عابثون يستفيدون من الفراغ الحكومي في لبنان.. ويوجهون رسائل عبر الأمن

مجهول يتصل بوزارة العدل أمس ويطلب إخلاءها.. ومصادر قضائية تحذر من استهداف القضاء بعد تعطيل السلطات الأخرى

صور من فيديو عرضت على اليوتيوب لمظاهرات ليلية في عربين لنصرة حماة والجسر
TT

تلقت وزارة العدل اللبنانية، أمس، اتصالا من مجهول ينصح بـ«إخلاء مبنى الوزارة فورا وإلا..»، في إشارة لتهديد بوجود قنبلة أو متفجرة داخل المبنى، قبل أن يتبين أن البلاغ كان كاذبا نتيجة المسح الشامل الذي أجرته الأجهزة الأمنية بواسطة آلات كشف المتفجرات والكلاب البوليسية، والذي شمل طبقات المبنى الخمس ومكاتبه من دون أن تعثر على شيء.

وقد جاء هذا البلاغ غداة تلقي عدد من القضاة تهديدات عبر هواتفهم الجوالة تحذرهم من عقد جلسات محاكمة لموقوفين تحت طائلة قتلهم مع عيالهم. وتأتي هذه الحادثة بعد سلسلة أحداث وخروقات أمنية يشهدها لبنان في الفترة الأخيرة، ليس أولها حادثة اختطاف 7 سياح إستونيين بعد دقائق من دخولهم إلى لبنان في 23 مارس (آذار) الماضي، ولن يكون آخرها الاتصال الكاذب الوارد من مجهول إلى وزارة العدل أمس.

ويكفي استعراض سريع لأبرز الخروقات والحوادث الأمنية الحاصلة في الأشهر الأربعة الأخيرة من أجل تأكيد هواجس معظم الفرقاء السياسيين والمواطنين حيال حالة الانكشاف الأمني الحاصلة في ظل غياب المؤسسات كافة، وآخر فصول هذا الغياب إعلان وزير الداخلية والبلديات زياد بارود اعتكافه عن تصريف الأعمال.

في الفصل الأخير من شهر مارس الماضي، تم اختطاف 7 سياح إستونيين قادمين من سوريا إلى لبنان على دراجات هوائية بعد وقت قصير من وصولهم إلى منطقة البقاع. وعلى الرغم من متابعة الأجهزة الأمنية تحقيقاتها وتعقبها لمصدر الرسائل الإلكترونية ومقاطع الفيديو التي أرسلت من الجهة الخاطفة والتي سبق أن عرفت عن نفسها باسم «حركة النهضة والإصلاح» إضافة إلى توقيف عدد من المشتبه بتورطهم في عملية الخطف، إلا أن أي نتائج عملية لم يتم التوصل إليها بعد. وكانت الجهة الخاطفة طالبت بفدية أمنية لقاء الإفراج عن الإستونيين، إلا أنها لم توضح قيمة الفدية أو تحدد أي تفاصيل أخرى.

بعد مرور أربعة أيام على اختطاف الإستونيين في البقاع، هز انفجار قوي مدينة زحلة البقاعية تبين أنه ناجم عن عبوة ناسفة استهدفت كنيسة السيدة لطائفة السريان الأرثوذكس، وألحق أضرارا مادية كبيرة بالكنيسة من دون أن يسجل وقوع أي إصابات. وربطت مصادر أمنية وسياسية بين الانفجار وخطف الإستونيين، وتبين نتيجة التحقيقات اللاحقة أن طريقة تفجير العبوة (وزنها كيلوغرامان من مادة (تي إن تي) الشديدة الانفجار) استخدمت للمرة الأولى في لبنان، إذ تم عن بعد بواسطة هاتف جوال وضع بالقرب من العبوة، وجرى توصيله بشريط إلى صاعق المتفجرة، وعندما اتصل الفاعلون على رقم هذا الهاتف انفجرت العبوة.

