عناصر من قبيلة القذافي تقترح نقل سلطاته مقابل عدم ملاحقته

مسؤول ليبي لـ «الشرق الأوسط»: هناك قنوات حوار سرية مع حكومات غربية يقودها مقربون من العقيد

ثوار ليبيون يطلقون قذائفهم على قوات العقيد القذافي لدى تقدمهابالقرب من مدينة مصراتة أمس (رويترز)
TT

وسط توقعات بأن يدلي العقيد الليبي معمر القذافي اليوم بخطاب جماهيري، في الذكرى الأربعين لجلاء القوات الأميركية عن ليبيا، قالت مصادر ليبية وعربية وغربية لـ«الشرق الأوسط» إن هناك محاولات سرية لإقناع القذافي بالتخلي عن السلطة مقابل تأمين ممر آمن له ولأسرته وكبار مساعديه.

ولم يظهر القذافي علانية في حشد جماهيري منذ عدة أسابيع، تحسبا لمحاولات اغتياله، بعد تصعيد حلف شمال الأطلسي (الناتو) غاراته الجوية على القوات والمواقع العسكرية التابعة للقذافي في العاصمة الليبية طرابلس. واكتفى القذافي بكلمة صوتية قبل بضعة أيام خلال القصف العنيف للناتو الذي تزامن مع احتفال القذافي بعيد ميلاده التاسع والستين، علما بأن القذافي ظهر في لقطات محدودة وهو يستقبل في مكان غير معلوم بعض المسؤولين المحليين وآخرين من قبائل الطوارق.

وقال دبلوماسي عربي، على صلة بالاتصالات الدائرة بين مسؤولين غربيين ومقربين من القذافي، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك تباينا في وجهات النظر داخل الدائرة اللصيقة بالقذافي بشأن كيفية إتمام صفقة سياسية تسمح للعقيد بمغادرة ليبيا مقابل حصوله على تعهدات من المجلس الانتقالي الوطني الممثل للثوار المناهضين له، بالإضافة إلى ضمانات من دول التحالف الغربي بعدم السعي لاحقا لاعتقال القذافي أو اغتياله أو تقديمه للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وأوضح الدبلوماسي الذي طلب عدم تعريفه أنه خلال لقاءات له مع مسؤولين مقربين من القذافي مؤخرا في العاصمة الليبية طرابلس، سمع أحاديث عن الحاجة لإيجاد حل لوقف نزيف الدم وتلميحات إلى أن القذافي قد يغادر لو تلقى هذه الضمانات. وأضاف «بالنسبة للثوار فهم لا يمانعون، أما الناتو والتحالف الغربي فليس هناك من موقف محدد له.. إنهم يريدون رحيله بأي ثمن، لكنهم لن يوفروا له خروجا مشرفا من السلطة في كل الحالات».

وقال مسؤولون في المجلس الانتقالي الليبي المناهض للقذافي، إن مسؤولين من قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها القذافي عرضوا عليه اقتراحا بنقل السلطة إلى أعضاء القيادة التاريخية للثورة الليبية عام 1969 أو إلى مؤتمر الشعب العام الليبي (البرلمان) كمخرج من الأزمة السياسية والعسكرية المحتدمة في ليبيا. لكن يبدو أن مقربين من القذافي ممن يطلق عليهم رجال الخيمة، ومعظمهم من كبار القيادات الأمنية والعسكرية، عارضوا فكرة تخليه عن السلطة طواعية، من دون الحصول على ضمانات تكفل أمنه الشخصي والعائلي.

وقال مسؤول في الحكومة الموالية للقذافي لـ«الشرق الأوسط» إن هناك حوارا سريا يجري عبر قنوات غير رسمية بين بعض المحيطين بالقذافي ومسؤولين ودبلوماسيين غربيين سابقين لكنهم على صلة بدوائر صنع القرار في دول التحالف الغربي، من أجل بلورة حل سياسي سلمي ينهي الأزمة الليبية. وأكد المسؤول الذي رفض الإفصاح عن هويته، أن القذافي تلقى إشارات غربية مفادها أن «اللعبة قد انتهت، وأنه لم يعد شريكا سياسيا مقبولا، وأنه بإمكانه الرحيل إلى أي دولة أفريقية يختارها وليست موقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، وأنه لن يلاحق قضائيا بأي شكل من الأشكال». وأوضح أن هذه الرسائل تم نقلها إلى كل من عبد العاطي العبيدي وزير الخارجية الليبي، وأبو زيد عمر دوردة رئيس جهاز المخابرات الليبية، بالإضافة إلى الدكتور البغدادي المحمودي رئيس الحكومة الليبية.

