا في توجههما السياسي والوطني الأمر الذي دفع بورقيبة لاغتيال بن يوسف في ألمانيا كما تدل كل الوثائق. وأعدم بورقيبة 14 ضابطا من الضباط التونسيين سنة 1962 فيما يعرف بانتفاضة الضباط كما أعدم 13 ضابطا فيما يعرف بعملية قفصة سنة 1980.

* ولماذا لم يكن بورقيبة يميل إلى القوميين في نظرك؟

- أعتقد أن سلسلة التجارب النضالية التي قادها القوميون في تونس طالها التعتيم. وهم أخذوا شرعيتهم من نضالهم وما طالهم من قهر طوال حكم بورقيبة وبن علي. لقد سعينا في السابق إلى العمل في إطار القانون ولكننا نعتقد أن الشرعية نأخذها من إرادة الشعب وليس من القانون. لقد كنا من الأوائل الذين تقدموا بطلب الحصول على ترخيص للعمل الحزبي القانوني وذلك منذ 11 مايو (أيار) 1981 باسم التجمع القومي العربي غير أن نظام الحكم جابهنا بقوة، ومنعنا من النشاط السياسي العلني. لكننا أعدنا الطلب أيام بن علي سنة 1988 عندما صدر القانون الجديد للأحزاب ولكن قرار منعنا من النشاط كان لا رجعة فيه. وتم اعتقالي في عهد بورقيبة كما في عهد بن علي، وقضيت ما يقرب من 7 سنوات ونصف السنة داخل السجن من أجل النشاط السياسي والحقوقي ورفع راية التيار القومي في تونس. كما تعرضت للتعذيب ومنعت من السفر.

* المعروف أن الأمر تجاوز التضييقات ووصل إلى حد محاولة الاغتيال؟

- بالفعل تعرضت سنة 1992 لمحاولة اغتيال فقد هاجمتني عصابة تتكون من 4 أشخاص بعضهم كان ملثما، في مكتبي الكائن وسط العاصمة، وانهال علي عناصرها بالطعن بالسكاكين، وتركوني أتخبط في دمائي لولا تدخل أحد جيراني الذي أخبر بعض الأنصار والمحامين والعائلة.

* وما هي الدوافع الكامنة وراء محاولة اغتيالك؟

- الدوافع سياسية بالأساس فقد تقدمنا بطلب الترخيص لحزب سياسي وقمنا بالإجراءات المطلوبة لدى وزارة الداخلية حسب قانون الأحزاب الذي ينص على أنه إذا لم تجب السلطة بالرفض في غضون 4 أشهر، فإن الحزب يصبح قانونيا. ويبدو أن وزارة الداخلية سهت عن الإجابة بالرفض فصار حزبنا الذي يحمل اسم «حركة التجمع الوحدوي الديمقراطي» حزبا قانونيا بعد ذلك أصدرنا بيانا وزعناه على وسائل الإعلام ذكر أن حزبنا أصبح قانونيا، وأننا سننشط سياسيا بمقتضى القانون. عندها تمت محاولة اغتيالي وتم إيقافي وأسندت الترخيص القانوني لحزب قانوني ترأسه عبد الرحمن التليلي تحت اسم «الاتحاد الوحدوي الديمقراطي»، الذي يقوده حاليا أحمد الاينوبلي. وحزب التليلي لم يكن سوى جهاز مخابرات صنعه بن علي للقضاء على التيار القومي في تونس. وأعتقد أن بن علي تخصص في إحداث الكائنات المصطنعة. وبما أن بن علي أراد القضاء على المنظمات والرموز الحقيقية فقد اصطنع طريقة جديدة على غرار الكائن المصطنع المسمى «الهيئة العليا لحقوق الإنسان»، التي بعثها للتضييق على الرابطة التونسية لحقوق الإنسان.

* وهل تم إنصافك بعد قيام الثورة؟

- لقد اعترف أحد المسؤولين الأمنيين مؤخرا بأنه لفق لي الكثير من القضايا، وعدد الطرق التي تلفق بها القضايا. لقد مررت بالكثير من السجون التونسية مثل سجن «برج الرومي» وسجن «مرناق» وسجن «تونس»، بالإضافة إلى زنزانات وزارة الداخلية، ولست نادما ألبتة عما عرفته من نضالات في سبيل الحرية والانعتاق.

* ولكنكم أيضا أسستم حزبا قوميا وحصلتم على الترخيص القانوني؟

- بالفعل بعثنا للوجود حركة الشعب الوحدوية التقدمية بعد أن جمعنا أنصارنا وفتحنا فروعا في مناطق كثيرة من تونس، ونستعد للمشاركة بفاعلية في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، كما أن التحضيرات جارية لعقد مؤتمر الحركة. نحن نأمل أن نشارك مشاركة محترمة، ونعتقد أن علاقاتنا جيدة مع كافة القوى السياسية، ونطمح إلى التنافس الشريف، ونؤمن إيمانا قطعيا بالتعددية السياسية. ولنا علاقات جيدة مع الكثير من الأحزاب في تونس، وخاصة الأحزاب القريبة من قناعاتنا.

* وهل سيقدم القوميون مرشحا للانتخابات الرئاسية؟

- من السابق لأوانه الحديث عن مرشح للانتخابات الرئاسية، والقرار يبقى بيد مناضلي حركة الشعب الوحدوية التقدمية. ولكننا سنشارك على الأرجح في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي إذا توفرت الضمانات الأساسية لانتخابات نزيهة وموضوعية.

