مصر: «الليبرالية» في قفص الاتهام

السلفيون وصموها بالكفر والإلحاد

TT

بين عشية وضحاها أصبحت «الليبرالية» مصطلحا سيئ السمعة، ومرادفا للكفر والإلحاد، يثير الريبة بين أوساط البسطاء في الشارع المصري. احتدم الجدل حول المصطلح في أعقاب ثورة 25 يناير ونجاحها في إسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وتصاعد الكلام عن دولة مدنية تعتمد على سيادة القانون.. وعلى الرغم من أن الكثير من المصطلحات والمفاهيم طفت على سطح الحياة السياسية، فإن مصطلح الليبرالية كان أكثرها إثارة للجدل، حيث اتهمها الكثير من القوى الإسلامية، خصوصا السلفيين، بأنها منهج غربي يصل أتباعه إلى حد «الكفر والإلحاد»، وأنه يخالف تعاليم المنهج الإسلامي. ولم يفلح دفاع معتنقي الفكر الليبرالي في نفي هذا الاتهام والتأكيد على أنه مصطلح سياسي ومنهج يعبر عن تطور الديمقراطية الحقيقية، وهي في ذاتها جوهر التعاليم الدينية.

عزز من سوء سمعة المصطلح تنصُّل الكثير من القوى السياسية والأحزاب والشخصيات الليبرالية من الإعلان صراحة عن انتمائها أو تبنيها لهذا الفكر، وخلت برامج الأحزاب الليبرالية الجديدة من ذكر هذه الكلمة حتى لا تنفر الناس من الانضمام إليها. في غبار ذلك توارى التعريف بالليبرالية ككلمة إنجليزية (Liberalism‏) تعني التحرر، تحولت مع عصر النهضة إلى مذهب اجتماعي سياسي، برز داخل المجتمعات الغربية بهدف تحرير الإنسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية الثلاثة (السياسية والاقتصادية والثقافية).

يقول عبد الكريم جاد الله (27 عاما)، وهو شاب ليس له انتماء سياسي معين ويعمل في التجارة: «أنا شخصيا اجتذبني هذا الفكر الليبرالي الديمقراطي الذي يدعو لنشر الحرية، لكن بسبب الحديث اللاذع عنه من جانب السلفيين واتهامه بأنه يخالف تعاليم الدين الإسلامي، أصبحت أتوجس منه وأرفض الانضمام إلى أي من هذه الأحزاب التي تنادي بالليبرالية، خصوصا بعدما أصبحت كلمة سيئة السمعة». ومنذ أسابيع انتشر على الإنترنت فيديو شهير للداعية السلفي حازم شومان، يفسر فيه، أثناء خطبه له في أحد المساجد، معنى الليبرالية، ويقول: «الدولة المدنية يعني أمك متلبسش حجاب.. ليه؟ عشان ده هيفرق بين المسلمة والنصرانية».. وتابع: «دولة ليبرالية يعني أي حكم يحكمنا إلا الإسلام، يعني مفيش حاجه اسمها راجل وست. ليبرالية في الاقتصاد يعني أي مصدر تكسب منه فلوس اكسبها، وأي حاجه عايز تصرف فيها الفلوس اصرفها».

بينما أكد الدكتور عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية في مصر، أن هناك معضلة كبيرة لدى الفكر الليبرالي وهي التي تتعلق بفكرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وهي جوهر الدين الإسلامي. وأوضح الشحات، خلال ندوة عقدها باسم «الليبرالية وشعيرة إنكار المنكر»، أن «الليبرالية تعني حرية اتباع الفرد أي شيء وفعله أي منكر دون أن يمنعه أحد أو يوجهه إلى ترك هذا المنكر، في حين أن النهي عن المنكر فريضة قرآنية، وبالتالي فإن متبعي هذه الأفكار يخالفون الإسلام مخالفة صريحة».

مصطفى عبد المجيد (30 عاما)، أحد الشباب اللذين شاركوا في الثورة من أصحاب الانتماء «الإسلامي»، يقول: «لا أعلم الكثير عن هذا المصطلح أو الفكر، لكن كل ما أسمع عنه أنه ضد الدين وأن أتباعه يصلون إلى مرحلة الكفر والإلحاد، لأنه لا يؤمن بالالتزام بتعاليم الدين الإسلامي ويفضل أن يسير وفقا للقوانين الوضعية الغربية». ويوجد في مصر الكثير من الأحزاب الليبرالية، أبرزها: الوفد، الجبهة الديمقراطية، حزب الغد. لكن مع نجاح ثورة 25 يناير وسقوط الحزب الوطني الديمقراطي، الذي سيطر على الحياة الحزبية في مصر لأكثر من ثلاثين عاما، بدأ الكثير من القوى السياسية الليبرالية تعيد ترتيب أوراقها من جديد في شكل أحزاب تحت التأسيس، مثل: الأحرار المصريين، مصر الحرية، المصري الديمقراطي الاجتماعي... إلخ، لتواجه في المقابل العشرات من الأحزاب والحركات الإسلامية التي برزت بقوة أيضا منذ سقوط مبارك. لكن بسبب الهجوم الشديد على الليبراليين من جانب القوى الإسلامية، اضطر الليبراليون إلى القيام بالكثير من الحملات الإعلامية لشرح المعنى الحقيقي لكلمة «الليبرالية»، ونفي مخالفتها للدين الإسلامي. وظهر الكثير من الصفحات على موقع «فيس بوك» تحت عناوين مثل «أنا ليبرالي ومش كافر، أنا ليبرالي لا مؤاخذة، إنت عيل ليبرالي، أنا ليبرالي مسلم مش كافر ولا ملحد».