في المقابل، قال مساعدون لسيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تجري أيضا اتصالات غير معلنة مع بعض أصدقائه الغربيين في الإطار نفسه، لكنهم امتنعوا عن توضيح المزيد. وبينما أغلق الغرب رسميا كل قنوات الحوار الدبلوماسية المعلنة مع نظام القذافي، فإنه ما زالت هناك مساع سرية ومفاوضات غير معلنة تجري أحيانا عبر وسطاء غير منظورين إعلاميا. وقال مسؤول على صلة بهذه المفاوضات إن «نظام القذافي يستعين بكل أصدقائه القدامى لتمرير رسائل إلى الغرب.. هذه القنوات تسمح للغرب أيضا بتمرير رسائل مضادة». وأضاف «هذا الدور يشبه ما يفعله ساعي البريد.. أن تنقل وجهة نظر معينة ثم تأتي لاحقا بموقف الطرف الآخر منها، لكن لا شيء رسميا، والحكومات الغربية لا تريد أن يقال إنها تتحاور مع نظام الرجل (القذافي) الذي تسعى لإسقاطه عسكريا».

وكشفت مصادر ليبية النقاب عن أن مقربين من القذافي ما زالوا يسعون لإقناعه بقبول أحد مقترحين لتأمين خروج آمن له من السلطة مع أسرته بعد تخليه عن الحكم الذي يقوده منذ نحو 42 عاما. وأوضحت أن المقترح الأول يقضي بتنازل القذافي عن السلطة إلى الأعضاء الباقين على قيد الحياة من مجلس قيادة الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي، على اعتبار أن بعضهم مقبول محليا وخارجيا، على أن يتولى هذا المجلس لاحقا بالتعاون مع المجلس الوطني الانتقالي الممثل للثوار المرحلة الانتقالية وتأهيل البلاد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. ولفت إلى أن المقترح الثاني يقضي بتنازل القذافي عن السلطة إلى رئيس البرلمان محمد الزوي، على أن يعهد الزوي لاحقا إلى المجلس الانتقالي الليبي بتشكيل حكومة انتقالية لإدارة شؤون البلاد بعد رحيل القذافي.

لكن عبد المنعم الهوني، ممثل المجلس الوطني بالقاهرة وأحد أعضاء مجلس القيادة التاريخية للثورة الليبية، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه سمع عن أحاديث غير معلنة تجري في هذا الصدد، لكن ليس بإمكانه نفيها أو تأكيدها. وأضاف «يتعين أن نسمع هذا الكلام من صاحب الشأن، القذافي نفسه، وعليه أن يعمل العقل والمنطق، ويكتفي بما حققه من تخريب وتدمير لليبيا على مدى سنوات حكمه».

من جهتها، أبلغت مصادر على اطلاع بتفاصيل وكواليس المناقشات التي جرت في العاصمة الليبية طرابلس مؤخرا بين القذافي وأعضاء في قبيلة القذاذفة ومقربين بارزين منه، «الشرق الأوسط»، بأن هذه المناقشات اتسمت بالحدة في بعض الأحيان. وأوضحت أن من يسعون لإقناع القذافي بالخروج الآن أبلغوه بأنه لم يعد لديه ما يبقى من أجله في البلاد، بعدما فقد سيطرته على المنطقة الشرقية، وتصاعدت العمليات العسكرية التي تشنها قوات وطائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) على القوات العسكرية والكتائب الأمنية الموالية له.

