الولايات المتحدة تكثف حملة غارات جوية سرية على مناطق في اليمن

مستخدمة طائرات مسلحة من دون طيار وطائرات مقاتلة

جندي يمني أمام مبنى للحزب الحاكم وقد اصيب بالدمار وهو مغلق في صنعاء امس (أ.ف.ب)
TT

كثفت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما غاراتها الجوية على اليمن، التي كشفت عن فراغ متنام في السلطة في الدولة، وهاجمت عناصر عسكرية مشتبه فيها بطائرات مسلحة من دون طيار وطائرات مقاتلة، بحسب مسؤولين أميركيين.

ويأتي تسريع الحملة الأميركية في الأسابيع الأخيرة وسط صراع عنيف في اليمن ترك الحكومة في صنعاء، حليفة الولايات المتحدة، تصارع من أجل التشبث بالسلطة. وقد تمت إعادة القوات اليمنية التي كانت تقاتل المسلحين المتصلين بتنظيم القاعدة في الجنوب إلى العاصمة مجددا، وينظر مسؤولون أميركيون إلى الطلعات، باعتبارها أحد الخيارات المحدودة المتاحة لإبعاد المسلحين عن السلطة.

وفي يوم الجمعة الماضي، قتلت طائرات نفاثة أميركية أبو علي الحارثي، وهو ناشط متوسط المستوى بتنظيم القاعدة، وعددا من المسلحين الآخرين المشتبه فيهم في غارة أميركية جنوب اليمن، ووفقا لشهود عيان، لقي أربعة مدنيين مقتلهم أيضا إثر الغارة. وقبل ذلك بأسابيع، أطلقت طائرة أميركية من دون طيار قذائف استهدفت أنور العولقي، الأميركي المولد الذي حاولت الحكومة الأميركية قتله لأكثر من عام، غير أن هذه الغارة لم تنجح في قتله.

وتأتي العمليات الأخيرة بعد توقف الغارات الأميركية لمدة عام، وذلك عقب تسبب الاستخبارات الضعيفة في إفشال مهمات أميركية ومقتل مدنيين، الأمر الذي ضرب أهداف الحملة السرية في مقتل.

وذكر مسؤولون في واشنطن أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والسعودية كانت تتلقى مزيدا من المعلومات – من عمليات التنصت الإلكتروني وتسريبات المخبرين – عن المواقع المحتملة للمسلحين. لكنهم أضافوا أن احتدام القتال على نطاق واسع في اليمن ولد خطرا جديدا، ألا وهو احتمال أن يزود أحد الأطراف اليمنية الأميركيين بمعلومات من شأنها أن تدفعهم إلى تعزيز غاراتهم ضد خصم أو طرف منافس.

وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، متحدثا شريطة عدم الإفصاح عن هويته، أول من أمس، إن استخدام القوة ضد المسلحين في اليمن بات أمرا أكثر تعقيدا بسبب امتزاج مقاتلي «القاعدة» مع ثوار آخرين ومسلحين مناوئين للحكومة، الأمر الذي زاد من صعوبة أن توجه الولايات المتحدة هجماتها من دون أن تظهر بمظهر المتحيز لطرف على حساب أطراف أخرى.

ويقود الحملة الأميركية في اليمن فرقة عمليات خاصة مشتركة تابعة للبنتاغون وبالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه). وللفرق العسكرية الأميركية وعملاء المخابرات الأميركية مركز قيادة في صنعاء، عاصمة اليمن، لجمع معلومات عن المسلحين في اليمن والتخطيط لشن غارات في المستقبل.

ونظرا لخوفه من احتمال انخفاض حجم الدعم المقدم للحملة إذا ما سقطت حكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، التقى السفير الأميركي لدى اليمن مؤخرا مع قادة المعارضة اليمنية، لتقديم مبررات لاستمرار العمليات الأميركية في اليمن. وذكر مسؤولون في واشنطن أن قادة المعارضة اليمنية قد أخبروا جيرالد فيرشتاين السفير الأميركي في صنعاء، أن العمليات ضد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية يجب أن تستمر بصرف النظر عمن سيفوز في الصراع على السلطة في اليمن.

