قوات الأسد تقتحم جسر الشغور مدعومة بالدبابات والهليكوبترات.. والمئات يفرون إلى تركيا

السلطات تؤكد العثور على مقبرة جماعية لجنودها ووقوع اشتباكات عنيفة مع مسلحين.. وشهود عيان ودبلوماسي غربي يشككون

عناصر من القوات السورية في قرية إستبرق وهي تقترب من بلدة جسر الشغور أمس لاقتحامها (أ.ب)
TT

بعد نحو أسبوع من اشتعال الأحداث في بلدة جسر الشغور الحدودية السورية على خلفية الانتفاضة الشعبية المناوئة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، اقتحمت قوات سورية، يقودها شقيق الرئيس، ماهر الأسد، تلك البلدة أمس لسحق الاحتجاجات، في سيناريو يبدو مشابها لذلك الذي شهدته مدينة درعا، مهد الانتفاضة. ورافق عملية الاقتحام، التي نفذت من الأطراف الجنوبية والشرقية للمدينة، قصف مكثف، بينما فر عدد من السكان من الأطراف الشمالية إلى الحدود التركية. من جانبها، أكدت السلطات وقوع «اشتباكات عنيفة» مع مسلحين، غير أن العديد من شهود العيان ودبلوماسي غربي شككوا في صحة تلك الرواية.

والهجوم على جسر الشغور المحاذية لطريق استراتيجي في شمال غربي سوريا هو أحدث إجراء تقوم به القوات المسلحة لسحق المطالبين بالحرية السياسية وإنهاء القمع وهي المطالب التي فرضت تحديا غير مسبوق على حكم الأسد المستمر منذ 11 عاما. ونقلت وكالة «رويترز» عن سكان أن دبابات وطائرات هليكوبتر سورية هاجمت بلدة جسر الشغور الحدودية، بينما قال التلفزيون الرسمي إن اشتباكات عنيفة وقعت بين قوات الجيش ومسلحين معارضين للأسد. وأفادت وكالة «أسوشييتد برس» أنه تم اقتحام جسر الشغور من حدودها الجنوبية والشرقية بـ200 عربة، ضمنها الدبابات، كما سمعت أصوات الانفجارات بينما كانت طائرات الهليكوبتر تحوم في المنطقة.

وأفاد سكان أن معظم المدنيين فروا من البلدة باتجاه الحدود التركية التي تبعد نحو 20 كيلومترا وأن الدبابات وطائرات هليكوبتر تقصف البلدة وتمطرها بوابل من طلقات المدافع الرشاشة.

وتابع التلفزيون الرسمي أن مواجهات ضارية تجري بين وحدات الجيش وأفراد تنظيمات مسلحة متمركزين في محيط جسر الشغور وبداخلها. وقال إن وحدات الجيش أبطلت مفعول قنابل وعبوات ناسفة زرعها مسلحون على الجسور وطرق البلدة. وأضاف أن اثنين من أفراد التنظيمات المسلحة قتلا وألقي القبض على عدد كبير منهم وكان بحوزتهم أسلحة فتاكة.

كما أعلن التلفزيون السوري في وقت لاحق عن اكتشاف مقبرة جماعية في جسر الشغور وقال إن العناصر المسلحة ارتكبتها بحق عناصر المركز الأمني، وزعم أنه تم «الكشف عن مقبرة جماعية ارتكبتها التنظيمات المسلحة بحق عناصر المركز الأمني في جسر الشغور وعن فظائع ارتكبتها التنظيمات المسلحة بجثث الشهداء التي تم إخراجها من المقبرة»، وأضاف أنه تم إخراج عشر جثث من المقبرة الجماعية وأن معظم الجثث مقطوعة الرؤوس والأطراف بالسواطير وتوجد آثار إطلاق نار في أماكن عدة على الجثث.

من جانبه، أفاد الناشط الحقوقي مصطفى اسو إن الجيش ينفذ عمليات عسكرية في 3 مناطق في محافظة إدلب، هي معرة النعمان وجسر الشغور وجبل الزاوية، التي تضم عدة قرى.

وذكر اسو أن القوات المتقدمة عبر الدبابات والمدفعية والهليكوبترات كانت تقاتل ضد المئات من عناصر الجيش المنشقين، وأضاف أن «هذه أكبر وأخطر موجة انشقاق»، منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى خلاف العادة حيث تمنع السلطات السورية معظم وسائل الإعلام الأجنبية من العمل في البلاد مما يجعل من الصعب التحقق من روايات الأحداث، فإنها طلبت هذه المرة من عدد من الصحافيين مرافقة قواتها أثناء عملية الاقتحام. وبحسب «أسوشييتد برس»، فقد رافق مراسلها القوات السورية بدعوة من السلطات لتغطية اعتقال «المسلحين» في المدينة. وأفادت الوكالة أن الجنود أخذوا الصحافيين إلى المستشفى الوطني في المدينة وهناك شاهدوا جثتين على الأقل.

من جانبها، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن وحدات الجيش قامت بعد دخولها البلدة «بتطهير» المستشفى الوطني من العناصر المسلحة. غير أن دبلوماسيا غربيا كبيرا في دمشق عبر عن شكوكه في صحة الرواية الرسمية حول وقوع اشتباكات مع مسلحين، وقال لوكالة «رويترز» إن «الرواية الرسمية غير محتملة، فمعظم الناس غادروا جسر الشغور بعدما رأوا سياسة الأرض المحروقة التي ينفذها النظام والقصف والاستخدام المكثف للمدرعات في الوادي»، وأضاف أن «توافد اللاجئين على تركيا يتواصل والأعداد أعلى من التي تحصى رسميا حتى الآن».

