نزاع حول شجرة ارتبطت بواحدة من أشهر ضحايا الهولوكوست

تحريك دعوى قضائية في هولندا بسبب ترك «شجرة آن فرانك» تنهار وعدم توزيع بقاياها على متاحف يهودية

الشجرة المنهارة وتبدو أمام جذعها الدعامة المعدنية («نيويورك تايمز»)
TT

من شرفة الغرفة الواقعة تحت السقف مباشرة بالمبنى الذي تختبئ فيه أسرتها في أمستردام، كان بإمكان آن فرانك أن ترى قمة شجرة كستناء عتيقة نامية في حديقة أحد المنازل المجاورة. ولمدة عامين، كانت تلك الشجرة هي مصدر اتصالها الوحيد بالطبيعة. وقد اختفت الشجرة الآن، بعد سقوطها إثر عاصفة هبت في أغسطس (آب) الماضي، غير أن ذكراها ما زالت حية، ليس من خلال المذكرات، ولكن في إطار نزاع بغيض على بقاياها.

وقد صب أعضاء مجلس إدارة «مؤسسة دعم شجرة آن فرانك»، المؤسسة المسؤولة عن الشجرة، جام غضبهم على المقاول الذي استأجروه لبناء دعامة معدنية لمد عمر الشجرة المريضة. واتهموه بالإخلال بعمله والقضاء على الشجرة، ثم سرقة بقاياها وتركها تتعفن بدلا من توزيعها على المتاحف اليهودية والمؤسسات الأخرى حول العالم التي ربما ترغب في امتلاكها. وربما نظرا للسياق التاريخي المرتبط بهذه الشجرة والمشاعر التي أثارها الموقف، اتهموه أيضا بالتصرف كنازي. (يشار إلى أن آن فرانك تعد واحدة من أكثر ضحايا الهولوكوست شهرة بسبب مذكرات تركتها وصارت موضوعا لعدة كتب وأفلام).

إن الشجرة، التي يزيد عمرها على 150 عاما والمصابة بعدوى فطرية، كان من المفترض أن تقطع منذ عدة سنوات مضت، إلا أن مجموعة من الجيران وأخصائيي رعاية الأشجار عارضوا قرار المدينة بهذا الشأن.

«كانت الشجرة معلما يبث الأمل»، هذا ما قالته هيلجا فاسبيندر، عضو بمجلس إدارة المؤسسة المعنية بحماية الشجرة وأستاذة جامعية متقاعدة كان منزلها يطل على الشجرة. وفي 2008، تولت المؤسسة مسؤولية حماية الشجرة، والتي قال الخبراء إن عمرها يمكن أن يمتد لفترة تتراوح ما بين 5 سنوات إلى 15 سنة بمساعدة الدعامة المعدنية.

وطلب أرنولد هييرتج، عضو بمجلس إدارة المؤسسة، وهو اقتصادي هولندي بارز وشخصية مشهورة بمواقفها الهجومية العنيفة، من مقاول محلي، وهو روب فان دير ليج، بناء الهيكل المعدني، الذي كانت قد صممته جهة خارجية. يذكر أن هييرتج اليهودي كان قد عاصر فترة الاحتلال النازي لهولندا وهو طفل في مخبأ.

وقد انتهت عملية بناء الهيكل، والتي بلغت تكلفتها نحو 170,000 دولار، في أبريل (نيسان) 2008. ومع اتفاق الطرفين، ساهم فان دير ليج والمقاولون من الباطن العاملون معه بنحو 120,000 دولار من إجمالي التكاليف. وعند تقديم فاتورة التكاليف للمؤسسة، لم تتمكن سوى من دفع نصف المبلغ المتبقي وهو 50,000 دولار، لذلك ساهم فان دير ليج ببقية المبلغ في صورة قرض دون فوائد، وطلبت منه المؤسسة الانضمام إلى عضوية مجلس إدارتها. وبعد ذلك، في 23 أغسطس، سقطت الشجرة التي طولها 70 قدما. وقد عقد اجتماع طارئ لمجلس إدارة المؤسسة ظهيرة يوم سقوط الشجرة في مقهى مواجه لمنزل فاسبيندر. وهنا، اختلفت الروايات. فقد قالت فاسبيندر إن فان دير ليج أدرك على الفور أنه المسؤول عن انهيار الهيكل، وأنه رغب في إخفاء الدليل بأسرع ما يمكن. (لم يخلص التحليل الذي أجرته مؤسسة «جينيرالي نون لايف» في هولندا، التي منحت التغطية التأمينية للمؤسسة، إلى حقيقة أن دير ليج كان مذنبا).

وقال دير ليج إنه عندما سقطت الشجرة، اتصل بمؤسسة «جينيرالي» وقيل له إن الخطة التأمينية لن تغطي على الأرجح تكلفة الضرر الذي ألحقه سقوط الشجرة بالعقار المجاور. ولم تتم تغطية تكاليف عملية إزالة الشجرة. وفي المقهى، نبه أعضاء مجلس الإدارة الآخرين واقترح أن يقسموا التكاليف بين بعضهم البعض، إذا لزم الأمر. وقال إن فاسبيندر رفضت في البداية، قائلة إنها تدفع بالفعل الرسوم البريدية للمؤسسة.

