بينما لا يزال الاشتباك السياسي في مصر محتدما بشأن مستقبل الحكم في البلاد بين أنصار النظام الرئاسي وأنصار الجمهورية البرلمانية منذ الإطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي، يستقبل المشهد السياسي خلال الأيام المقبلة حزبا جديدا يدعو إلى عودة النظام الملكي على غرار الطريقة الأوروبية، وهو ما اعتبره مراقبون «ليس فقط عودة لما قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني).. إنما ارتدادا إلى ما قبل ثورة يوليو (تموز) 1952».
لكن يبدو أن شعار «التفكير خارج الصندوق» كان الدافع الرئيسي لوكيل مؤسسي «الحزب الملكي الديمقراطي» الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي أستاذ المسرح والفولكلور في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، الروائي المعروف في الأوساط الثقافية المصرية والعربية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المتأمل للفكرة بموضوعية سوف يجد فيها ما يشجع على تبنيها»، مشيرا إلى أن أقدم الديمقراطيات في العالم عاشت وتعيش في ظل أنظمة ملكية مثل إنجلترا والدنمارك وإسبانيا وغيرها».
وفي حين يشكك مراقبون في جدوى ما وصفوه بـ«حالة نوستالجيا الملكية» معتبرين أن ما يطرحه الحجاجي لا يعدو أن يكون إعادة إنتاج للنظام البرلماني، كما أنه يتناقض مع أرضية الموروث الثقافي المصري المفعم بقصص النضال ضد الملكية.. يقول الحجاجي إن الملكية في مصر ضاربة بجذورها عميقا في التاريخ منذ الدولة القديمة في مصر الفرعونية وشطبها من القاموس السياسي لا يعني أكثر من تجاهل حقيقة مجتمعية حضارية.
ويرى سياسيون أنه لا ضرر من تعدد الأطروحات السياسية، معتبرين أن أحد منجزات ثورة 25 يناير تحريك المياه الراكدة، وتجاوز «الأحزاب الكرتونية»، مؤكدين أن الفيصل في جدارة الأفكار المتنافسة على الساحة هي قدرتها على استقطاب المصريين.
وكان المجلس العسكري الذي تولى إدارة شؤون البلاد عقب تخلي مبارك عن السلطة قد أصدر قانونا جديدا للأحزاب يسر شروط إنشاء الأحزاب السياسية وجعلها بالإخطار، بعد أن كان الأمر يتطلب الحصول على موافقة لجنة شؤون الأحزاب في عهد النظام السابق، والتي كان يترأسها بحكم منصبه رئيس مجلس الشورى (الغرفة الثانية بالبرلمان) الذي ظل حكرا على أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل (الحاكم سابقا).
وتظل الإشكالية الرئيسية في مشروع الحزب الملكي الديمقراطي هي الطريقة التي حددها الحزب لتنصيب ملك للبلاد. ويحدد حجاجي آلية اختيار الملك بالانتخاب، حيث يقول إن «التاريخ يخبرنا أن كثيرا من رؤوس الأسر الملكية تم تنصيبها بالانتخاب، قد تكون الصفوة هي التي تقوم بالانتخاب بناء على المطالب الشعبية، وذلك في المجتمعات القديمة والحديثة على السواء».
ويتابع حجاجي موضحا: «كانت ألمانيا تنصب الملك الجديد بقرار من حكام الولايات الذين كانوا يختارون الملك من بينهم بالانتخاب. كما تم ذلك في إنجلترا لأكثر من ملك، كما حدث للملك ريتشارد الثالث الذي انتخبه لوردات وقواد الجيوش. وعندما طغى واستبد حاربوه وقتلوه، ثم اختاروا ملكا آخر».
ويعود حجاجي إلى التاريخ المصري الحديث، مدللا على إمكانية مشروعه السياسي، يقول: «لعل النموذج المصري كان أوضح النماذج للمصريين، فمحمد علي اختاره علماء مصر ورجالاتها، ومعهم قيادات الحرفيين والثوار الذين ثاروا على بونابرت وكليبر في ثورة القاهرة الأولى والثانية، واستمر رفضهم للإنجليز ثم الأتراك، وجمعوا أموالا كثيرة من الشعب المصري وأرسلوها إلى السلطان العثماني ليوافق على تعيين محمد علي واليا على مصر، حتى خضع السلطان لمطالب الشعب المصري».