وكان حجم العمليات العسكرية الأميركية في اليمن من بين الأسرار التي تحتفظ بها إدارة الرئيس الأميركي أوباما طي الكتمان، إذ يخشى المسؤولون من أن يؤدي ذيوع أخبار عن عمليات عسكرية أميركية أحادية الجانب إلى تقويض تشبث صالح بالسلطة. وكان صالح قد سمح بالمهمات العسكرية في اليمن في عام 2009، ولكنه وضع قيودا على مداها، وصرح علنا أن كل العمليات العسكرية أجريت من قبل قواته الخاصة.

وقد غادر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح صنعاء الأسبوع الماضي لتلقي العلاج الطبي في السعودية جراء الإصابة التي تعرض لها إثر تفجير المجمع الرئاسي، وتمت إعادة المزيد من القوات الحكومية إلى صنعاء لدعم دفاع الحكومة.

«لقد رأينا النظام ينحو بموارده بعيدا عن جهود مكافحة الإرهاب، ويوجهها إلى الحفاظ على بقائه»، هذا ما ذكره كريستوفر بوسيك، خبير في الشؤون اليمنية في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي. وأضاف قائلا «لكن، مع زيادة الاضطراب في اليمن، زادت المساحة التي يمكن للأميركيين العمل من خلالها». لكن بوسيك وآخرين حذروا من رد فعل معاد من جانب الغارات الأميركية، التي أودت بحياة عشرات المدنيين والمسؤولين الحكوميين اليمنيين على مدار العامين الماضيين. ويمكن أن تضيع المزايا المحققة من قتل واحد أو اثنين من المسلحين المتصلين بتنظيم القاعدة، على حد قوله، إذا ما أودت الغارات بحياة مدنيين وأدت بعشرات آخرين للانضمام إلى حركة الجهاد. وأشار إدموند هول، سفير لدى اليمن من عام 2001 إلى عام 2004 ومؤلف كتاب «الهدف عالي القيمة: مواجهة تنظيم القاعدة في اليمن» بمسمى «أداة مهمة»، إلا أنه ذكر أن الولايات المتحدة يتعين عليها «تجنب الخسائر الإضافية وإلا فسنجعل القبائل تنقلب ضدنا».

وتعتقد الـ«سي آي إيه» أن جماعة منتمية إلى تنظيم القاعدة في اليمن تشكل أكبر تهديد مباشر للولايات المتحدة، وهو خطر أكبر بكثير من ذلك الذي اعتقدت القيادة العليا لتنظيم القاعدة أنه كامن في باكستان. وقد تم ربط الجماعة اليمنية بمحاولة تفجير طائرة نفاثة عابرة للمحيط الأطلسي يوم عيد الميلاد في عام 2009 ومحاولة تفجير طائرات بضائع العام الماضي بواسطة متفجرات مخبأة داخل خراطيش طابعات.

وكان الحارثي، المقاتل الذي قتل يوم الجمعة الماضي، ناشطا مهما في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، كما كان يعتقد أنه أحد المسؤولين عن سطوة الجماعة في السنوات الأخيرة. ووفقا لأفراد مقربين في اليمن من المجموعة المسلحة، سافر الحارثي إلى العراق في عام 2003 وحارب إلى جانب أبو مصعب الزرقاوي، الناشط الأردني الذي قاد الجماعة المنتمية لتنظيم القاعدة في العراق إلى أن قتل في غارة أميركية في عام 2006. وذكر مقربون من المسلحين أن الحارثي عاد إلى اليمن في عام 2004، حيث تم القبض عليه ومحاكمته وحبسه في عام 2006، غير أنه أطلق سراحه بعد 3 سنوات.

وحتى مع عمل مسؤولي إدارة رفيعي المستوى وراء الكواليس مع السعودية من أجل إرساء حكومة انتقالية لتولي السلطة في اليمن، طالب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية الحكومة المتأهبة للمعركة في صنعاء بالتركيز على التعامل مع المتمردين ومقاتلي تنظيم القاعدة.

وقال المتحدث مارك تونر: «برحيل صالح إلى السعودية، حيث ما زال يخضع للعلاج، فليس هذا وقت التراخي». وأضاف: «هناك حكومة ما زالت قائمة هناك، ويحتاج مسؤولوها إلى اغتنام الفرصة والمضي قدما».

- ساهم محمد الأحمدي من صنعاء، وإريك شميت وسكوت شين من واشنطن في إعداد التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»