تركيا: حزب أردوغان يتجه إلى «ثلاثية تاريخية».. لكنه قد يعجز عن تعديل الدستور

الانتخابات الأكثر «حماوة» في تاريخ الجمهورية العلمانية تشهد استقطابا لا مثيل له

رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، وعقيلته أمينة، يحييان الناخبين لدى جولتهما في شوارع إسطنبول، أمس، استعدادا للانتخابات التشريعية
TT

يتوجه نحو 52 مليون ناخب تركي اليوم إلى صناديق الاقتراع، في واحدة من أكثر الانتخابات شراسة في تاريخ تركيا العلمانية، بعد أن رفع حزب العدالة والتنمية الحاكم شعارا كبيرا لها، وهدفا صعب التحقيق، وهو الحصول على 367 نائبا من أصل 550، ليضمن بذلك نسبة «الثلثين + 1»، التي تسمح لزعيمه، رجب طيب أردوغان، بتحقيق مشروعه في تغيير الدستور التركي جذريا، لا مجرد تعديله.

ويتوقع المراقبون إقبالا جماهيريا على التصويت؛ حيث قد تصل النسبة إلى 70 في المائة، وهي نسبة تاريخية، بعد أن ألغي مبدأ «التصويت الإجباري»، بعد أن كان التصويت يقف عند حدود الـ60 في المائة في الانتخابات السابقة.

وتعطي استطلاعات الرأي حزب العدالة والتنمية أفضلية واضحة ومريحة، قد تقوده إلى تعزيز حضوره في البرلمان، لكنها لن تصل، على الأرجح، إلى حد الفوز بما يريده أردوغان من نسبة «الثلثين + 1»، إذ إن أفضل استطلاعات الرأي التي نشرت قبل أسبوع من الانتخابات تعطيه نحو 45 في المائة، فيما يتوقع بعض قياديي الحزب الحصول على 56 في المائة.

وعلى الرغم من أن 15 حزبا وآلاف المستقلين يتنافسون على هذه المقاعد، فإن 3 أحزب فقط قد تتمكن من دخول البرلمان، لأن القانون التركي يفرض على كل حزب أن ينال 10 في المائة من مجمل الأصوات، وإلا فإنه لن ينال أي مقاعد، وهذا هو السبب الذي يمنع حزب «الحرية والسلام» الكردي، الذي يقال إنه الجناح السياسي لتنظيم «العمال الكردستاني» المحظور، من ترشيح أعضائه كحزبين، مفضلا ترشيحهم كمستقلين، وقد رشح هذه الدورة 60 من أعضائه؛ فإذا فاز أكثر من 20 منهم، شكلوا داخل البرلمان «مجموعة برلمانية» باسم هذا الحزب الذي يتمثل الآن بمجموعة فيها 19 من نوابه ونائب شيوعي تطوع للانضمام إليهم لمنحهم النسبة المطلوبة.

وقد فرضت المشكلة الكردية نفسها كمحور للتنافس بين الأحزاب المتنافسة، في ظل ما يتردد عن أن المرحلة المقبلة ستشهد تطبيقا لبرنامج الحل الذي يريده أردوغان لقضيتهم، وهو «الخيار الديمقراطي» الذي يمنحهم حكما ذاتيا مقنعا، يحققون من خلاله بعض مطالبهم، مثل إعطاء المزيد من الصلاحيات لحكام الولايات، ووصول هؤلاء إلى مناصبهم بالانتخاب بدلا من التعيين، كما هو الحال الآن، مما سيعطيهم إمكانية قيادة شؤونهم بأنفسهم.

والأحزاب المرشحة للدخول إلى البرلمان هي حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي سيحقق «ثلاثية تاريخية»، بغض النظر عن تمكنه من تعديل الدستور، لأنه سيكون الحزب الوحيد في تاريخ تركيا الذي سيستطيع تأليف الحكومة ثلاث مرات منفردا.

وينتظر حصول واحد من ثلاثة سيناريوهات عند إقفال مراكز الاقتراع اليوم؛ فإن تجاوز حزب العدالة والتنمية عتبة الـ367 نائبا، أي غالبية الثلثين، فسيكون بإمكانه تعديل الدستور من دون اللجوء إلى استفتاء.

وبحصوله على أقل من 330 مقعدا، من دون بلوغ 367، سيضطر الحزب لتنظيم استفتاء. وأخيرا مع أقل من 330 مقعدا سيتعين عليه الاستعانة بأحزاب أخرى، أو التخلي عن مشروعه.

وبينما يتوقع أن يبقي الناخبون حزب العدالة والتنمية في السلطة لثالث فترة على التوالي، يساور منتقدون وبعض المحللين حاليا القلق من أن يكون المسار المستقبلي للديمقراطية معرضا للخطر.

ويخشى كثيرون أن يحدث تعديل الدستور استقطابا في المجتمع، ويصرف انتباه الحكومة عن مواصلة الإصلاحات الهيكلية اللازمة.

أما الحزب الثاني، فهو حزب الشعب الجمهوري، الذي يعتبر الحزب العلماني الأكبر، وقد حصل هذه الدورة على معنويات أكبر بارتفاع أسهمه في استطلاعات الرأي إلى نحو 30 في المائة، والثالث هو الحزب القومي الذي يتميز بتطلعات فاشية تركية.

