الجيش الأميركي يدفع لشيوخ عشائر لتأمين انسحابه إلى الكويت

10 آلاف دولار شهريا لكل منهم بذريعة «تنظيف الطريق من المخلفات»

جنود أميركيون في احتفال بقاعدة عسكرية قرب بغداد قبل مغادرتهم العراق (نيويورك تايمز)
TT

بينما ينهي الجيش الأميركي حربا في العراق استمرت 8 أعوام، يستعد قادة عسكريون لمهمة يخشون أن تكون أخطر مهمة باقية لهم، وهي الخروج بآخر القوات من العراق في أمان. وأظهر التهديد الجديد، الذي يطرحه مسلحون، هجوما بالصواريخ استهدف قاعدة عسكرية في شرق بغداد، أول من أمس، الاثنين، وأدى إلى مقتل 5 جنود. وخلال الأسابيع الأخيرة رفع بعض المقاتلين المتمردين من وتيرة محاولاتهم لقتل جنود أميركيين في ما يبدو وكأنها استراتيجية للضغط على الولايات المتحدة لتسحب قواتها في الموعد المحدد وتقويض أي قرار بترك قوات في العراق وكسب نصر دعائي في الداخل بزعم الفضل في رحيل الأميركيين.

ويقول قادة عسكريون أميركيون إن من أخطر التهديدات أمام 46000 جندي داخل العراق أنهم قد يكونون أهدافا سهلة للمتمردين عندما يبدأون انسحابهم النهائي هذا الصيف ويتجهون إلى الحدود عبر طريق يمتد لمسافة 160 ميلا يمر عبر الصحراء وصولا إلى الكويت. ويقول الكولونيل دوغلاس كريسمان، المسؤول عن القوات الأميركية في 4 محافظات جنوب العراق والمشرف على أمن الطريق السريع الذي يمر عبر هذه المحافظات: «لقد تعرضت قواتنا لهجوم اليوم، على الرغم من أننا كنا جالسين. ماذا سيحدث عندما تتحرك شاحناتنا في شكل طابور استعدادا للخروج وبدء الرحيل عن البلاد؟».

لقد تعلم الجيش الأميركي خلال 8 أعوام داخل العراق درسا صعبا، وهو أن القوات الأميركية لا يمكنها تأمين مناطق واسعة بشكل فعال من دون مساعدة سكان محليين. ولذا قام قادة عسكريون بصياغة استراتيجية خروج تقتبس عنصرا هاما من حركة «الصحوة»، وهو برنامج تكتيكي ناجح نفذ خلال عام 2006 مع ارتفاع وتيرة أعمال العنف، وتتضمن الاستراتيجية قيام الجيش بتقديم مدفوعات قيمتها 10000 دولار شهريا لزعماء 10 قبائل.

وبصورة رسمية، تعطى الأموال كي يقوم العراقيون بتنظيف طريق مهم من الأنقاض، ويعد هذا مجرد مبرر ظاهري لأنه يوجد اتفاق عراقي - أميركي يحظر المدفوعات المباشرة من أجل الحفاظ على الأمن. ويقوم شيوخ القبائل بالاحتفاظ بجزء من الأموال، بينما يستخدمون الجزء الباقي لـ35 عاملا لكل منهم، يقومون بتنظيف الطريق من المخلفات، الأمر الذي سيجعل من الصعب على المسلحين إخفاء القنابل.

لكن الجيش يقول إن الهدف يتجاوز تجميل الطريق السريع، حيث يأمل أن يقوم المواطنون المحليون بالمساعدة على مراقبة الطريق والمنطقة وتقديم معلومات استخباراتية حول المسلحين. ويقول الكولونيل كريسمان: «لا يمكن أن أكون موجودا في كل المناطق في وقت واحد». وأضاف: «توجد حوافز لهم كي يحافظوا على أمن الطريق السريع، ويتعزز احتمال تجديد التعاقدات خلال الفترة المتبقية من العام مع الشيوخ الذين لدينا علاقات جيدة معهم ويحافظون على طرقهم السريعة نظيفة وآمنة».

