بنغازي تحرر كلمتها عبر الصحافة والشعر

صحف تعد في المنازل وتوزع بعد صلاة الجمعة.. وشعراء منتشرون في الساحات

TT

«عندما اندلعت الثورة، كان لدي ثلاثة خيارات، إما أن أصبح جنديا أو صحافيا أو ألازم بيتي وأنام». هذا ما قاله عبد الله الذي ينبض بالحماس، وأضاف بلغة إنجليزية ركيكة لوكالة الصحافة الفرنسية «أنا الآن صحافي».

وإذا كان التمرد ضد معمر القذافي جعل الأسلحة تتكلم، فهو حرر أيضا الكلمة في بلد خنقته الديكتاتورية اثنين وأربعين عاما.

فقد اكتشف عشرات الشبان الليبيين مثل عبد الله، الذين غالبا ما يكونون طلابا وعاطلين عن العمل أيضا، أنهم يميلون إلى أن يكونوا صحافيين أو شعراء، منذ انطلاق أولى الأفكار المثالية للتمرد في منتصف فبراير (شباط). وأدت الانتفاضة في بنغازي «عاصمة» التمرد، إلى صدور صحف جديدة وبدء مناقشات عامة، غالبا ما تكون على شكل قصائد تلقى في ساحة الثورة. وصحيفة عبد الله تدعى «تامورت» التي تعني «مسقط الرأس» باللغة الأمازيغية، أي اللغة البربرية. ويصدر كل أسبوع ست صفحات باللغة العربية واثنتين باللغة الإنجليزية.

وخصص العدد الأخير لتكريم الملك إدريس السنوسي الذي أطاحه العقيد القذافي في 1969، ونشر فيه مقابلة مع القنصل الإيطالي الذي أرسلته روما لدى التمرد. الأسئلة مباشرة والمقابلة أعدت بشكل جيد، لكن الصحافيين الهواة ينسون كتابة اسم القنصل غيدو دو سانكتيس.. وقال عبد الله «نصنع الصحيفة في منزلي، وننهيها الثلاثاء حتى تصدر الخميس». ويتيح الصدور الخميس توزيع الصحيفة الأسبوعية بعد صلاة الجمعة في ساحة الثورة المزروعة بالأعلام الليبية والفرنسية والبريطانية والقطرية، في ظلال قصر العدل القديم. إنه المكان المناسب لبيع المنشورات التي ازدهرت في المدينة، وجميعها على شكل واحد وفي المطبعة نفسها. والسعر هو 500 درهم أي 20 سنتا من اليورو.

وهنا، على سجادات مغبرة ومحاطة بصور «شهداء» الثورة، تصلي بنغازي وتعبر عن فرحها الثوري وكرهها للقذافي وتنشد قصائدها.

وفي المكان المخصص للنساء، يصدح صوت واضح يتحدث عن الحرية المستعادة، عن الدم المسفوك والأمل المستعاد أخيرا. إنها فاطمة عبد الله الأستاذة السابقة للغة العربية. وقالت «كنت أكتب الشعر في السابق، ثم توقفت. واستأنفت كتابة الشعر منذ اندلاع الثورة». وقصيدتها مكتوبة باللغة العربية على ورقة مفكرة صفراء تحمل تاريخ شهر فبراير، وهو بداية الثورة. وتتحدث الكلمات عن الشهداء وعن ابنها المسجون في مصراتة، معقل المتمردين على بعد 200 كلم شرق طرابلس والتي يرسل سكانها المحاصرون من قبل قوات القذافي «قواتهم لمساندتنا».

وفي الضوء الخافت، تقول نساء أخريات يحطن بفاطمة إنهن يكتبن قصائد وينشدن قصائد لشعراء آخرين. وفي نصوصهن، يذكر اسم الله باستمرار، ليدعم الثورة وأبناءها الذين ذهبوا إلى الجبهة. وتنشر صحيفة «انتفاضة الأحرار» بضع قصائد في طبعتها الأخيرة. وفي قصيدة «قلب من الفضة» تقول إيمان مالك «عانينا فترة طويلة، لكننا لن نتحمل فترة أطول، لأننا نعبر اليوم بأصواتنا، وفي مكان ما تحصي ساعة الزمن، انتهى زمنك، وحان زمننا، وضعتنا في القفص 42 عاما، لكننا نفرد الآن أجنحتنا، لقد تعلمنا أن نطير».

بنغازي - لندن: «الشرق الأوسط»