الأصوليون يستعدون للظهور كقوة سياسية بارزة في مصر

الشحات زعيم الحركة السلفية: ستندلع معركة بين رؤيتين في البلاد

TT

لسنوات طويلة، شكل الشاطئ الممتد على ساحل البحر المتوسط مكان اللقاء المفضل للمحبين الشباب من المصريين للتمتع بصحبة بعضهم البعض على انفراد، لكن الآن بدأت رسائل تهديد جديدة في الظهور على الصخور، تقول إحدى الرسائل الموجهة للرجال الذين يصطحبون صديقاتهم إلى منطقة صخرية تتلاطم عندها الأمواج: «هل كنت ستقبل بذلك لأختك»؟ بينما تقول أخرى: «إن الله يراك». وهناك رسائل أخرى تدين الخمر، في الوقت الذي اكتفت فيه إحدى الرسائل بإعلان أنه: «كفانا ذنوبا».

وهذه الرسائل من صنع إسلاميين، يظهرون على السطح الآن على هامش المجتمع المصري بحماس وقوة. وخلال الشهور الأخيرة، انتشرت هنا كتابات على الجدران ولوحات إعلانية تدعو لبناء وجه جديد لمصر أكثر محافظة، مما يعد جزءا من نقاش متصاعد حول صورة مصر التي ينبغي أن تتمخض عنها الثورة التي أسقطت قائدا استبداديا، وأطلقت العنان لقوى اجتماعية وسياسية ظلت مقيدة لأمد طويل.

من جهته، أعرب عبد المنعم الشحات، زعيم «الحركة السلفية» الأصولية بمصر، والتي قضى أعضاؤها سنوات طويلة في السجون في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك، عن اعتقاده أنه «ستندلع معركة بين رؤيتين لمصر».

مع الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها هذا الخريف، يستعد الأصوليون للظهور كقوة سياسية قوية على الساحة السياسية المصرية، وستعد هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على مدى الطابع الديني الذي ينبغي أن يكتسبه نظام حكم أكبر دولة عربية في حقبة ما بعد الثورة.

الملاحظ أن الأصوليين تتركز رؤيتهم بصورة عامة حول فكرة مثالية تقوم على ضرورة إعادة الإسلام لما يعتبرونه صورته النقية الأصولية التي جسدها النبي محمد ومن خلفوه مباشرة.

في مصر، يطلق الرجال السلفيون اللحى الطويلة، ويصرون على ضرورة امتناع أقاربهم من النساء عن العمل خارج المنزل، وأن يغطين وجوههن بالنقاب. وعلى خلاف الحال مع الإخوان المسلمين، لم يشارك السلفيون بنشاط في الحياة السياسية المصرية، ولم يفتحوا صفوفهم السياسية أمام الأقليات، مثل المسيحيين الأقباط.

وعلى الرغم من أنهم أقل خبرة سياسية من الإخوان المسلمين الأكثر شهرة، فإن السلفيين المصريين بمقدورهم إحداث تغيير كبير في المشهد السياسي المصري، في دولة ظلت خاضعة لإدارة حاكم استبدادي علماني لعقود. الآن، يعكف قادة سلفيون على تشكيل أحزاب سياسية، ومحاولة الولوج إلى عالم المدونات الناشئ بالمنطقة، وإعادة تقديم أنفسهم داخل مجتمعات تنظر إليهم منذ أمد بعيد كأشخاص منبوذين.

من جهته، قال عبد الله الأشعل، الدبلوماسي المصري السابق والمرشح الرئاسي: «إن السلفيين سيتمكنون من حشد قاعدة واسعة من الناخبين خلال الانتخابات». وقال: «إنهم يصوتون حسب الأوامر، وليس القناعات».

ليس هناك من يتوقع - بما في ذلك السياسيون السلفيون الناشئون - تحقيق الحركة السلفية نجاحا كبيرا في الانتخابات، والتي تضم أفرادا يعلنون إعجابهم بزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن الذي قتل مؤخرا. إلا أن الشحات وعددا من الشخصيات السلفية البارزة الأخرى أعلنوا عزمهم على الاضطلاع بدور محوري في صياغة دستور جديد للبلاد لضمان أنه يعكس تفسيرا صارما للشريعة الإسلامية.

حتى الآن، لم يطرح القادة السلفيون رؤية سياسية واضحة، ولم يعلنوا عن رأيهم بخصوص إلى أي مدى ينبغي أن تعمل الدولة على ضمان أن تكون الشريعة الإسلامية عماد الأخلاق والعدالة والحكم في مصر الجديدة.

وقد اعترض سياسيون بارزون في الإخوان المسلمين وقيادات سلفية عندما سئلوا مؤخرا حول ما إذا كانوا سيسعون لمنع الخمور أو فرض الحجاب على النساء. من جهته، أوضح الأشعل أن الشريعة تحظر تناول الخمر، «لكنها لا تمنحنا الحق في تفتيش منازل الناس». وأضاف أن الشريعة تأمر النساء بارتداء الحجاب، لكنها لا تسمح للحكومة بفرض الحجاب عليهن بالقوة. وقال الأشعل ومحمد مرسي، رئيس الحزب السياسي الجديد المنبثق عن الإخوان المسلمين: «إن السعودية هي الدولة التي ينبغي على مصر محاولة محاكاتها في المستقبل».

