بينما انضمت روسيا والصين إلى بقية الدول الكبرى في الإعراب في بيان عن قلقها من البرنامج النووي الإيراني، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس فرض عقوبات جديدة على الحرس الثوري الإيراني وقوة المقاومة (الباسيج) والشرطة الوطنية في إيران، ورئيسها إسماعيل أحمدي مقدم، لتورطها في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان منذ يونيو (حزيران) 2009 أثناء الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
واعتبرت وزارة الخزانة الكيانات الثلاثة ورئيس الشرطة يتشاركون المسؤولية في ما وصفته بـ«الانتهاك المتواصل والحاد في مجال حقوق الإنسان في إيران». وقال بيان وزارة الخزانة «إن هذه التصرفات تكشف استعداد إيران لتحويل أجهزة الدولة في أعلى مستوياتها لقمع الشعب الإيراني وقمع تطلعاته الديمقراطية». وقال مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة آدم زوبين «سنستمر يقظين في جهودنا التي تهدف إلى عزلة المسؤولين الإيرانيين عن النظام المالي الدولي، مادام حرمان الشعب الإيراني من حقوقه الأساسية مستمرا».
وترتكز العقوبات الجديدة على القرار التنفيذي الذي وقعه الرئيس أوباما في سبتمبر (أيلول) 2010، والذي استهدف مسؤولين إيرانيين قاموا بانتهاكات حقوق الإنسان. وتفرض العقوبات الصادرة أمس حظر التعامل في أي ممتلكات يملكها المسؤولون الإيرانيين داخل الولايات المتحدة، وحظر الدخول في معاملات مالية أو تجارية بين المواطنين الأميركيين والمسؤولين الإيرانيين، وجميع أعضاء الكيانات السابقة، كما يحظر القرار إصدار تأشيرات سفر من قبل وزارة الخارجية الأميركية لهؤلاء المسؤولين.
وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «لقد تابع العالم قوات الأمن الإيرانية وهي تقمع بعنف الآلاف من الإيرانيين الذين يطالبون بالشفافية وتحقيق المساءلة في حكومتهم، وقد خرج المواطنون الشجعان إلى الشوارع للنضال من أجل الحريات المدنية والحقوق الأساسية». وأيدت كلينتون العقوبات المفروضة على الكيانات الثلاثة التي اعتبرتها متواطئة في القمع الوحشي المستمر للإيرانيين.
وانتقدت كلينتون قيام قادة إيران بإطلاق تصريحات منافقة لمساندة المتظاهرين في الدول الأخرى من أجل التظاهر لتقرير مصيرهم، بينما تقوم إيران باعتقال عدد كبير من السياسيين لمجرد قيامهم بالإعراب عن وجهات نظرهم التي تتعارض مع آراء قادة إيران وتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم مشكوك فيها، من دون مراعاة للأصول القانونية التي يكفلها الدستور الإيراني.
وأشارت وزيرة الخارجية الأميركية إلى تعرض الأقليات الدينية والعرقية في إيران للإرهاب والاعتقال واستهداف النظام الإيراني للنشطاء في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان ورجال الدين، ومنع الفنانين والصحافيين والأكاديميين من العمل، وإجبار الكثير منهم على الفرار من وطنهم. واتهمت كلينتون النظام الإيراني بتقييد حرية الفكر والتعبير. وقالت كلينتون «الولايات المتحدة تقف مع جميع الإيرانيين الذين يرغبون في تشكيل حكومة تحترم حقوق الإنسان وكرامتهم وحريتهم، ونحن ندعو الحكومة الإيرانية لإنهاء الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان والتوقف عن النفاق السياسي». وأضافت أن «العقوبات المفروضة تعكس التزامنا بمحاسبة الحكومات والمسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان وحرمان مواطنيها من فرص المستقبل التي يستحقونها».
وقال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان مايكل بوسنر «إنه بفرض هذه العقوبات على الحرس الثوري الإيراني والباسيج والشرطة الوطنية، فإننا نبرهن على أن وكالات تنفيذ القانون ليست فقط مسؤولة عن تطبيق القانون، لكن أن تعمل أيضا على ضمان حماية حقوق الإنسان العالمية لكل فرد، وضمان التزام إيران بها والتزامها بالدستور الإيراني الذي ينص عليها».
يذكر أن قوات الحرس الثوري قام آية الله الخميني بتشكيلها في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، وهي المسؤولة عن حراسة الحدود والحفاظ على الأمن داخل إيران والحفاظ على الثورة. وقد ازداد نفوذ الحرس الثوري ومشاركته في قمع المعارضة السياسية منذ الانتخابات الرئاسية في يونيو 2009.
واعتبرت واشنطن قوة الحرس الثوري المسؤول الأول عن انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت منذ الانتخابات الرئاسية، والقيام بحملات اعتقال عنيفة وسوء معاملة للمعتقلين السياسيين واحتجازهم في سجن ايفين في طهران الذي يسيطر عليه الحرس الثوري.
أما قوة المقاومة الباسيج فهي قوة شبه عسكرية تابعة للحرس الثوري، وتعمل على ضمان الأمن الداخلي في إيران. واتهمت واشنطن قوة الباسيج وقائدها محمد رضا نقدي بالتورط بشدة في أعمال القمع العنيفة وانتهاك حقوق الإنسان، والهجمات على طلاب الجامعة، وإساءة معاملة المعتقلين وممارسة العنف ضد المتظاهرين المسالمين.