وفي الـ27 من مايو (أيار) الماضي، استهدفت عبوة آلية عسكرية تابعة للقوة الإيطالية العاملة في إطار قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، مما أدى إلى جرح 6 جنود إيطاليين ومدنيين لبنانيين. ولاقى الحادث تنديدا لبنانيا رسميا وسياسيا واسعا فيما ربطت قوى في «14 آذار» بين الاعتداء والأحداث التي تشهدها سوريا، على خلفية العقوبات الأوروبية التي تم الإعلان عنها وطالت أركان النظام السوري.

ودفع الاعتداء الحكومة الإيطالية، على لسان وزير دفاعها، إيانسيو لاروسا، إلى تأكيد عزمها سحب 680 جنديا من بين 1780 عنصرا يعملون في إطار «اليونيفيل» في جنوب لبنان، بالتزامن مع دعوة السفير الإيطالي في لبنان جيوسيبي مورابيتو «كل المسؤولين اللبنانيين وكل الجهات اللبنانية التي تؤمن بالسلام وبالحوار وبعدم استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، إلى الإجابة حول هذا الهجوم الإرهابي الذي استهدف جنود الكتيبة الإيطالية». ويأتي البلاغ الكاذب أمس إلى وزارة العدل بعد سلسلة تهديدات تلقاها عدد من القضاة اللبنانيين خلال مدة شهر تقريبا. وفي التفاصيل، ورد اتصال هاتفي من مجهول إلى سنترال الوزارة عند الساعة الـ11.30، وأبلغ الموظف الذي تلقاه بـ«المسارعة فورا إلى إخلاء المبنى وإلا»، فجرى إبلاغ وزير العدل إبراهيم نجار والمدير العام للوزارة القاضي عمر الناطور اللذين كانا موجودين في مكتبيهما، وطلب إلى الموظفين مغادرة مكاتبهم على الفور.

كما سارعت إلى أمام مبنى الوزارة وحدات من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي التي ضربت طوقا أمنيا ومنعت السيارات والمواطنين من دخول الوزارة، في حين حضر رجال المباحث والأدلة الجنائية من وحدة الشرطة القضائية، وخبراء متفجرات وباشروا بمسح المبنى ومرأبه ومحيطه بواسطة آلات تقنية وبواسطة الكلاب البوليسية، كما جرى تفتيش السيارات الموجودة في مرأبي الوزارة وقصر العدل ولم يعثر على شيء.

وأكد وزير العدل إبراهيم نجار صحة المعلومات عن تلقي الوزارة بلاغا من مجهول بوجوب إخلاء مبنى وزارة العدل بعد ورود اتصال من مجهول. ولفت المدير العام لوزارة العدل عمر الناطور إلى أنه لم يتم إخلاء المبنى بالكامل، ولكن بعض الموظفين غادروا ولم نمنعهم.

وكشف النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، عن أن مجهولا اتصل أمس (الاثنين) بـ10 قضاة عبر هواتفهم الجوالة، مهددا إياهم بـ«عدم عقد جلسات (محاكمة) وإلا»، مشيرا إلى أن «هذه التهديدات تتكرر وللمرة الثالثة»، لافتا إلى أن «التحقيقات جارية لمعرفة هوية المهدد، ولا سيما أن رقم الهاتف هو نفسه في كل مرة».

وأوضحت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن «التهديدات التي يتعرض لها الجسم القضائي، سواء لجهة التهديدات المباشرة للقضاة، أم عبر البلاغات الكاذبة بوجود متفجرات في قصور العدل ووزارة العدل ينطوي على خطورة كبيرة، ويشكل استهدافا للسلطة القضائية ككل، لكونها السلطة الوحيدة التي ما زالت تعمل بشكل طبيعي بعد تعطيل السلطات الأخرى»، وترافق البلاغ الكاذب مع فرار السجين محمد علي نايف في أثناء سوقه من نظارة قصر العدل إلى قاعة محكمة الجنايات داخل قصر العدل، حيث يحاكم بجرائم سرقة وسطو بقوة السلاح، وبدأت التحقيقات لمعرفة كيفية هربه وتعمل الأجهزة الأمنية على ملاحقته.