القرى الهندية تحت طائلة قانونها المحلي لا قانون الدولة

مجالس غير منتخبة تحكم وفق قواعد صارمة

TT

يوجد نوعان من القانون داخل هذه القرية المتربة الواقعة على بعد أقل من 50 ميلا من العاصمة الهندية: قانون الدولة وقانون القرية. وبالنسبة إلى السكان المحليين مثل تقدير ضاحية، فإن قانون المجالس القروية المعروف باسم «خاب بانشايات» هو الشيء الوحيد الذي له أهمية.

وقال ضاحية في يوم قريب شديد الحرارة: «لا نعرف ما هو القانون. لا نعرف إلا ما تقرره مجالس (خاب بانشايات). هنا، لا تتخذ المحاكم العليا القرارات، ولكن تتخذ عبر مجالس (خاب بانشايات)».

وسيطرت هذه المجالس، غير المنتخبة المكونة من رجال كبار السن، على مدار أجيال على الحياة داخل الكثير من القرى، في الأغلب شمال الهند، وفرضت سيطرة اجتماعية من خلال أحكام تنظم كل شيء بدءا من الزواج وصولا إلى الخلافات بشأن الحيازات. ولكن تتزايد الرقابة الوطنية على هذه المجالس، حيث تمثل أحكامها الصادرة خارج نطاق القانون - ولا سيما تلك التي يقال إنها السبب في انتشار ما يعرف بقتل الشرف - تحديا لمبدأ حكم قانون الدولة.

وخلال الأشهر الأخيرة، أصدرت المحكمة العليا آراء ترفض هذه المجالس وتصفها بأنها كيانات غير قانونية، ومن المتوقع أن يثار الجدل داخل جلسة البرلمان في الصيف الحالي. ويدعو نشطاء قانونيون إلى قانون شامل يحدد عقوبات جنائية لمنع هذه المجالس من إصدار أحكامها الخاصة.

وفي هذه الأثناء يستمر قادة المجالس في عملهم ويروجون لأجندتهم الخاصة داخل البرلمان من خلال طلب إجراء تعديلات لجعل قوانين الزواج الهندية تعكس تقاليدهم المحافظة.

وتقول رانجانا كوماري، وهي ناشطة تهتم بحقوق المرأة «إنهم يحشدون لتنظيم احتجاجات، وهم قادرون على تنظيم تظاهرة كبيرة جدا».

وتعد المعركة القانونية نموذجا آخر للمشاكل المتنامية داخل المجتمع الهندي، حيث إن آثار الحداثة تتصادم مع تقاليد وممارسات قديمة. وينظر إلى مجالس «خاب بانشايات» على أنها كيانات تسعى لوقف تقدم العالم الحديث، حيث أصدرت بعض المجالس أحكاما تحظر على النساء ارتداء ملابس ضيقة وحاولت حظر استخدام التليفونات المحمولة للشباب الجامعيين أو الأصغر سنا لأن التليفونات المحمولة أدوات يمكن أن استخدامها في التواصل خلسة.

وتقول قيادات المجالس إن هذه المجالس تخلق نوعا من النظام والانسجام الاجتماعي، كما أنها تضمن تحقيق العدالة بسرعة أكبر، في ظل عدم وجود حكومات محلية فعالة. ويبررون الأحكام الصارمة بخصوص الزواج، قائلين إن لها أصلا في معتقدات دينية، ويقولون إن ممارساتهم منعت زواج الأقارب وغيرها من القضايا الصحية - ولكن يطعن منتقدون في ذلك ويقولون إنها ممارسات خاطئة عفى عليها الزمن لأن سكان القرى أكبر بدرجة كبيرة حاليا.

وداخل ولاية هاريانا تسيطر هذه المجالس على الكثير من القرى وتمارس نفوذا كبيرا على النظام السياسي. ويسكن في الكثير من أنحاء ولاية هاريانا طائفة «جات»، وهي مجموعة عرقية هندية مقسمة إلى العديد من المجموعات الفرعية المعروفة باسم «غوترا».

وتقليديا، يسيطر على القرى مجموعة عرقية معينة «غوترا»، ويكون لها مجلس «خاب بانشايات» الخاص بها، وهو الذي يفصل في الخلافات الداخلية ويحدد تقاليد الزواج، والتي من بينها أن الرجال والنساء داخل نفس الـ«غوترا» وفي نفس القرية عبارة عن إخوة وأخوات ويحظر عليهم الزواج من بعضهم البعض.

وقد كان موقف المجالس الصارمة بشأن الزواج، التي يقولون إنها مستمدة من نصوص هندوسية قديمة، هو ما جعلها في قلب جدل على مستوى الهند. ويقول منتقدون إن هذه الأحكام تثير بصورة مباشرة أو غير مباشرة حوادث قتل الشرف للأزواج الذين يتزوجون من داخل نفس المجموعة العرقية أو القرية. وفي حالات أخرى، دفعت الضغوط الاجتماعية بعض النساء إلى الانتحار.

وغالبا ما تأمر هذه المجالس سكان القرية بأن يقاطعوا، اجتماعيا واقتصاديا، العائلات التي يتحدى أبناؤها تقاليد الزواج. وفي بعض الحالات، تطالب المجالس بقتل الزوجين، على الرغم من أن الضغط الاجتماعي الذي يثيرونه هو السبب، ففي الكثير من الحالات يرتكب أفراد من العائلة القتل رغبة في الهروب من عار اجتماعي أو كي لا يتحولوا إلى منبوذين داخل القرية.