وحتى الآن برهنت التعاقدات على أنها وسيلة فعالة من ناحية التكلفة لتعزيز أمن القوات مقابل 100000 دولار شهريا. ويقول مسؤولون إن الهجمات باستخدام العبوات الناسفة ضد الجنود العراقيين والأميركيين في المنطقة قد تراجعت، كما تراجعت الهجمات بالصواريخ على القاعدة العسكرية من المناطق التي يسيطر عليها الشيوخ.

وقال مسؤولون إن التعاقدات تتكلف أقل من جميع الإجراءات الأخرى التي استخدمها الجيش في العراق لضمان الأمن، ويقوم شيوخ بتقديم أسماء العمال حتى يمكن للجيش إجراء التدقيق الأمني لهم.

ويقول الكولونيل كريسمان: «تكلفة العربة المدرعة التي يتم تدميرها باستخدام عبوة ناسفة تصل إلى 400000 دولار، هذا إلى جانب التكلفة البشرية». وأضاف: «على ضوء المبالغ التي أنفقت في هذا البلد، يعد مبلغ 100000 دولار من أجل تأمين طريق سريع شهريا مبلغا صغيرا، لا سيما على ضوء أهمية الطرق السريعة في عملية الانسحاب».

وفي أيام كثيرة يمكن رؤية عمال يجمعون القمامة ويلقون الإطارات داخل شاحنات. وفي مرات كثيرة على مدار الأسبوع، يجوب الجيش الطريق السريع لضمان أن المناطق نظيفة. وتظهر قيمة التعاقدات - إلى جانب القيود عليها - في طرق تحيط بالطريق السريع، حيث تكثر الهجمات. وقد دفع ذلك قادة عسكريين إلى البدء في توسيع البرنامج ليشمل طرقا مجاورة أيضا. كما نجد أن شيوخا محليين في جنوب العراق متحمسون بدرجة أكبر للحصول على المال، ويسعون إلى الحصول على ما قد يكون القسط الأخير من هبات الجيش السخية. وتساعد الأموال أيضا الشيوخ على كسب ولاء مواطنيهم من خلال منح الشيوخ قدرة على توفير وظائف لهم.

لكن الجيش يقول إن الميليشيات الشيعية مدركة أيضا تأثير المدفوعات المالية على الزعماء القبليين، ولذا تحاول هي الأخرى أيضا كسب ولائهم والاستفادة من معلوماتهم الاستخباراتية. ويقول الكولونيل كريسمان، في إشارة إلى المسلحين الشيعة الذين يعملون في جنوب العراق: «يوجد بعض الشيوخ الذين يعملون مع الفريق الآخر ويحصلون على مدفوعات جيدة من جانب المسلحين حتى يمكنهم العمل على أرضهم».

وتأتي بعض الميليشيات الشيعية وأتباع رجل الدين الشيعي المناهض لأميركا مقتدى الصدر ضمن أشد خصوم الولايات المتحدة داخل العراق. وقد رفعت المجموعات، التي لها روابط قوية بإيران، من نشاطها المناهض لأميركا مؤخرا، بينما يتناقش مشرعون عراقيون داخل بغداد حول ما إذا كان يتعين الطلب من الأميركيين البقاء بعد الموعد النهائي المحدد لرحيلهم.

وتجلت الأهمية المحتملة لتعاقدات تنظيم الطريق السريع الشهر الماضي عندما اصطحب مراسل لصحيفة «نيويورك تايمز» الليفتنانت كولونيل روبرت رايت لتناول الغداء مع قادة قبليين. استمر الاجتماع، الذي كان داخل خيمة في وسط منطقة صحراوية قاحلة، 3 ساعات، وأكل الزعماء القبليون والأميركيون من أطباق كبيرة عليها الأرز ولحم الضأن وتحدثوا حول عائلاتهم والساحة السياسية العراقية. وبعد ذلك في طريق العودة إلى القاعدة الأميركية قدم أحد الزعماء القبليين معلومة استخباراتية عن مسلحين شيعة قال إنهم يجتمعون بصورة منتظمة في ميدان مفتوح. وأشار الكولونيل إلى أن ذلك يثير اهتمامه، وبعد ذلك تطرق الزعيم القبلي المحلي إلى تعاقد بخصوص تنظيف الطريق السريع.

* خدمة: «نيويورك تايمز»