وأشار البيان إلى قوة الشرطة الوطنية الإيرانية التي تعد أحد الأجهزة الأمنية الرئيسية للحفاظ على الاستقرار الداخلي في إيران. واتهمت واشنطن جهاز الشرطة الوطنية، وقائدها إسماعيل حمدي مقدم بلعب دور رئيسي في الحملة التي شنتها الحكومة الإيرانية على المتظاهرين، والهجوم على جامعة طهران التي أصيب خلالها أكثر من 100 طالب، واحتجاز الطلاب وتعريضهم للإيذاء البدني في معتقل كهريزال «سيئ السمعة» الذي تقول واشنطن إنه كان موقعا لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد السجناء المحتجزين عقب الانتخابات الرئاسية وتعرض المعتقلين للضرب والحرمان من الرعاية الصحية، مما أدى إلى وفاة ثلاثة معتقلين.
وفي فيينا، أعربت الدول الكبرى عن «قلقها العميق» أمس حيال تطلعات إيران النووية في مواجهة رفضها الإجابة عن أسئلة عن الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي المثير للجدل.
وكانت إيران أعلنت أول من أمس أنها ستزيد طاقة إنتاجها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، وستنقل العمل من منشأة التخصيب الرئيسية في ناتانز إلى موقع أصغر في فوردو. وعلى أثر ذلك أعربت كل من بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة عن قلقها في هذا الشأن في بيان مشترك في اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعددهم 35 عضوا.
وجاء في البيان المشترك أن «عدم التزام إيران المستمر بتنفيذ واجباتها بموجب قرارات مجلس الأمن وتطبيق عشر قرارات صادرة عن مجلس حكام الوكالة قد زاد من المخاوف التي يثيرها المجتمع الدولي بشأن تطلعات إيران النووية». وأشارت تلك الدول التي تشكل مجموعة تعرف باسم «5 + 1» إلى أن مدير الوكالة الدولية يوكيا أمانو بعث برسالة إلى مدير منظمة الطاقة النووية الإيرانية «أعاد فيها التأكيد على المخاوف بشأن وجود أبعاد عسكرية محتملة لبرنامج إيران النووي». وأكد البيان على ضرورة أن توضح إيران هذه المسائل وتوفر «إمكانية الدخول السريع لعدد من الأماكن والوصول إلى عدد من الأشخاص والمعلومات المرتبطة بمسالة الأبعاد العسكرية المحتملة»، للبرنامج النووي الإيراني.
وفي وقت سابق، انتقد غلين ديفيز، المبعوث الأميركي لدى مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خطط إيران زيادة قدراتها على تخصيب اليورانيوم ثلاث مرات في تحد لمجموعة العقوبات المفروضة عليها. وقال إن تلك الخطوة تعد «أحدث مثال لاستمرار إيران في عدم الانصياع السافر» لالتزاماتها الدولية.
وخلال جلسة مغلقة لمجلس الوكالة الذرية المكون من 35 عضوا، أشار المبعوث الأميركي إلى أن توسيع إيران لإنتاج اليورانيوم المخصب يعني أن إيران ستنتج من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة أكثر مما تحتاجه لمفاعلها البحثي الوحيد. وقال ديفيز إن هذا التخصيب «يشكل أيضا فصلا آخر من الرواية الإيرانية المتبدلة حول أسباب بناء تلك المنشأة التي تقع في باطن الأرض».
وبنيت منشأة فوردو سرا في عمق جبل قرب مدينة قم ذات الأهمية الدينية الخاصة بالنسبة للمسلمين الشيعة على بعد 150 كيلومترا جنوب غربي طهران. وقد أدى انكشاف معلومات عام 2009 عن تلك المنشأة إلى غضب بالغ في الغرب، مما حدا بالأمم المتحدة إلى تشديد العقوبات المفروضة على طهران.
وأصر المبعوث الإيراني لدى الوكالة الذرية علي أصغر سلطانية على أن بلاده لا تجد بديلا سوى إنتاج الوقود النووي بنفسها لعدم نجاح المفاوضات مع الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا حول صفقة لإمداد طهران بالوقود الذي تحتاجه، بينما لا يتوافر اليورانيوم المخصب على الصعيد التجاري حتى يتسنى لإيران شراؤه. وقال سلطانية «إننا بحاجة للوقود النووي لمفاعل طهران البحثي» الذي ينتج النظائر المشعة للبحث الطبي ولعلاج السرطان.
وقالت مصادر مقربة للوكالة الذرية إن إيران لم تخطر رسميا الوكالة الذرية بعد بخططها توسيع إنتاج اليورانيوم المخصب بحسب اتفاق الضمانات الملزم لها، بينما لم تعلم الوكالة عن تلك الخطط إلا عبر وسائل الإعلام. وقال سلطانية للصحافيين «سنخطر الوكالة الذرية بالتأكيد رسميا، وستتمكن من مراقبة تلك الأنشطة مراقبة تامة»، غير أنه لم يحدد تاريخا لذلك.