وفي حين سيحاول حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب العلمانية، الدفاع عن هذا الدستور، برفع نسبة تمثيله في البرلمان من نحو 20 في المائة إلى ،30 كما تشير التوقعات، يحاول الحزب القومي، الذي لا يلحظ أي دور للأقليات في البلاد، الدفاع عن وجوده، في ظل حملة شرسة تعرض لها وأجبرت الكثير من قيادييه على الاستقالة تحت وطأة «فضائح جنسية»، يقول قياديوه إنها من صنع الحزب الحاكم وأجهزة الأمن؛ فنزول الحزب عن عتبة الـ10 في المائة تعني عدم وصوله إلى البرلمان، غير أن الحملة التي تعرض لها أدت إلى تعاطف معه رفع حظوظه في استطلاعات الرأي إلى نحو 11 في المائة.

ويتوقع مصطفى أوزجان، الكاتب والمحلل السياسي التركي، أن يصوت الناس لحزب العدالة والتمنية ليفوز بدورة ثالثة، مع أنهم تعبوا من السياسة، حتى يقال إنه في تركيا هناك خمس الناس من المترددين، قائلا: «ليس هناك بديل للحزب، لذلك هو يفوز، الشعب التركي يختاره على مضض لأنه سئم منه. المشكلة أنه ليس هناك بديل، فحزب الشعب الجمهوري غير محبوب من غالبية الشعب التركي لأنه يمثل آيديولوجية غير محبوبة ولا تمت بصلة إلى جذوره، وزعيم الحزب من الأقلية العلوية، لذلك لبعض الناس حساسية تجاه الأقلية العلوية؛ فلا يريدون أن يصوتوا لزعيم علوي. وكذلك حزب الحركة القومي الحزب الهامشي الذي لا يمتلك برامج لكل الشعب التركي»، خالصا إلى القول إن «حزب العدالة والتنمية محظوظ بتفرق خصومه».

ويتقاسم حزب العدالة والتنمية الشعبية في إسطنبول مع حزب الشعب الجمهوري؛ فهما يتساويان تقريبا في الأصوات، مع تقدم طفيف للحزب الحاكم، كما أن العدالة والتنمية لا يتمتع عمليا بشعبية تسمح له بالمنافسة في الجانب الأوروبي من تركيا، ولا في الشريط الساحلي على بحر إيجة وسواحل المتوسط. حتى إن قياديي الحزب عانوا الكثير لجمع جمهور لأردوغان في زيارته الأخيرة قبل الانتخابات إلى أنطاليا، فاضطروا إلى استئجار حافلات لنقل أنصاره من كافة المناطق في مقاطعة أنطاليا. وكذلك في إقليم «هاتاي» أو لواء الإسكندرون، حيث تمتنع الكتلة العلوية عن التصويت للحزب بشكل شبه كامل، لكنه ينال في المقابل كامل أصوات الأتراك العرب السنة.

أما في المنطقة الكردية، فيعتبر الحزب ثانيا، بعد المستقلين، وهو يحصل على نسبة 30 في المائة من الأصوات، مستغلا العامل الديني.

وتتركز قدرات العدالة والتنمية في مناطق وسط الأنضول، التي يفوز بكل مقاعدها تقريبا وبسهولة فائقة، مما سيمنحه أفضلية على بقية الأحزاب.

* لأول مرة في الانتخابات التركية

* ستطبق في هذه الانتخابات تعديلات إجرائية يعمل بها للمرة الأولى في تركيا، بعد تعديلات قانونية أجراها البرلمان التركي العام الماضي، وهي:

1 - تخفيض شرط السن للراغبين في الترشح للانتخابات البرلمانية، من 35 إلى 25 عاما 2 - استخدام صناديق مصنوعة من البلاستيك المقوى شفافة غير قابلة للكسر ومقاومة للحريق بدلا من صناديق الاقتراع الخشبية.

3 - إلغاء عقوبة السجن لمن يقوم بحملته الانتخابية بلغة غير اللغة التركية.

4 - يحق للناخبين الاقتراع بتقديم الرقم الوطني فقط دون الحاجة لإثبات بطاقة الهوية الشخصية.

5 - عقوبة السجن من سنة إلى ثلاث سنوات لكل من يمنع أو يعيق ناخبا من الإدلاء بصوته.

* حقائق عن الانتخابات التركية 1- عدد الناخبين: 50 مليونا و189 ألفا.

2- عدد المناطق الانتخابية على مستوى البلاد: 85 منطقة.

3- عدد صناديق الاقتراع: 199 ألفا و207 صناديق.

4- عدد الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات: 15 حزبا.

5- عدد المرشحين للانتخابات: 7 آلاف و695 مرشحا.

وتنال إسطنبول حصة الأسد من مقاعد البرلمان، إذ يخصص القانون لها 85 مقعدا من أصل 550 هي عدد مقاعد البرلمان، علما بأن هذه المدينة التي تعد العاصمة الفعلية لتركيا يصدر منها نحو ثلثي الإنتاج الوطني.

أما بقية المدن فكالآتي: أنقرة (العاصمة) 31 نائبا، إزمير 26 نائبا، بورصة 18 نائبا، قونيا 14 نائبا، أنطاليا 14 نائبا.