* وما هو رأيك بشأن الجدل الدائر حول موعد انتخاب المجلس التأسيسي؟

- أعتقد أن أهم عامل سلبي في الانتخابات القادمة هو قصر المدة التي تفصلنا عن تلك الانتخابات. فالمدة غير كافية لتنظيم وإعداد انتخابات حقيقية بالنسبة لجميع الأطراف، وخاصة بالنسبة للأحزاب التي تحصلت على الترخيص بعد الثورة. لذلك إذا أردنا أن تمر الانتخابات في ظروف أفضل بكثير وذات مصداقية حقيقية، يجب أن تؤجل إلى ما بعد الصيف المقبل خاصة أن تاريخ 24 يوليو المقبل يأتي في أوج الصيف، وقبيل شهر الصيام، ومن الغرابة بمكان أن تنظم انتخابات في شهر معروف بارتفاع درجة الحرارة. وثمة خشية أنه إن لم تنظم الانتخابات في ظروف موضوعية تمكن المشاركين من فرصة مقبولة تتوفر فيها كل الضمانات، أن يقع الطعن فيها من البعض الأمر الذي سيحدث إشكالات ليست في مصلحة البلاد.

* وهل هناك خشية من سيطرة طرف سياسي على الساحة بعد إجراء الانتخابات؟

- هذا جائز وممكن لأن أوضاع البلاد لم تستقر بعد، ولم تتمكن القوى السياسية من تنظيم نفسها كما أن جيوب الردة ما زالت قائمة، وهي تستهدف بقوة منجزات الثورة التي لم تحقق حسب رأينا نتائجها المطلوبة.

* وكيف تقيم الحركة أداء الحكومة المؤقتة من 14 يناير حتى الآن؟

- حكومتا الغنوشي وقائد السبسي لم تحققا حسب رأينا النتائج المرجوة من حكومتين مؤقتتين، فالانتقال الديمقراطي لم ينجز منه أي شيء حتى الآن رغم مضي أكثر من 4 أشهر. ولا تزال الأمور غامضة بالنسبة للكثير من الملفات، كما أن الأمن الذي هو من مسؤوليات الحكومة ما زال منخرما. وهناك أسئلة خطيرة لم تجب السلطة عنها مثل: من الذي فتح السجون في الكثير من المرات؟ ولماذا لم يقع تطهير البلاد من العصابات والميليشيات التي تفتك بالأمن، وتعتدي وتحرق وتسرق وتندس بين المعتصمين والمتظاهرين كلما قام مواطنون باحتجاجات سلمية؟ كما أن ملف العاطلين عن العمل وخاصة الشباب، وأصحاب الشهادات لم تتم تسويته بعد، ولو بشكل مرحلي، ولم يقع الإعلان عن برنامج موضوعي، ولو كان طويل المدى. كما أن محاسبة الذين استولوا على المال الخاص والعام ما زالت لم تحصل. ولم يحاكم الذين قتلوا واغتالوا أبناء الشعب أثناء الثورة، ولا تزال العائلات تشاهد يوميا القتلة يسرحون ويمرحون في البلاد دون حساب. والأغرب من ذلك أن الحكومة رجعت إلى أسلوب القمع والسجن، أي رجعت إلى أسلوب النظام المخلوع وتريد دون وجه حق أن تحمل المسؤولية إلى الجماهير التي تحتج سلميا لأن مطالب الثورة لم تتحقق وهو ما ترسخ في ذهن الرأي العام. كما أن علامات الردة كثيرة وواضحة للعيان. وأعتقد شخصيا أن تصريحات فرحات الراجحي، وزير الداخلية السابق لم تكن مفاجئة للجميع فعلامات التخبط والارتداد موجودة في المشهد السياسي، ولا تحتاج لمن يصرح بها. والأغرب من ذلك أن رئيس الحكومة المؤقتة يهدد بمحاكمة الراجحي وهذا أسلوب يعود بنا إلى عهد النظام المخلوع إذ مهما كانت تصريحاته سواء كان ما قاله حقيقة أم اجتهادا، فهو يندرج ضمن حقوق التعبير وإبداء الرأي، ومن أهم استحقاقات الثورة القطع مع محاكمات الرأي والتعبير والتوجهات السياسية والنقد والانتقاد.

* وما هو رأيكم فيما يحدث حاليا من ثورات في الأقطار العربية؟

- مهما كان الأمر فإن الانتفاضات أو الحراك الجماهيري الشعبي الذي بدأ من تونس وانتقل إلى مصر ثم إلى اليمن وليبيا وسوريا، يظل أمرا إيجابيا، وبالتالي فإن التحرك ضد قهر النظم العربية الرسمية وقمع الحريات ومصادرة القرار هو أمر لازم ومطلوب لانتزاع التحرر والديمقراطية وتخليصها من قبضة النظام الديكتاتوري. غير أنه ينبغي ألا تختلط الحركات والثورات القائمة حاليا في أقطارنا العربية بما يشوهها أو يشكك فيها، وهو الاستنجاد بالاستعمار الأجنبي والتدخل العسكري. وعليه فإن التدخل عسكريا في ليبيا مرفوض ومدان جدا وما كان على الذين قاموا بانتفاضتهم في بنغازي أن يطلبوا التدخل الأجنبي ليحررهم. وأعتقد أن التدخل الأجنبي ليس له أي مبرر وأرى أن كل الشعب العربي مؤهل لاختيار قياداته ينتخبها ويسقطها عندما يرى ذلك ضروريا. وفي هذا الصدد، أندد بالجامعة العربية التي لم تحرك ساكنا ولم تحاول حتى مجرد المحاولة لتسوية وإصلاح ذات البين بين الفرقاء في كل قطر عربي، إضافة إلى طلبها التدخل العسكري في ليبيا عوض أن تحاول فك الاشتباك، وإيجاد حل سلمي يحقن دماء الإخوة.