وقالت المصادر إن مسؤولين ورموزا في قبيلة القذافي تحدثوا للعقيد بصراحة عن أنه حان الوقت للرحيل والاعتراف بالهزيمة، وأنه من الفضل له ولعائلته ولقبيلته أن يقبل بأي حل سياسي يتيح له الخروج الآمن وضمان عدم الملاحقة القضائية أو الدولية من أي جهات ليبية أو غربية. ونقلت المصادر عن هؤلاء قولهم للقذافي «الوقت لم يعد في صالحك، نخشى أن يتم قتلك، وقتل أفراد أسرتك، ونخشى أن تحدث عمليات انتقام واسعة النطاق ضد قبيلة القذاذفة، ولهذا يتعين أن تفكر في مصلحتك الشخصية والعائلية وأن توقف نزيف الدم في ليبيا».

وأكدت المصادر التي طلبت عدم تعريفها لما وصفته بحساسية موقفها، أن أقارب على صلة بالقذافي أبلغوه أيضا بأنه يستحيل عليه الاستمرار في قيادة ليبيا من مخابئ تحت الأرض بمقره الحصين في ثكنة باب العزيزية.

إلى ذلك، لوحت وزارة الخارجية الليبية أمس للمرة الأولى بفتح نظام القذافي قنوات حوار مع الجماعات الانفصالية في عدد من الدول الأعضاء بالتحالف الغربي وحلف الناتو، ردا على العلاقات المتصاعدة بين الثوار وهذه الدول.

ونقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية عن مصادر بالخارجية الليبية أنها تتابع باهتمام ما وصفته بالاتصالات المشبوهة والزيارات التي يقوم بها مسؤولو بعض الدول إلى الجزء الشرقي من ليبيا للاتصال بالمتمردين المسلحين. واعتبرت أن هذه الزيارات المشبوهة والاتصالات المريبة تمثل انتهاكا فاضحا للقانون الدولي؛ وتعديا على سيادة الشعب الليبي، وتدخلا سافرا في شؤونه الداخلية؛ ودعما لجماعات انفصالية متمردة تحت ذرائع واهية. ورأت أن هذه الانتهاكات والتدخلات في شؤون ليبيا والتعديات على سيادة شعبها، تعطي الحق للشعب الليبي في أن يباشر اتصاله بالحركات المطالبة بالاستقلال في الجزر الخالدات، والعمل على تحرير سبتة ومليلة، والتحالف مع إقليم الباسك، وأن يدعم اسكوتلندا باستقلالها، وأن يدعم أيضا استقلال لامبيدوزا؛ وبانتلريا؛ وعودتهما إلى وطنهما الأم تونس، وأن يتحالف مع إقليم كورسيكا، ويؤكد على حقه في الحرية والاستقلال، وأن يدعم أيضا نضال الثوار في إقليم «كازامنس» بالسنغال المطالبين بالحرية والاستقلال.

من جهة أخرى، تلقى القذافي اتصالين هاتفيين من أحمد توماني توري رئيس مالي ومالام باكايا رئيس جمهورية غينيا، فيما قالت وسائل الإعلام الليبية الرسمية إن الرئيس جدد التعبير عن تضامنه وتضامن الشعب المالي مع أبناء الشعب الليبي وقائده في تحديه البطولي ومواجهته الشجاعة لهذا العدوان الذي فرض عليهم، كما جدد التأكيد على التزامه والتزام مالي بمبادرة الاتحاد الأفريقي حول ليبيا، مشددا على أن أي شأن ليبي يخص الليبيين وحدهم ثم أفريقيا باعتبار أن ليبيا عضو مؤسس في الاتحاد الأفريقي. كما نقلت عن الرئيس الغيني رفضه ورفض بلاده القاطع للتدخل الأجنبي في شؤون ليبيا الداخلية، وتمسكه وتمسك بلاده بالمبادرة الأفريقية التي أطلقها الاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا.

على صعيد آخر، وجهت وزارة الخارجية الليبية نداء إلى كل السفراء والدبلوماسيين المنشقين عن نظام القذافي، للعودة مجددا إلى عملهم، وتعهدت بعدم الملاحقة القانونية أو التأديبية لمن لبى هذا النداء. وقالت الوزارة في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إنها ستقوم أيضا بتسهيل عودة المنشقين إلى أرض الوطن للالتحاق بأسرهم وذويهم مع تقديم كل المساعدات اللازمة لهم.