أما عن الشروط الواجب توافرها في الملك – كما يراه وكيل مؤسسي الحزب الملكي الديمقراطي – فتتلخص في أن يكون الملك من أبوين وجدين مصريين، وأن لا يكون متزوجا من أجنبية. وأن يكون حسن السمعة والسير والسلوك، ولا يزيد سنه على خمسين عاما. وأن يكون قد عاش حياة كاملة مستقرة داخل البلاد، ويتم اختيار الملك وفق قواعد كاملة بعد انتخابات مجلس الشعب، وانتخابات مجالس القرى والمدن والمحافظات، وانتخاب العمد ورؤساء مجالس المدن والمحافظين.
وعن آلية انتخاب ملك مصر يقول الحجاجي: «تقوم كل محافظة من خلال مجالسها المنتخبة باختيار الشخص الذي تراه مناسبا لتولي مهام الملك، وليس بالضرورة أن يكون من أبناء المحافظة. ويمكن أن يكون الملك من غير هؤلاء المختارين إذا كان عليه إجماع من أبناء الشعب، على أن لا يكون رئيسا لحزب من الأحزاب، أو من أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب الملكي، ويتم انتخاب الملك بالدعوة إلى انتخابات عامة من كل من ترشحهم المحافظات، لتختار مصر ملكها منهم، وإذا لم يحصل واحد من المرشحين على نسبة 50 في المائة + 1، تعاد الانتخابات بين اثنين حصلا على أعلى نسبة من الأصوات.
وباختيار الملك تكون الملكية وراثية، حيث يكون ولي العهد هو أكبر أبناء الملك سنا، على أن تتولى لجنة خاصة تعليم ابن الملك ورعايته ليكون مؤهلا أن يكون ملكا نموذجيّا، وإذا لم يكن له ابن يكون أكبر إخوته الأشقاء وليّا للعهد، وإذا لم يوجد من يخلف الملك، يكلف البرلمان باختيار الملك الذي تنطبق عليه كل الشروط السابقة.
ويلزم الحزب الملكي الديمقراطي الملك الجديد بالزواج إن لم يكن متزوجا، على أن يتزوج في اليوم التالي لتنصيبه ملكا. ولا ينسى وكيل مؤسسي الحزب أن يقيد صلاحيات الملك المصري ويحدد اختصاصاته، مشيرا إلى أنه «لا يحق للملك إعلان الحرب، أو إخراج الجيش خارج حدود مصر، إلا بموافقة البرلمان المركزي ورئيس الوزراء. كما لا يحق للملك إسقاط الوزارة إلا بعد موافقة البرلمان».
ويكلف الملك رئيس الوزراء الجديد بتشكيل وزارة غير حزبية بموافقة البرلمان. وتكون مدة هذه الوزارة ثلاثة أشهر لحين انتخاب أعضاء البرلمان الجديد.. وللملك كل الاحترام والتقدير من أبناء الشعب، بحيث تتم القرارات باسمه وباسم الشعب: (الله. الحرية. الملك). أما المخصصات المالية للملك فيحددها الدستور، ويقرها البرلمان. كما يجب أن يكون للملك قصر في القاهرة، وآخر في الإسكندرية، وثالث في إحدى مدن صعيد مصر. ويعامل ملك مصر على أنه الرمز الممثل للوطن، وأن يكون له نفس الدور والاحترام الذي لملوك الدول ال.
يذكر أن التاريخ المصري شهد أنظمة ملكية متعددة ومختلفة منذ العهد الفرعوني وحتى سقوط الملكية العلوية نهائيا مع ثورة الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو (تموز) 1952. وكان آخر نظام ملكي هو حكم الأسرة العلوية، حين أصرت الحركة الوطنية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلاديين على تنحية الوالي التركي خورشيد باشا وتعيين أحد العسكريين المقربين من أقطاب الحركة الوطنية وقتها، وهو محمد علي، واليا على مصر، وهو الذي فتك بالحركة الوطنية بعد ذلك نفيا وتهميشا؛ خاصة حينما نفى الشيخ عمر مكرم نقيب الأشراف إلى دمياط بعد أن استتب له حكم مصر. وكان عمر مكرم قد لعب دورا رئيسا في تولي محمد علي حكم مصر.