وظهر قادة الحركة السلفية المصرية اليوم جنبا إلى جنب مع الإسلاميين المنتمين للجماعات المسلحة، التي نفذت هجمات ضد الحكومة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، والتي سعت للإطاحة بالحكومة وإقامة دولة إسلامية. الآن، يدعي قادة السلفيين والإخوان المسلمين أنه لا صلة لهم بمنظمات مسلحة مثل «الجهاد الإسلامي» أو «الجماعة الإسلامية»، وأن جماعاتهم نبذت العنف.

شعر إسلاميو مصر منذ أمد بعيد بأن حكومة مبارك، التي كانت علمانية في الجزء الأكبر منها، لم تعكس الطابع الديني للبلاد، وقد فرض الرئيس المخلوع قيودا سياسية كبيرة على الإخوان المسلمين، ولم يسمح لها سوى بمساحة ضئيلة للتنفس، للإبقاء على مجرد مظهر خارجي لوجود معارضة في البلاد.

أما السلفيون الذين يوجد من بين أعضائهم المؤسسين، شخصيات ألهمت الجهاديين الذين اتخذوا سبيل العنف، فقد تعامل معهم نظام مبارك بقسوة بالغة، وقد تعرض المئات من قيادات السلفيين للسجن خلال سنوات حكم مبارك، في ظل قانون الطوارئ الذي يمنح الدولة حق حبس الأفراد لأجل غير مسمى، من دون توجيه اتهامات إليهم، وقد أطلق سراح معظمهم في أعقاب الثورة التي استمرت 18 يوما.

من جهته، قال الشحات، العالم السلفي البارز، الذي تعرض للسجن مرارا، وتعرض لمضإيقات من قوات أمن النظام السابق: «إن السياسيين الإسلاميين قد يحصدون 40% من مقاعد البرلمان الجديد، مضيفا أن الإخوان المسلمين ربما يحصلون على غالبية هذه المقاعد، بينما يحصل السلفيون على 10% من المقاعد».

وأضاف الشحات: «الكثير من القادة أحرار الآن، ويعملون على تعريف وسائل الإعلام والمجتمع بأنفسهم، ويقدمون أنفسهم للمجتمع بصورة سلمية، ويذكرونهم بأنهم تخلوا عن العنف منذ ما قبل الثورة».

من الشخصيات البارزة بين هؤلاء ممدوح إسماعيل، محام من القاهرة، كان من بين الإسلاميين الذين ألقي القبض عليهم في أعقاب اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، والذي دافع في المحاكم عن الكثير من المسلحين الإسلاميين، وقد تعرض للسجن مجددا عام 2007 وله صلات مزعومة بـ«القاعدة»، لكنه ينفي ارتكابه أي تجاوزات. في ظهيرة أحد الأيام القريبة، عقد اجتماعا في مكتبه بالقاهرة وكان مرتديا حلة رمادية ورابطة عنق زرقاء، وبدا أشبه بسياسي صاعد منه بمسلح إسلامي، وجلس على الطرف المقابل منه مجموعة من الرجال الملتحين في انتظار الحديث إليه، بينما استخدم أحد زملائه كاميرا فيديو للتصوير.

ويجري إلقاء اللوم، على نطاق واسع، على السلفيين عن موجة الصدامات التي اندلعت مؤخرا بين مسلمين ومسيحيين، خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى. وقال إسماعيل: «إن القلق يساوره حيال ما اعتبره شائعات كاذبة، يجري الترويج لها داخل أحياء بالقاهرة حول إضرام النيران في نساء لعدم ارتدائهن الحجاب».

وأضاف: «لماذا يشعر الناس بهذا الخوف؟ لأنه اتضح للغاية منذ الثورة أن هناك اهتماما كبيرا في الشارع بالحركات الإسلامية والفكر الإسلامي». إلا أن السلفيين أصبح لهم ظهور أقوى في المدن والقرى بمختلف أرجاء البلاد، الأمر الذي أثار خوف بعض السكان، ففي ضاحية إمبابة في القاهرة، التي يقطنها أصحاب الدخول المنخفضة، ذكرت تقارير أن مجموعة من الغوغاء يقودها سلفيون رددت صيحات «النصر للإسلام»! أثناء صدامها مع مسيحيين أقباط وإضرامهم النيران في كنيسة الشهر الماضي.

وعلق قس يدعى زوسيما الأنطوني، بينما كان يقف قريبا من كنيسة القديس مينا الأرثوذكسية التي احترقت في 7 مايو (أيار)، بقوله: «الشعور بأن جارك الكبير في السن قد يفعل هذا بك شعور مخيف، ويقع اللوم على من أطلقوا سراح السلفيين من السجون».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»

* شارك في التقرير المراسلة الخاصة إنجي حسيب