وبنهاية الاجتماع، وفقا لفان دير ليج وأخصائي أشجار ضمن أعضاء مجلس الإدارة، وافق الأعضاء الحاضرون على أن يقوم بإزالة الشجرة. ولكن بمجرد أن تمت إزالة الشجرة البالغ وزنها 30 طنا، تلقى فان دير ليج خطابا مفاده أنه لم يتم مطلقا الأمر بإزالة الشجرة. وقال: «حينها، انهارت ثقتي بنفسي».

تدهورت الأمور منذ ذلك الحين. فقد طالب فان دير ليج بعقد اجتماع آخر احتجاجا على ما جاء في الخطاب، وقال إن هييرتج، الذي لم يكن حاضرا في الاجتماع السابق، قد اتخذ رد فعل عنيفا، مقارنا سلوكه بالسلوكيات المتبعة في معسكر الاعتقالات «أوشفيتز» وغرف الغاز. وقال في اجتماع خاص، إن هييرتج أمره بتجاهل الموضوع وهدده باستغلال اتصالاته بوسائل الإعلام الإخبارية. غير أن هييرتج ينكر كلا الادعاءين.

وفي ديسمبر (كانون الأول) أرسل محامي فان دير ليج خطابا إلى المؤسسة فيما يتعلق بدفع تكاليف إزالة الشجرة، وهي التكاليف التي قررت مؤسسة «جينيرالي» التبرع بها. وبعد بضعة أيام، تلقى المقاول فاكسا من هييرتج، والذي تم عمل نسخ منه وإرسالها إلى «أطراف أخرى معنية» ونشر لاحقا في صحيفة «فولكسكرانت» اليومية، وجاء فيه أن فان دير ليج كان «ككثيرين ممن استولوا على ممتلكات اليهود، في أعقاب القضاء على الملايين منهم». وشبه هييرتج أيضا خطاب المحامي بالأوامر التي كان يتم إرسالها إبان فترة الحكم النازي.

وكرد فعل، أقام فان دير ليج دعوى سب وقذف ضد هييرتج. وفي الشهر الماضي، طالب المؤسسة أيضا بتحصيل كل الديون المستحقة، والتي تقدر بنحو 50,000 دولار.

وهز فان دير ليج رأسه، وهو جالس أسفل صورة محاطة بإطار لنيلسون مانديلا (تلقاها هدية من مانديلا تقديرا لإسهامه في بناء مساكن للفقراء في جنوب أفريقيا) في مكتبه في أمستردام.

وقال المقاول، الذي تختص شركته بتجديد الوحدات السكنية الحكومية: «هناك خاسرون فقط في تلك القصة، لكني أشعر أنني طعنت في نزاهتي».

«لا أعبأ بالمال»، هذا ما جاء على لسان فان دير ليج، الذي ذكر أنه في حالة ما إذا كسب القضية، فسيتبرع بالتعويض للأعمال الخيرية. واستطرد قائلا: «لقد وقعوا اتفاقا في 2007، وقالوا: (أجل، لدينا المال، ونعرف ما نفعله)، لكن لم تكن هناك أموال، ولم يكن هناك تأمين كاف، وتحمل أعضاء مجلس الإدارة المسؤولية. والآن يقولون إنني شخص سيئ وأسرق التراث الثقافي اليهودي. إنه فساد أخلاقي». وبموجب القانون الهولندي، يتمتع فان دير ليج بحق الاحتفاظ بالشجرة إلى أن يتلقى أجره، لكنه قدم أجزاء من الشجرة إلى الجهات التي وقع اختيار المؤسسة المسؤولة عن الشجرة عليها.

يذكر أنه يعاد استخدام أخشاب الأشجار ذات الطبيعة الخاصة بطرق رمزية. غير أن فان دير ليج ذكر أنه إذا تحتم عليه أن يتخلى عن الشجرة الآن، فسيكون مصيرها مجهولا. فالمؤسسة المسؤولة عنها تصرح بأنها لا يمكنها دفع مقابل عمليات التخزين أو النقل أو القطع. وقد ذكر أعضاؤها أسماء متاحف يهودية في برلين ونيويورك وأمستردام يمكنها استلام الشجرة، غير أن مسؤولين بمتاحف نيويورك وبرلين أشاروا إلى أنه لا يمكنهم ضم الشجرة إلى مجموعة التحف والآثار المعروضة. وفي وسائل الإعلام الإخبارية الهولندية، ذكرت المؤسسة أن شركة «دي إتش إل» للشحن والخدمات اللوجستية ستقدم خدمة الشحن مجانا. غير أن شركة «دي إتش إل» أوضحت أنه لا توجد خطط مؤكدة، وربما تقدم خدمة الشحن مجانا أو بتكلفة مخفضة.

إذن، فحتى الآن لا تزال الشجرة في شركة البناء الخاصة بفان دير ليج. وهو ينكر الاتهامات بأن تخزينه للشجرة لا يطابق المعايير القياسية المعمول بها، قائلا إن أسلوبه تم التصديق عليه من قبل خبير أشجار. وقال فان دير ليج: «إنها شجرة آن فرانك. ومسؤوليتنا جميعا أن نتعامل بشكل جيد معها».

* خدمة «نيويورك تايمز»