وسئل أحد عمال البناء ويدعى مصطفى (39 عاما) فر أمس، عن وقوع أي اشتباكات بالبلدة، فأجاب: «أي اشتباكات؟ الجيش يقصف البلدة من الدبابات. الجميع يفرون»، وأضاف: «حتى لو كان معنا بنادق فماذا ستفعل أمام المدافع؟ إن سوريا يحكمها ديكتاتور بالشدة، وفجأة يقول النظام إن جسر الشغور مسلحة عن آخرها. هم يكذبون. هم يعاقبوننا لأننا نريد الحرية».

وقال السكان إن وحدات الجيش بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار تمارس الأساليب نفسها التي انتهجتها في مراكز أخرى لسحق المحتجين المطالبين بإنهاء حكم الأسد الاستبدادي.

وتقع بلدة جسر الشغور الاستراتيجية على تلال على الطريق بين مدينة حلب ثاني أكبر مدن سوريا وميناء اللاذقية الرئيسي، وقد شهدت مظاهرات ضخمة مع وصف سكان لتمرد من قبل قوات الأمن التي قالوا إنها قاتلت قوات أخرى في محاولة لمنع قتل المدنيين.

وقال شهود العيان إنهم يخشون الهجمات الانتقامية التي تشنها قوات الأمن بسبب العنف الذي قالت سوريا إن 120 جنديا قتلوا خلاله، ولكن نشطاء حقوقيين ولاجؤون قالوا إنه نجم عن قتال بين قوات الأمن بسبب رفض جنود تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على المدنيين.

وقالت لاجئة رفضت نشر اسمها لمحطة (إن تي في) الإخبارية التركية: «عندما حدثت المجزرة في جسر الشغور انقسم الجيش على نفسه، أو بدأ جنوده يقاتل بعضهم بعضا، وأنحوا باللائمة في ذلك علينا».

وأقامت تركيا مخيمات ضخمة للاجئين ونقلت الجرحى للمستشفيات لكنها قيدت الوصول إلى اللاجئين حفاظا على خصوصيتهم بحسب قولها.

وأفاد لاجؤون أن القوات السورية أحرقت أو قتلت الماشية والأغنام، وأضافوا أن الأراضي الزراعية حول الصرمانية إلى الجنوب من جسر الشغور قد دمرت، بينما قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية إن «الجماعات الإرهابية المسلحة» هي التي أحرقت الأراضي الزراعية في محافظة إدلب في إطار عمليات تخريبية تقوم بها.

وتقول منظمات حقوقية إن أكثر من 1100 مدني قتلوا منذ مارس (آذار) في حملة تزداد دموية على المتظاهرين المطالبين بتنحي الأسد ومزيد من الحريات السياسية وإنهاء الفساد والفقر. واستلهمت الاحتجاجات الانتفاضات ضد حكام طغاة آخرين طال بقاؤهم في السلطة في العالم العربي.

يأتي هذا، في وقت يواصل فيه أعداد من السوريين الفارين من البلدة تدفقهم إلى تركيا، وأفادت وكالة أنباء الأناضول أن أكثر من 400 سوري عبروا الحدود التركية ليل السبت - الأحد، مما يرفع إلى 5051 عدد اللاجئين الذين أتوا من سوريا للعيش في مخيم جنوب تركيا.

وكان التعداد الأخير المقدم من مصدر رسمي بعد ظهر أول من أمس أشار إلى وصول 4600 لاجئ من سوريا إلى تركيا.

في سياق متصل، ذكرت صفحة المعارضة السورية، التي اتخذت شعارا لها: «العاصي يفيض دما - يا شغور نحن معك للموت»، على شبكة «فيس بوك»، أن جسر الشغور تعرضت صباحا لقصف عنيف بالدبابات بشكل غير مسبوق منذ «بداية الهجوم على الأبرياء»، بالتزامن مع تحليق طائرات مروحية في سماء المدينة وقيام أجهزة الأمن بعملية تمشيط واسعة في محيط جسر الشغور. ولفتت إلى أن «عصابات النظام القاتل بعد أن أقدمت على قصف مدينة جسر الشغور بالدبابات، قامت بهدم الجسر فوق العاصي وإحراق مبنى البريد».

في موازاة ذلك، نشرت المعارضة السورية على «فيس بوك» مقطع فيديو قالت إنه «مسرب من بانياس لعصابات الشبيحة يعذبون الناس ويقولون لهم: تريدون حرية؟ ويقومون بضربهم». ويظهر الفيديو مجموعة من الشبان المبطوحين أرضا وهم مربوطو الأيدي فيما يقف إلى جانبهم عناصر بثياب عسكرية ويقومون بضربهم ودهسهم بأرجلهم.

واستمرت المعارضة السورية أمس في دعوة المتظاهرين إلى الوقوف في وجه النظام السوري والخروج للتظاهر بكثافة، مشددة على أهمية «التظاهر بشكل يومي ومكثف بدرجة لا تقل عن زخم مظاهرات يوم الجمعة، وذلك لجعل كل يوم من أيام الأسبوع يوم جمعة بامتياز».