وفي وقت يشعر فيه الجيل الأصغر من النساء بقدر أكبر من الاستقلالية، يعتقد الكثير من المنتقدين أن مجالس «خاب» حريصة على الحفاظ على تقاليد عرفية بشأن النساء والحيازات، المرتبطة بدرجة كبيرة بالزواج. وتقول كيرتي سينغ، المحامية لدى المحاكم العليا: «يرتبط الأمر بالكامل بالسيطرة الاجتماعية والسيطرة على الفتاة».

وداخل قرية سيسانا، وهي قرية زراعية في شمال غربي نيودلهي، يجتمع مجلس «خاب بانشايات» بصورة دورية فوق منصة خرسانية مفتوحة داخل القرية للنظر في نزاعات متعددة. ويقول سورندر ضاحية (47 عاما)، وعضو مجلس «خاب»: «إنه مكان مقدس للغاية».

ويرفض ضاحية وآخرون في قرية سيسانا القول بأن «خاب» كيان غير قانوني، أو أنه يأمر بقتل الشرف. وقال إن المجلس قدم تمويلا إلى مدارس وأعطى أموالا نقدية لعائلات فقيرة. وبالنسبة إلى الأحكام، يقول ضاحية إن هذه المجالس تصدر غرامات أو تدعو لعمليات مقاطعة اجتماعية، كما أنهم يمثلون حكما في الجرائم المحلية. ويضيف: «إذا ارتكبت جريمة، تستغرق المحكمة أعواما وأعواما. ولكن يجتمع (خاب) سريعا لاتخاذ قرار سريع».

وعندما حدثت اشتباكات عنيفة بين عائلتين داخل سيسانا، وقتل سبعة أشخاص في تبادل لإطلاق النيران، حدد المجلس العائلة المذنبة ومنعت من الزواج أو العمل داخل المنطقة. وقال ضاحية: «بمجرد أن ينتهي المجلس إلى قرار، تقبله كافة الأطراف».

ويقول منتقدو المجالس إن ضباط شرطة محليين وسياسيين في بعض الأحيان يعملون في نفس القضايا التي تهتم بها المجالس العرفية. وفي حالات، تعقبت الشرطة الأزواج الذين فروا من بيوت العائلة، وألقوا القبض على الرجال بتهم الاختطاف وأعادوا النساء إلى عائلتهن.

ويقول راني مولن، الأستاذ المساعد في كلية ويليام آند ماري ومؤلف كتاب لم ينشر بعد حول الديمقراطية داخل القرى في الهند: «يتردد السياسيون المحليون وداخل الولايات بشكل ملحوظ في التعبير عن رفضهم لمجالس (خاب بانشايات)، حيث إنهم يمثلون كتلة تصويتية كبيرة ومؤثرة. وقد خلق ذلك بيئة سياسية تتغاضى عن مجالس (خاب بانشايات)، حيث يغض السياسيون المحليون ورجال الشرطة الطرف عن ذلك. وتترك المحاكم في الأغلب لتكون المدافع الوحيد العام عن القانون».

ومنذ أبريل (نيسان) أصدرت المحكمة العليا حكمين بخصوص عمليات قتل الشرف ووصفت مجالس «خاب بانشايات» بأنها ثمرة «عقلية إقطاعية». وكتبت المحكمة في 19 أبريل (نيسان): «تجعل هذه التصرفات القانون في أيديهم، بحيث يشبه الأمر المحاكم الصورية، وهي غير قانونية بالكامل».

ويرى قادة هذه المجالس العرفية المسؤولة أن حوادث قتل الشرف سببها قانون الزواج الهندوسي لعام 1955، وهو قانون لا يشتمل على حظر الزواج داخل نفس الغوترا، وليس للضغوط الاجتماعية التي يمارسونها. وعندما ينعقد البرلمان في يوليو (تموز)، يخطط قادة مجالس «خاب» إلى طلب تعديل القانون لمنع هذه الزيجات.

ويقول إشوار سينغ (64 عاما)، الذي يعيش في قرية قريبة من سيسانا: «تقول المحاكم لهم إنهم كانوا على صواب. المحاكم تحميهم، ونحن غاضبون من ذلك. كيف يمكن أن يتزوج أخ من أخته؟» وقد صاغت سينغ، المحامية بالمحاكم العليا، تشريعا سيصنف الأحكام خارج نطاق القضاء التي تصدرها مجالس «خاب» بما في ذلك تلك التي تطالب المقاطعة الاجتماعية على أنها جرائم مضايقة، وتصل العقوبة فيها إلى السجن لما يصل لعشرة أعوام. ومن المتوقع أن ينظر البرلمان في القانون في يوليو (تموز). وتقول: «نريد التأكيد على حق المواطنين داخل الهند في الزواج الذي يريدون».

ويقول الكثير من المواطنين داخل سيسانا إن المجالس العرفية المحلية، التي تعمل منذ قرون، ستتمكن من الاستمرار على الرغم من التحديات القانونية والبرلمانية.

ويقول سورندر ضاحية، عضو مجلس «خاب»: «ننظر إلى المجتمع عن كثب. لا تتمتع الضغوط الاجتماعية بأي نوع من القداسة، ولكنها وسيلة قوية جدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أسهم هاري كومار في التقرير